تفسير الشعراوي للآية 86 من سورة البقرة

إسلاميات

بوابة الفجر


{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}.

ويذكر لنا الله سبحانه وتعالى سبب خيبة هؤلاء وضلالهم لأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة.. جعلوا الآخرة ثمنا لنزواتهم ونفوذهم في الدنيا.. هم نظروا إلى الدنيا فقط.. ونظرة الإنسان إلى الدنيا ومقارنتها بالآخرة تجعلك تطلب في كل ما تفعله ثواب الآخرة.. فالدنيا عمرك فيها محدود.. ولا تقل عمر الدنيا مليون أو مليونان أو ثلاثة ملايين سنة.. عمر الدنيا بالنسبة لك هو مدة بقائك فيها.. فإذا خرجت من الدنيا انتهت بالنسبة لك.. والخروج من الدنيا بالموت.. والموت لا أسباب له ولذلك فإن الإسلام لا يجعل الدنيا هدفا لأن عمرنا فيها مظنون.. هناك من يموت في بطن أمه.. ومن يعيش ساعة أو ساعات، ومن يعيش إلى أرذل العمر.. إذن فاتجه إلى الآخرة، ففيها النعيم الدائم والحياة بلا موت المتعة على قدرات الله.. ولكن خيبة هؤلاء أنهم إشتروا الدنيا بالآخرة.. ولذلك يقول الحق عنهم: {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}.. لا يخفف عنهم العذاب أي يجب ألا يأمنوا أن العذاب في الآخرة سيخفف عنهم.. أو ستقل درجته أو تنقص مدته.. أو سيأتي يوما ولا يأتي يوما وقوله: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}.. النصرة تأتي على معنيين.. تأتي بمعنى أنه لا يغلب.. وتأتي بمعنى أن هناك قوة تنتصر له أي تنصره.. كونه يغلب.. الله سبحانه وتعالى غالب على أمره فلا أحد يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.. ولكن الله يملك النفع والضر لكل خلقه.. ويملك تبارك وتعالى أن يقهر خلقه على ما يشاء.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله} [الأعراف: 188].

أما مسألة أن ينصره أحد.. فمن الذي يستطيع أن ينصر أحدا من الله.. واقرأ قوله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام: {وياقوم مَن يَنصُرُنِي مِنَ الله} [هود: 30].

يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب}.. أمر لم يقع بعد بل سيقع مستقبلا.. يتحدث الله سبحانه وتعالى عنه بلهجة المضارع.. نقول إن كل أحداث الكون وما سيقع منها هو عند الله تم وانتهى وقضى فيه.. لذلك نجد في القرآن الكريم قوله سبحانه: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1].

أتى فعل ماضي.. ولا تستعجلوه مستقبل.. كيف يقول الله سبحانه وتعالى أتى ثم يقول لا تستعجلوه؟ إنه مستقبل بالنسبة لنا.. أما بالنسبة لله تبارك وتعالى فمادام قد قال أتى.. فمعنى ذلك أنه حدث.. فلا أحد يملك أن يمنع أمرا من أمور الله من الحدوث.. فالعذاب آت لهم آت.. ولا يخفف عنهم لأن أحدا لا يملك تخفيفه.