هل يجوز قيام ليل رمضان بصلاة التراويح والتهجد؟

إسلاميات

الصلاة
الصلاة


يجيب على هذه الفتوى لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

لقد اتفق المسلمون على سنية قيام ليالي رمضان عملا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وخاصَّةً الليالي العشر الأخيرة؛ طلبًا لليلة القدر.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ"، "وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ".

وقد اجتمع بعض الصحابة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي قيام رمضان في المسجد فصلَّوْا بصلاته مرتين أو ثلاثًا، ثم تأخَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جَمْعِهم عليها؛ شفقة بأمته لئلا تُفرض عليهم، فقد روت أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.

وروى الحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: «قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لا نُدْرِكَ الْفَلاحَ، وَكُنَّا نُسَمِّيهَا الْفَلاحَ، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ السَّحُورَ». قال الحاكم: "فيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سُنَّةٌ مسنونة، وقد كان علي بن أبي طالبٍ-رضي الله عنه- يحثّ عمر-رضي الله عنه- على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها".

ففي عهده -رضي الله عنه- اجتمع المسلمون على إقامة صلاة اللَّيل في رمضان بأمره، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.

فصلاة التراويح سُنَّة نبويَّة في أصلها، وعُمَريَّة في كيفيتها، والتراويح في اللغة: جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، تَفعِيلة منها -مثل تسليمة من السَّلام- وسُمِّيت الترويحة في شهر رمضان؛ لاستراحة القومِ بعد كلِّ أربع ركَعات.

وصلاةُ التراويح عشرون ركعة مِن غير الوتر، وثلاثٌ وعشرون ركعة بالوتر، وهذا بإجماع الصحابة من عهد عمر رضي الله عنه، وهو ما عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا في اجتماعهم لهذه الصلاة، وهو مُعتمَدُ المذاهب الفقهية الأربعة.

فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة".

وعَنْ أَبِي الْحَسْنَاءِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً.

ومَن ذكر من العلماء عددًا أقلَّ من عشرين ركعة فإنما هو فيما يجزئ من قيام رمضان وغيره، أما تسمية القيام بــ"صلاة التراويح" فلا يطلق إلا على العدد المذكور؛ فكلمة "التراويح" في اللغة تدلُّ على ذلك؛ لأنها على وزن (تفاعيل) وهي من صيغ منتهى الجموع، والأصل في الجمع أنه يطلق على ما زاد على الاثنين، والركعات الثماني ليس فيها إلا ترويحتان، فلا تُقال "التراويح" في حقِّ الثماني الركعات، بل المراد عدد الركعات الذي تتخلله تراويح مجموعة -أكثر من ترويحتين-، وهو ما عليه المسلمون سلفًا.

وصلاةُ التراويح سُنَّةٌ مؤكدة، وليست واجبة، فمَن تركها حُرِم أجرًا عظيمًا، ومَن زاد عليها فلا حرج عليه، ومَن نقص عنها فلا حرج عليه.