قصة جزيرتي «تيران وصنافير» المتنازع عليهما بين مصر والسعودية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، توقيع اتفاقية بين البلدين خاصة بترسيم الحدود، وما أن تم توقيعها وأثيرت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من التساؤلات عن وضع جزيرتي «تيران وصنافير» المتنازع عليهما من البلدين.

الأمر تفاقم بشكل كبير نتيجة عدم إفصاح موقعا الاتفاقية عن تفاصيلها وعدم بيان الحدود المقصودة، وفتح الباب أمام الشائعات حول مصير الجزيرتين، بل ردد الكثيرون أن مصر تنازلت عنهما لصالح السعودية، بعد خمس سنوات من المفاوضات، مقابل الاستثمارات الضخمة والاتفاقيات التي وقعها الملك سلمان في القاهرة أخيرًا.. إذا ما هي قصة الجزيرتين؟

وتقع جزيرة صنافير بجوار جزيرة «تيران» من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومترمربع.

بينام تقع جزيرة «تيران» في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد 6 كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلومترمربع، وكانت الجزيرة نقطة للتجارة بين الهند وشرق آسيا، وكان بها محطة بيزنطية لجبي الجمارك للبضائع.

وتشكل الجزيرتان ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها يقع بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو أقرب إلى ساحل سيناء، والأصلح للملاحة، ويبلغ عمقه 290 مترًا، ويسمى ممر «إنتربرايز»، والثاني يقع أيضًا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، ولكن أقرب إلى الجزيرة، ويسمى ممر «جرافتون»، ويبلغ عمقه 73 مترًا فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، ويبلغ عمقه 16 مترًا فقط.

وتبعت الجزيرتان تاريخيًّا لمنطقة تبوك السعودية، حيث أجرهما الملك السعودي الراحل فيصل آل سعود، إلى مصر بطلب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ لغرض استعمالهما في الحرب واعتبارهما قواعد عسكرية مصرية قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات، ونزلت القوات المصرية على الجزيرتين وأغلقت مضيق تيران.

وبعد النكسة وقعتا تحت سيطرة إسرائيل، في إطار احتلالها لشبه جزيرة سيناء وهاتين الجزيرتين.

وبعد حرب أكتوبر عام 1973 وقع الجانبان المصري والإسرائيلي معاهدة كامب ديفيد عام 1978، وبحسب المعاهدة خضعت الجزيرتان لسيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات، وتم وضع قوة مراقبة للتأكد من امتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية السلام والمتعلقة بفتح خليج تيران. 

وحسب البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديفيد وضعت الجزيرتان ضمن المنطقة «ج» المدنية، التي لا يحق لمصر بتواجد عسكري فيها مطلقًا، لكن ذلك لا ينفي أنها تمارس سيادتها على هاتين الجزيرتين.

وحولت السلطات المصرية الجزيرتين إلى محميات طبيعية في عام ١٩٨٣، وطرحت السلطات السعودية إقامة مشروع جسر «سعودي – مصري» يمر على جزيرة تيران وصنافير، ويتصل بسيناء؛ لتسهيل السياحة والتبادل التجاري ونقل الحجاج، لكن الحكومة المصرية رفضت المشروع لاعتبارات أمنية.

تواريخ مهمة للأزمة: 

وفي عام 1906 تم توقيع معاهدة تحديد الحدود الشرقية لمصر بين مصر والدولة العثمانية آنذاك، وتم في المعاهدة تحديد الحدود بخط يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب إيلات الحالية.

وفي عام 1950 اتفقت مصر والسعودية على خضوع الجزيرتين للسيطرة المصرية؛ بسبب ضعف البحرية السعودية آنذاك، وفي العام نفسه أخطرت القاهرة والرياض كلًّا من بريطانيا والولايات المتحدة بأنهما وبصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبي مدخل الخليج، فقد اتفقتا علي تواجد القوات المصرية في جزيرتي تيران وصنافير، وبناء عليه فإن أي سفن تريد التحرك عبر مضيق تيران، يجب أن تخطر السلطات المصرية، وأكدت حينها منع السفن الإسرائيلية من التحرك.

كما أنه في عام 1954 بعثت مصر رسالة إلى الأمم المتحدة بما يفيد أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان وليستا سعوديتين، وكانتا في الجانب المصري عند توقيع اتفاقية 1906، وأنه من الثابت من الوثائق أنه كانت هناك قوات مصرية فيها في الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1975 أرسلت السعودية رسالة للبعثات الدبلوماسية في جدة ثم للأمم المتحدة، بما يفيد أنها تعتبر جزيرتي تيران وصنافير أراضٍ سعودية.

واستمر الخلاف بين مصر والسعودية على الجزيرتين، حيث تطالب السعودية بسيادتها على الجزيرتين؛ كونهما تقعان في مياهها الإقليمية، فيما ترى مصر أنهما تقعان في مياهها الإقليمية وقريبتان من حدود سيناء. وحتى الآن لم يتم إنهاء الخلاف بشكل رسمي، ولم يتم ترسيم الحدود المائية بين مصر والسعودية، الأمر الذي أبقى الوضع على ما هو عليه.

وفي عام 2010 أصدرت المملكة إعلانًا ملكيًا، لتحديد خطوط الأساس للمناطق البحرية للمملكة في البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي، ما دفع القاهرة لإصدار إعلانٍ أودعته لدى الأمم المتحدة، أن المرسوم الملكي السعودي «لا يمس أو يغير في الموقف المصري في المباحثات الجارية مع الجانب السعودي لترسيم الحدود البحرية بين البلدَيْن»، في إشارة إلى أن خط الحدود الذي أعلنت عنه المملكة تضمن مناطق تعتبرها القاهرة ضمن مناطقها الاقتصادية الخالصة، والتي تمتد مسافة 200 ميل بحري، وفق اتفاقية ترسيم المياه الاقتصادية الخالصة بين الدول، التي أقرتها الأمم المتحدة.

أهمية الجزيرتان: 
 
تكمن أهمية جزيرة تيران في تحكمها بمضيق تيران لكونها تطل عليه، إلى جانب منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية، كما أن للجزيرتين أهمية استراتيجية كونهما تتحكمان فى حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة، حيث تقعان عند مصب الخليج، الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.

أما بالنسبة لإسرائيل فالجزيرتان تشكلان وجود إسرائيل الوحيد على الجزر العسكرية، وتضمن من خلالهما الاحتفاظ بالممرات الملاحية الواضحة للاستيراد والتصدير، كما أنهما يتحكمان في حركة المرور من وإلى ميناء إسرائيل الجنوبي في إيلات، ومضيق تيران الذي تشرف عليه الجزيرة هو الممر البحري المهم إلى الموانئ الرئيسية من العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل.

وبالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية، توجد أيضًا أهمية طبيعية، حيث تتميز الجزيرتان بالشعاب المرجانية العائمة وصفاء مائها وجمال تشكيلاتها المرجانية، وهو ما يجعلها مقصدًا لمحبي رياضات الغوص ولهما برامج سياحية باليخوت مع شرم الشيخ، كما توجد بهما ثروة من الأسماك الملونة والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض كالسلاحف الخضراء والأحياء المائية الأخرى مثل الرخويات وشوكيات الجلد والطحالب البحرية وغيرها، كما تمثل الجزيرتان مكانًا فريدًا يأوي إليه العديد من الطيور، منها طائر العقاب النادر «الأوسبري».

الجانبان المصري والسعودي لم يصدران أية توضيحات بشأن الاتفاقية التي أثارت الكثير من التساؤولات فور توقيعها وهو ما دفع الكثيرون إلى القول بأن مصر تنازلت عن الجزيرتين، بخاصة بعد الاستثمارات السعودية الضخمة الأخيرة في مصر.