القصة الكاملة لإعفاء هشام جنينة من الجهاز المركزي للمحاسبات

تقارير وحوارات

السيسي وهشام جنينة
السيسي وهشام جنينة


أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الإثنين، قرارا جمهوريا بإعفاء المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من منصبه اعتباراً من أمس الموافق 28 مارس 2016، على أن يتولى المستشار هشام بدوي محله.

وقد كان هذا القرار متوقعا لدى البعض وإن جاء متأخرًا نتيجة تصريحات المستشار هشام جنينة المثيرة للجدل والتي سببت حساسية شديدة بين الجهاز من جهة وبين كل من الهيئات القضائية ووزارة الداخلية وبعض الجهات الرقابية، وخاصة بعد مناداته بتطبيق الحد الأعلى للأجور على القضاة.. كل هذه التصريحات "هينة وتعدى" ومرت بالفعل وإن صاحبتها معارك صغيرة إلاّ أن معروفٌ أن "مش كل مرة تسلم الجرة" خصوصًا أن  لجنينة تصريحات تالية حسمت مصيره وكانت سببًا -وفق البعض- في عزله من منصبه بشأن الفساد خلال عام 2015 والذى قال بأنه 
بلغ 600 مليار جنيه.

فعلى مدار الأشهر الستة الماضية تسببت تصريحات "هشام جنينة" المتعلقة بالفساد في إثارة الكثير من الجدل إلى أن أوقفت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس الجمهورية ذلك الجدل بنشر تقريرها في يناير الماضي بإدانة جنينة واتهامه بالتضليل.

القشة التي قصمت ظهر البعير

لعل أبرز هذه التصريحات والتي اعتبرها البعض "القشة التي قصمت ظهر البعير" هي توالي تصريحاته أواخر ديسمبر الماضي والتي  تفيد بوجود إهدار مال وفساد بالدولة خلال عام 2015 يصل إلى 600 مليار جنية، حينما قال نصًا في أحد حواراته التليفزيونية "إنه من الصعب حصر حجم تكلفة الفساد داخل المؤسسات المصرية، ولكننا ومن خلال التقارير الرقابية التي يشرف عليها أعضاء الجهاز، يمكننا أن نقول إن تلك التكلفة تجاوزت خلال عام 2015، 600 مليار جنيه، وأن أعضاء المركزي للمحاسبات يتبادلون التقارير الرقابية مع المسؤولين في الجهات الرقابية". 

اتهامات بـ"تلطيخ سمعة السيسي"

وما إن خرج "جنينة" بتصريحه "المثير للجدل" حتى توالت التعليقات عن حقيقة تلك التصريحات وحقيقة خروجها في ذلك التوقيت، واعتبروا تلك التصريحات في هذا التوقيت بالذات "فيها إن" خصوصًا وأنها صدرت  قبل أيام من ذكرى ثورة 25 يناير،  وهو ما حدا ببعض الإعلاميين والقانونيين في التشكيك في توقيت هذه الدعوة وأن من شأنها "تلطيخ سمعة نظام الرئيس السيسي" وإعلان غير مباشر عن الفساد المستشري بأجهزة الدولة، وإظهار السيسي على نحو أنه لا حول له ولا قوة" أو هي من قبيل "العنترية الزائدة" بإشاعة تقارير فساد لأجهزة الدولة على الملأ دون التأكد من دقة هذه البيانات أو إحالتها للنيابة العمومية أو المحاكم.

 صراع "جنينة" و"الزند"

وفى نهاية المطاف انفتحت عليه النار من أوسع أبوابها على القنوات الفضائية وتوزعت عليه اتهامات عدة "بالخيانة" و"عدم الوطنية" و"الأخونة" كان أبرز قائليها هو وزير العدل المقال أحمد الزند، الذى لا يكن لجنينة ودًا، وطالما كانا على طرفا عداوة ملتهبة تذكيها بين الحين والآخر اتهامات من قبل جنينة للزند بالتورط في فساد بالاستيلاء على أراضي من الدولة بأسعار زهيدة في منطقة الحزام الأخضر، ولم يقف الزند مكتوف الأيدي فقد كال الصاع صاعين، وقال إنه هو الفاسد وأنه يملك أدلة بتورطه حتى الأذقان في قضايا فساد، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل نادى بمحاكمته واقصاءه عن منصبة ومحاكمته بتهمة استغلال النفوذ.

حقيقة الفساد المزعوم

وظلت الأجواء مشحونة ومشدودة حتى مع تصريح جنينة بعدها بأقوال متضاربة، فتارة يقول أن الـ600 مليار فساد كان في عام واحد، وتارة يتراجع ويقول أن حجم الفساد الكبير ليس خلال عام واحد بل من 2012 وحتى 2014، ثم لمرة ثالثة يقول إن إهدار المال كان منذ 10 سنوات.

وحسب قانون الجهاز فإن التقارير التي يعدها "المركزي للمحاسبات" بعد الفحص على كافة أجهزة الدولة والتي تستمر طوال العام وتنتهي في 30 يونيو (نهاية العام المالي) تقدم إلى ثلاث جهات بشكل وجوبي، وهي: رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب.

وفي حالة رصد أي مخالفات مالية وحالات اعتداء على المال العام للدولة، يطلب رئيس الجهاز من الإدارة المعنية تحويل تلك المخالفات إلى الجهات المختصة، سواء كانت النيابة الإدارية، أو النيابة العامة، أو جهاز الكسب غير المشروع؛ لتقوم بدورها بالتحقيق في تلك المخالفات المرصودة من قِبَل الجهاز، والرد عليه بشأن صحتها من عدمها في إطار التعاون بين الأجهزة الرقابية للقضاء على الفساد.

"جنينة" يصرح بأرقام متضاربة حول حجم الفساد

 فإذا كانت تصريحات جنينة قد صدرت في أواخر مارس 2015 بأن هناك 600 مليار جنيه حجمًا للفساد، فإن جنينة قد  عقد مؤتمرًا بمقر الجهاز في 17 فبراير 2015 أعلن فيه أن المخالفات المالية لهيئات القضاء بلغت 3 مليارات جنيهاً، ولجهاز أمن الدولة 2.5 مليار، لكن هذه المرة "سلمت الجرة".

أعقب تلك التصريحات تصريحات أخرى أكثر إثارة تضاعفت فيها الأرقام، حينما صرح خلال لقائه على قناة "سكاي نيوز عربية"  بأن حجم الفساد المالي والإداري في مصر يصل إلى 200 مليار جنيه سنوياً، وأن هناك بعض المؤسسات تعرقل عمل خبراء الجهاز بما يحول دون كشف بعض وقائع الفساد منها جهاز الداخلية والقضاء، ملوحًا باستخدام الضبطية القضائية.

"السيسي" يشكل لجنة لتقصي حقيقة الفساد

وبهذه التصريحات ظل الجو محتقنًا، فاستدعى هذا المشهد المشبوب والملتهب تدخلاً سريعًا لتهدئة الأوضاع، وحدث بالفعل عندما قام الرئيس السيسي بتشكيل لجنة لتقصي حقائق تضم عدداً من المسئولين بوزارات العدل والتخطيط والمالية والداخلية وبرئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك للوقوف على حقيقة تصريحاته التي تزداد إثارة بمضي الوقت.

نتائج التقرير تتهم "جنينة" بالتضليل

تقرير اللجنة المشكلة لتقصي الفساد الذى صدر بعد 14 يومَا من التصريحات، كان صادما لجنينة، حيث كشف التقرير عن أوجه القصور والخلل وبطلان الاستدلال فيما نسب إلى المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي
للمحاسبات، عن اكتشاف وقائع فساد خلال عام 2015 تتجاوز قيمتها 600 مليار جنيه.

واستخدمت اللجنة ألفاظ لاذعة في وصف جنينة فقالت: إنه قائم على التضليل والتضخيم، واتسم بفقدان المصداقية والإغفال المتعمد، كما لفت التقرير إلى "فقدان المصداقية" عبر تجميع مفتعل لوقائع حدثت منذ عشرات السنوات، وإثبات استمرارها دون تصويب.

الأمر الذي وضع جنينة على مرمى نيران مؤسسة الرئاسة، فقد تساءل البعض هل يتم عزله من منصبه؟، خاصة في ظل قرار السيسي بقانون رقم 89 لسنة 2015، الذي نظم لأول مرة حالات إعفاء رئيس الجمهورية لرؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة، والجهات الرقابية من مناصبهم.

وبعد الانتهاء من التقرير أرسلته لجنة تقصي الحقائق إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي بدوره أرسله أيضاً إلى رئيس مجلس النواب، وتكليف اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس مجلس الوزراء والتي تضم كافة الجهات المعنية بمراجعة كافة البنود، والتأكد من اتخاذ الإجراءات القانونية في كل واقعة. 

"جنينة" يعلق على تقرير لجنة "السيسي"

لكن فيما يبدو انحناءً أمام العاصفة ومحاولة لملمة الأوراق والتمترس خلف صمت مؤجل، علق جنينة على التقرير قائلاً إن  الجهاز المركزي للمحاسبات سيصدر بيانًا رسميًا سيعرض على وسائل الإعلام ولجنة تقصي الحقائق والبرلمان، وأن البيان سيشمل معلومات موثقة، لكنه عاد وقال إنه لن يتكلم إلا بعد مرور 25 يناير، في لمز غيرصريح إلى أن رده يمكن أن يشعل الثورة.

ومضت الاحتفالات، ومر شهرين  دون "حس أو خبر" ولم يخرج ليوفي بوعده ليكشف الفساد وكأنه "فص ملح وداب"، بيد أن محاميه، علي طه، أكد أن " نيران لوبي الفساد تنال من لا يحظى برضا الباب العالي في إشارة للمستشار أحمد الزند، مدللاً على أن "أن أشرف العربي"، وزير التخطيط، قال في 24 إبريل 2013  أن حجم التهرب الضريبي في عام بلغ 350 مليار جنيه بمرفق الضرائب وهو مرفق واحد في الدولة، ومع ذلك لم نسمع أن الرئيس السيسي قد شكل لجنة لتقصى الحقائق والعرض على الشعب".

وعلل "طه" الهجوم الشرس على "جنينة" من القنوات الفضائية بأن "بعض المذيعين موظفين لدى ملاك القنوات و يسبحون بحمدهم، ويتحدثون بلسانهم ، وهؤلاء طالتهم تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات وبالمستندات ، فأصبح المستشار "جنينة" عدو كل فاسد وسارق للمال العام ، وأصبح النيل منه وتشويه الجهاز المركزي للمحاسبات بالتبعية ".

وأوضح "طه" أن ما أثير حول إفشاء المستشار "جنينة" أسرار وظيفته هو أمر عارٍ من الصحة وأن  ما قام به من عرض لتقارير الفساد والإعلان عنها لهو إعمالا لصحيح القانون وتطبيقا للدستور والمادة 217 من الدستور التي  تلزم رؤساء الأجهزة الرقابية بعرض ما تحت أيديهم من تقارير على الشعب".

ووقتها توقع بعض المتابعين والمتقاطعين مع الأزمة بأن "جنينة" قد يتعرض للحبس من 24 ساعة وحتى ثلاث سنوات، إذا ثبت عليه إذاعته لبيانات كاذبة عمدًا تكدر الأمن العام، وفقا للمادة 102 من قانون العقوبات التي تنص على أن " أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تتجاوز مائتي جنيه لكل من أذاع عمدا أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة..."، في حين توقع البعض له بأن يعزل عن منصبة وفق القانون 89 لسنة 2015 والذى وافق عليه البرلمان في وقت سابق. وحدد هذا القانون 4 حالات تتيح لرئيس الجمهورية التدخل لإعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم هي: إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة"، اما الحالة الرابعة للإعفاء، أو إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذى يشغله لغير الأسباب الصحية. 

إعفاء "جنينة" من منصبه

وكانت أمس نيابة أمن الدولة العليا، قد حققت مع المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن تصريحه عن الـ 600 مليار جنيه تكلفة الفساد في مصر خلال عام 2015 غير منضبطة، وأن الجهاز المركزي للمحاسبات غير معنى بتحديد الفساد.

وقالت نيابة أمن الدولة العليا، إن التحقيقات تمت نتيجة الدعاوى التي حركها البعض ضد جنينة وتصريحاته بشأن تكلفة الفساد في مصر عن عام 2015، والتي اعتبرها مقدمو الشكوى ضده مخالفة للحقيقة وتنطوي على بيانات غير صحيحة وتفتقر إلى الدقة بما من شأنه تعريض السلم العام للخطر وإضعاف هبة الدولة والثقة في مؤسساتها.