في ذكرى اغتيال "الملك فيصل".. حكاية حاكم وقف ضد إسرائيل وسخر منه "عبدالناصر".. (بروفايل)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


فيصل بن عبد العزيز آل سعود، يلقبونه بالصقر، صقر العرب، فهو سياسي محنك، وملك حكيم، ورجل شجاع، وإنسان متسامح، تمنى الشهادة فنالها، كان الملك فيصل "خادم الحرمين الشريفين".
 
طفل استثنائي
توفيت والدة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود بعد ولادته بستة أشهر، فرباه جديه لأمه، كان طفل استثنائي حفظ الكثير من القرآن في سن صغير، اهتم والده الملك عبد العزيز بتعليمه شئون السياسة في سن مبكر، وكان أول عمل سياسي يقوم به وهو في عمر الـ13، حيث أرسله والده في زيارة لبريطانيا وفرنسا.
 تقلده للمناصب في سن صغير
كما تحمل "فيصل" مسؤوليات المملكة منذ الصغر، حيث عينه والده الملك عبد العزيز نائباً له وهو في العشرين من عمره، ثم عينه رئيساً لمجلس الشورى بعمر الـ21، ووزيراً للخارجية بعدها بخمسة سنوات.
 بعد وفاة والده تولى عمه الملك سعود حكم المملكة، الذي عينه وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وبعد الأزمة المالية التي عانت منها المملكة عينه وزيراً للمالية، وكذلك وزيراً للداخلية لإدارة التوترات التي سببها الصراع على الحكم في تلك الفترة.
وفي نهاية حكم الملك سعود توترت العلاقة بينه وبين فيصل، الأمر الذي تسبب في انسحابه من جميع المناصب التي تولاها، وظل فقط نائباً لرئيس مجلس الوزراء.
 مُبايعته
قبل وفاة الملك سعود عانى من أمراض كثيرة، حتمت عليه السفر خارج البلاد معظم الوقت للعلاج، فكان من الضروري تولي شخص آخر يستطيع تسيير أمور شئون البلاد، فاجتمع مجلس العلماء والأمراء وأصدر المجلس فتوى تنص على أن يصبح الأمير خالد بن سعود نائباً لرئيس مجلس الوزراء، على أن يتولى فيصل بن عبد العزيز تصريف شؤون المملكة، وحينما عُرض القرار على الملك سعود رفض رفضاً قاطعاً مما اضطرهم لخلعه، وتمت مبايعة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملكاً على المملكة العربية السعودية في 2 نوفمبر عام 1964.
انجازاته
حقق الملك فيصل بن عبد العزيز الكثير من الإنجازات الداخلية في عهده على مستويات عدة، فكانت من أهم قراراته الاقتصادية عدم منح امتيازات استثمارات البترول إلا لمؤسسات وطنية، كما قام بمراجعة العديد من الاتفاقيات التي تخص شركات البترول التي رآها ظالمة للمملكة.
وقام بمد شبكة مواصلات ضخمة تربط المملكة العربية السعودية بجيرانها الآسيويين مثل العراق والكويت وسوريا والأردن، وتوسع في إقامة المطارات والموانئ، وأنشأ معهد التدريب على الطيران المدني، وساهمت هذه الطرق في فتح طرق أمام تسويق المنتجات السعودية.
 كما تم التعاون مع منظمة الصحة العالمية لوضع البرامج الحكومية الصحية، وأنشأ مستشفي الملك فيصل التخصصي.
وعلى الصعيد الزراعي أمر البنك الزراعي بإعطاء قروض للفلاحين تساعدهم على شراء ما يحتاجون من معدات بطرق تسديد سهلة وبدون فوائد.
علاقة السعودية بمصر في عهده 
شهدت العلاقة بين الدولتين توتراً كبيراً بسبب خلافات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع الملك فيصل بن عبد العزيز، حيث بدأت الخلافات بسبب الحرب السعودية اليمنية، وكان الرئيس جمال عبد الناصر يدعم الثورة اليمنية، وفي أحد خطاباته قام بتهديد الملك فيصل بضرب الطيران السعودي والاستهزاء به، وهدده بمطالبة اليمن بأرضها في نجران، متهماً السعودية باغتصابها منهم.
وقبيل نكسة 1967 قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منع سفر المصريين للحج في تلك السنة، وقال في خطاب شهير له: "سأنتف كل شعرة في ذقن فيصل، وعليه أن يشرب من البحر، أمامه البحر الأحمر وإذا لم يعجبه يشرب من البحر الأبيض".
ولكن على الرغم من قرار "عبد الناصر" الذي كان يتمتع بشعبية جارفة في ذلك الوقت، أراد المصريون الذهاب إلى الحج، فما كان منهم إلا أن سافروا إلى الأردن، ومن هناك قاموا باستئجار الحافلات التي أخذتهم إلى الحدود السعودية، وكانت أعدادهم بالآلاف ولا يمتلكون تأشيرات لدخول السعودية، فعلى الفور تم الاتصال بوزير الداخلية، الذي أبلغ الملك فيصل بالأمر، فقال الملك فيصل "لا يرد أحد عن بيت الله الحرام"، وقال لوزير داخليته: "تحت إشرافك شخصياً، يدخل الجميع ويكونوا ضيوفاً على المملكة"، الأمر الذي تسبب بإحراج كبير للرئيس عبد الناصر.
وأثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية بعد نكسة 1967 تقابل الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر، ففتح الملك فيصل ذراعيه وقال لعبد الناصر نحن أخوه مهما حدث من تجاوزات وقلة أدب.
وبعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، وتولي الرئيس محمد أنور السادات أراد "السادات" تقليص عدد الأعداء من حوله، الذين كانوا كثيرين أصلاً، فسعى للصلح مع الملك فيصل.
وبالطبع لا يمكن أن ننسي موقف الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود أثناء حرب 1973، حيث قطع البترول عن أمريكا وكل الدول الصديقة لإسرائيل، الأمر الذي كان له دور كبير في تحقيق الانتصار، وأقر "السادات" بهذا الدور العظيم حيث وصفه بـ"بطل العبور".
كما أبلغ جميع البنوك أن من حق مصر أن تسحب كل ما تريده من أموال من حسابات المملكة لإعانتها على الانتصار في الحرب وشراء ما تحتاجه من السلاح، وبعد قطعه البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية قال "عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما".
 ومن أشهر مقولاته، كان رده على وزير الخارجة الأمريكي هنري كسنجر، الذي ذهب له بعد قطع البترول وقال له "إن طائرتي تقف هامدة بالمطار، بسبب نفاذ الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع وبالأسعار الحرة؟"
فرد الملك فيصل قائلاً: "وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني على تحقيق تلك الأمنية؟"
ويظهر في هذا الموقف إلى جانب قوته، موقفه الواضح من القضية الفلسطينية، فكان جلالته منذ توليه وزارة الخارجية وقبل أن يصبح ملكاً له موقف حاسم من القضية، حيث طالب بقطع العلاقات السعودية الأمريكية، لكن طلبه قوبل بالرفض.
غموض اغتياله
تم اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في 25 مارس 1975، حيث اغتاله ابن اخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، أثناء استقباله وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي بمكتبه بالديوان الملكي.
 
أحاط الغموض بأسباب اغتياله حتى الآن، وأعزاها المحللون إلى عدة أسباب لم يثبت صحة أحدها حتى الآن، من بينها أنه قُتل بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسبب قطع البترول عنهم عدة مرات، وقلقهم من تكرار الأمر.
 
وهناك رأي آخر يقول أنه قُتِل بسبب نزاع على السلطة مع آل رشيد، الذين مازالوا يمارسون معارضة آل سعود حتى الآن من الخارج، بالإضافة إلى رأي آخر يقول أن الأمير فيصل بن مساعد قتله ثأراً لأخيه الأمير خالد، الذي قتل في مواجهات مع الداخلية، أثناء محاولته اقتحام مبني الإذاعة والتليفزيون، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز وزيراً للداخلية آنذاك، وآخرون يقولون أن فيصل بن مساعد قتله بتحريض من أبناء الملك سعود لأنه خلع والدهم من الحكم.
وبعد ثمانين يوماً من اغتياله، تم تنفيذ حكم الإعدام في فيصل بن مساعد طعناً بالسيف، وأعلنت السلطات السعودية أنه مختل عقلياً، الأمر الذي نفته صديقته الأمريكية كريستين سورما، والتي عاشت معه قرابة الخمس سنوات، بأن يكون صديقها فيصل يعاني خللاً عقلياً.