أحمد فايق يكتب: لماذا تضرب الدولة الأولتراس وتصمت عن أمناء الشرطة؟

مقالات الرأي



اتصال تليفونى صباحى لا يتوقف، قمت منزعجا فوجدت على الطرف الاخر الرجل الذى اشترى منى السيارة منذ عدة أشهر، انتظر حتى تنتهى مدة الترخيص وقدم طلبا فى المرور لنقل الملكية، أعطى الهاتف إلى أمين الشرطة قال لى نريدك أن تأتى إلى مرور الدراسة كى تكتب تعهدا بأن هذه السيارة ملكك ...!


■ حبيب العادلى أحال 10 آلاف أمين شرطة للصلاحية بتهم السرقة والتعذيب ومنصور العيسوى أعادهم بعد 25 يناير 

■ يتظاهرون دون ترخيص ويغلقون الأقسام ويشوهون صورة الداخلية

■ إلغاء محاكم التأديب العسكرية حوّلهم إلى موظفى حكومة يمتلكون السلطة والسلاح فى وجه المواطنين

■ عددهم 450 ألفًا ويمتلكون مفاتيح الدولة ويريدون مزايا الضباط الاجتماعية

ذهبت إلى الدراسة ومعى ياسين ابنى كنت أعتقد أن الموضوع لن يستغرق أكثر من ساعة، هناك وجدت الأمين يجلس فى غرفة صغيرة وحوله العشرات من طالبى الخدمات، وهو يصرخ فى وجههم بشكل غير إنسانى، عذرته لأن ضغط العمل عليه كبير وافترضت حسن النية، بعد قليل نظر لى قائلا: اتفضل عاوز إيه؟

قلت له: حضرتك اللى طلبتنى

قال: العربية دى أصلا بتاعتك

قلت: نعم

قال: هذه السيارة مسروقة وعليها حكم قضائى

قلت: هذا كلام غير حقيقى لأن السيارة ملكى وهى «زيرو»

قال: أنت محتجز لتنفيذ الحكم القضائى .....!!!!!

بعد قليل عاد ليساومنى بجمل من نوعية «ماتخافش ياباشا كل حاجة ليها حل»

هذه الجملة كانت طلب رشوة مقنع، ولما وجد عدم استجابة منى بدأ فى الابتزاز والتهديد بالحبس، أجريت مجموعة من الاتصالات، وتم إبلاغ مدير مباحث مرور العاصمة بالواقعة، هو أرسلنى إلى أمين شرطة آخر، لكن هذه المرة كان متعاونا، فقد وجد بالفعل محضرا بسرقة العربية فى كفر الشيخ، هنا شعرت بالرعب واتصلت بصديق لى كى يأتى ليصطحب ابنى إلى المنزل.

ظل أمين الشرطة يعمل على القضية 6 ساعات حتى اكتشف أن هناك خطأ فى موديل السيارة المسروقة المبلّغ عنها، شاهدته بنفسى يمتلك عبقرية محقق من المباحث الفيدرالية الأمريكية، يعرف كل الكواليس فى أقسام الشرطة والنيابات، لقد وصل إلى الشخص الذى أبلغ عن السرقة، دون أن يسافر له، وتأكد أن السيارة المسروقة ليست سيارتى القديمة، وكتب على الورقة بيانا رسميا يؤكد أن سيارتى ليست مسروقة بعد تحريات مباحث المرور.

النموذجان يوضحان حال دولة أمناء الشرطة فى مصر، مابين مبتز ومرتش وآخر يجيد عمله ويخدم المواطنين.

عددهم فى مصر 450 ألفا، كانوا أبطال أحداث الـ5 سنوات الأخيرة، وفى الأسبوع الماضى أحدهم أعتدى على سيدة بالمترو وضربها بالقلم، وعاقبت شرطة المترو السيدة المعتدى عليها بغرامة 400 جنيه لتعطيل المترو ...!

ولم تتحرك الداخلية لمعاقبة الأمين المخطئ، والواقعة الثانية هى مستشفى المطرية واتخذت الداخلية إجراءات حاسمة بإيقاف أمناء الشرطة عن العمل وتحويلهم إلى التحقيق، بعد إضراب الأطباء والعاملين بالمستشفى عن العمل.

أمناء الشرطة قاموا بعمل عشرات من المظاهرات دون ترخيص وأغلقوا أقسام بوليس ومديريات أمن، ولم تتم معاقبتهم، بل تحقق لهم الداخلية طلباتهم، من منطق المسكنات، لقد أصبح أمناء الشرطة ورما يعانى منه المصريون، ويحتاج إلى علاج، هذا الورم ازداد نموا وانتشارا بقرارات خاطئة.

لقد استبعد حبيب العادلى 10 آلاف أمين شرطة لأسباب مختلفة منها السرقة والنصب والتعذيب، وبعضهم لخلافات سياسية، هل تتخيل ما طبيعة شخصية أمين الشرطة التى يستبعدها حبيب العادلى بتهمة التعذيب؟!

بعد ثورة 25 يناير قاموا بعمل مظاهرات ورضخ لهم منصور العيسوى وأعادهم بقرار...!

ثم قاموا بمظاهرات أخرى يطالبون بأن يلتحقوا بكلية الشرطة كى يصبحوا ضباطا، ووافق لهم وزير الداخلية والآن يوجد 1200 ضابط كانوا أمناء شرطة .

نظرية الدولة الأبوية التى كانت فى عهد مبارك جعلت أمين الشرطة يعتقد أنه أهم ألف مرة من ضابط صغير بـ«دبورة»، فالمنصب فى عهد مبارك كان لكبير السن وليس للكفاءة أو التعليم، وأمين الشرطة لا يتقبل هذا الوضع، ضغطوا وحصلوا على الرتب، ولك أن تتخيل أن أمين شرطة متمرساً أصبح ضابطا بنفوذ أكبر .

ضغط الأمناء أن تتوقف المحاكم العسكرية عنهم، وهى السلاح الرادع الوحيد الذى تمتلكه الداخلية لتقويم الأداء فتحول الأمين إلى موظف حكومى فى مجمع التحرير لكن بين يديه سلطة وسلاح، سأحاول تبسيط الأمر، موظف الحكومة حينما يغضب من مديره يقول إنه سيدخل إلى مكتب المدير ويضربه بالحذاء مقابل 10 أيام خصما ...!

هذا نمط تفكير موجود فى المؤسسات الحكومية، لأن الموظف المدنى ليس لأحد سلطان عليه، والقوانين تحميه من العقاب الرادع، فلك أن تتخيل أن أمين الشرطة لديه هذه القوانين لكنه لن يستخدم حذاءه فى مواجهة أحد بل سيستخدم ماهو أكثر عنفا من ذلك .

علينا أن نعترف أن هناك أمناء شرطة أكثر قوة ونفوذا من الضباط، والضباط الصغار يخشونهم.

إن أمناء الشرطة فى الداخلية درجات فهناك من يتقاضى 5 آلاف جنيه شهريا وهناك من يحصل على 1500 جنيه، فلكل إدارة حوافز مختلفة وأمين الشرطة فى الكهرباء غير أمين الشرطة فى المرور.

نسبة الفساد فى أمناء الشرطة ليست كبيرة لكنها مؤثرة لأن الأمناء الذين يتعاملون مع المواطنين هم الأكثر فسادا، وبعضهم وصل إلى حال مزرٍ ويتسولون ..!

هناك قواعد شهيرة يعلمها الكثيرون من أبناء الطبقة المتوسطة، إذا كانت هناك امرأة تقود السيارة فسيتم توقيفها فى كل كمين وتفتيش السيارة لإرضاء بعض العقد النفسية للأمناء، ولو بجوارك امرأة جميلة ستتعرض لنفس الموقف، ويجب أن تدفع رشوة لأمين الشرطة كى تحصل على رخصة القيادة، فالضابط لا يستطيع أن يخرج لك الرخصة دون قدرة الأمين على تخليص الإجراءات البيروقراطية.

وهناك أمناء شرطة فى المطارات يراجعون جوازات السفر ولا يجيدون الإنجليزية بشكل جيد، وهناك أمناء شرطة فى المباحث يمارسون عنفا وبلطجة ضد المشتبه فيهم.

أما القاعدة الذهبية فهى لا تحاول أن تختلف أو تشتبك فكريا مع أمين شرطة لأنه سيضربك إلى أن يظهر لك صاحب.

من المجحف أن نرى فى أمناء الشرطة أنهم كلهم «حاتم» نموذج خالد صالح فى فيلم «هى فوضى» لكن من العقل أيضا أن نرى أن الدولة المصرية كلها قد تسقط بسبب خطأ من أمين شرطة، وليس من المنطقى أن نتعامل مع الموضوع بمسكنات، لأنها لن تستمر طويلا، هل نحتاج إلى تعديل المناهج الدراسية فى معهد أمناء الشرطة؟

هل نحتاج إلى إعادة تأهيل الأمناء الموجودين فى الشارع؟

هل نحتاج إلى تحقيق الحد المعقول لهم معيشيا حتى لا يتسولون؟

هل نحتاج إلى الردع؟

أم أن الردع يستخدم فقط مع الأولتراس وكل من يتظاهر دون ترخيص؟