من منزل "بوجي وطمطم".. هنا قصة أشهر عرائس في رمضان (فيديو)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


اختارت أن ترافقها عرائسه الصغيرة منذ سنوات لتصبح شريكًا لها في استعادتها لذكرياتها مع شريك عمرها، لتجعل من منزلها البسيط متحفًا صغيرًا يحوي بين جدرانه قطعًا بسيطة من الأثاث، إلى جانب مجموعة من أشهر عرائس التليفزيون المصري .




"فوقية خفاجي"، زوجة مصمم العرائس الراحل "محمود رحمي"، والتي اختارت أن تعيش على ذكراه لتتجسد في عرائس تحمل روحه بعد أن رحل عنها بجسده في عام 2001، والتي نسجت خيوطها بيدها وشاركته في تنفيذها بعد أن سهرا الليالي معًا لاختيار شخصياتها وألوانها وأشكالها، وحتى اليوم ظلت تنسجها للمحافظة عليها حتى لا تتآكل بأثر الزمان.


في شارع "محمود رحمي"، الثبات سابقًا، يقع منزل الفنان رحمي المكون من أربعة طوابق، والذي تطلق عليه زوجته "متحف الفنان رحمي"، فاستقبلت "الفجر" بعبارة "أهلًا بكم في منزل الفنان رحمي"، حيث اختارت بإرادتها أن تشكل له متحفًا فنيًا رافضًة أن يكون لعرائسه متحفًا تابعًا للدولة أو المؤسسات الثقافية، لاقتناعها بأن عرائسه ليست بتماثيل حتى توضع في متحف، وأنها عبارة عن شخصيات درامية لها حث وتحيا بيننا.


فور أن تطأ قدمك داخل شقة بسيطة بها فطع قليلة من الأثاث، تجد مجسمًا كبيرًا لشخصية "طمطم" إلى جانب أحد المقاعد، ومعلق على جميع الجدران عددًا كبيرًا من الصور الفوتوغرافية للفنان الراحل أثناء احتفاله بالحصول على بعض الجوائز، والتي كان من بينها صورة له بمشاركة صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك، وسوزان مبارك، زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالإضافة إلى صوره مع عرائسه بوجي وطمطم، وأبنائه.


خرجت لنا السيدة فوقية بعين لامعة حاملة معها أسرة بوجي وطمطم، التي كانت تغطيها الأكياس البلاستيكية للمحافظة عليهم من الأتربة، لتضعهم كأنها تجمع حولها أبنائها، لتروي لنا ذكرياتها مع شريكها في هذا العمل التاريخي، وكأنها تستدعي روحه لتكون معنا، فتقول عنه أنه كان شخصية عبقرية استطاع أن يشكل الشخصية المصرية من خلال عرائسه.



"أثر في الطفل وقدم رسالة واختار أصعب الفنون ليعمل بها.. وكانت رسالته تربية الطفل المصري وربطه بأرضه ومصريته" كلمات رددتها بنبرة يملأها الفخر والاعتزاز بزوجها، فقبل تخرجه عام 1964 من كلية الفنون الجميلة، صمم شخصية "أرنوب" واختارها بالتريكو حتى تستطيع الأم تقليدها في المنزل لأبنائها، وبعدها بدأ تنفيذ عرائس وشخصيات جديدة أبرزها "بقلظ" الذي صممه من الأراجوز الشرقي والمهرج الأجنبي، فكان دائمًا ما كان يسأل نفسه لماذا لا يتوفر للطفل المصري عروسة خاصة به وتتم تربيته على كارتون غربي،


"كان عبقري وغير عادي.. رحمي أخد من مصر ومن طين مصر وشخصيات مصر عشان كده الصدق الشديد وحبه لشغله وصل لقلوب المصريين"، فتستكمل حديثها بأنه كان يؤدي جميع الأدوار فيصمم الشخصية ويختار لها دورها ويلقبها باسم ويختار صوتها، فكان يقوم أثناء تحضير مسلسل "بوجي وطمطم" برسم الشخصيات ممن حوله، فاستطاع الوصول إلى قلوب المصريين، من خلال مناقشة السلوكيات والعادات، إلى أن استطاع أن يضيف شخصية جديدة في كل عام ، إلى أن نُفذ بمصرية شديدة حتى وصل للأسرة المصرية التي كانت تلتف حول التلفزيون بعد آذان المغرب لمشاهدة بوجي وطمطم .


"كان يقوم بتجربة الأصوات لكن صوت "بوجي" كان يتطابق مع صوت الفنان يونس شلبي وكان يليق عليه بطبيعته"، بصوت فيه بهجة استرجعت كيف كان يختار "رحمي" أصوات الشخصيات، وأن اختياره للفنانة "هالة فاخر" كان صائبًا فلعب بصوتها وغيرت من ضحكتها حتى دخلت قلوب المصريين، بالإضافة إلى رأفت فهيم "عم شكشك"، ورضا الجمال "أبو شكشك" ، سيد عزمي "زيكو"، رضا العصفوري "طماطم"، والفنانة إنعام سالوسة التي لعبت صوتين في نفس المسلسل "مرمر وطنط شفيقة".



"يمكن اتجوزني عشان بحب العرايس؟".. سؤال تساءلته السيدة فوقية رغم مرور عشرات السنوات على زواجهما و حتى رزقت بأحفاد لهم، بساعدة ممزوجة بالحيرة تساءلت ولم تستطيع إيجاد إجابة لذلك فبداخلها احساس مؤكد بأن مشاركتهما في حب العرائس جعلت من نصيبهما أن يتشاركا في بناء أسرة أيضًا .


وبحلول عام 1978 تخرجت من كلية الفنون الجميلة والتحقت بالعمل في التليفزيون، ليجمعها معه أول لقاء لتتلمذ على يده حتى عام 1983 في رحلة قالت إنها تعلمت خلالها حب فن العرائس، لتزامله بعد ذلك بالعمل إلى أن أصبحت مصممة عرائسه، لتستكمل مسيرته بالتلفزيون إلى أن وصلت إلى سن المعاش عقب مسيرة مدتها 36 عام.

"بيتنا تحول لورشة عرائس و كان كراكيب.. جعلنا منه ورشة كنا نستقبل فيها فريق العمل يوميًا"، فلم يحتوى سوى على مقعدين للجلوس و"ترابيزة" بسيطة لوضع العرائس عليها، فتم تنفيذ بوجي وطمطم وعروسة مسلسل "اللعبة" الذي جسدته الفنانة نيللي أيضًا في المكان ذاته.


كأي زوج عادته أن يغير على شريكته، ولكن الفنان رحمي اختلف عن باقي الأزواج، فكان يغير على شريكته لكن من أن تهتم بأبنائه بعد أن وضعت نجلهما "أحمد" عام 1985، على حساب "الابن البكري بوجي" بحسب ما كان يقول لها، فكان يحبه مثل ابنه.


وتتذكر "فوقية" موقفًا أظهر مدى حب رحمي لـ"بوجي": "مرة كنا بنصور في السيرك مع إبراهيم الحلو وبوجي كان معه داخل الحلبة مع الأسود.. في أسد هجم عليه ووقعه واتقطع ورحمي كان عايز يدخل الحلبة ينقذه من فم الأسد، احساسه ابنه بيتقطع .. يومها سهرت لتاني يوم عشان أشبك بوجي وأخيطه".


"دا آخر بوجي وعُمره 25 عام.. محتفظه بيه عشان دا الفنان شافه بعينه وصور بيه وكانوا عايشين معاه.. ممكن أعمل نسخة لو دابت بعمل نسخة تانية، لكن دول اللي محتفظة بيهم.. وعم شكشك وباباه صعب أعمله لأن هو ناحته بإيده".


تحرص السيدة فوقية على صيانة عائلة بوجي وطمطم بشكل دوري والحفاظ عليهم كأي أم تهتم بأبنائها، تقوم بخياطة أجزائهم، فتأتي بدبوس صغير لتلصق أجزاء من شعر "عم شكشك" بعد أن تطايرت أثناء جلوسنا معها، لتتحدث بشغف :"بعمل ليهم صيانة تغير الشعر واللبس وبيتنضفوا باستمرار بطريقة معينة، محافظة عليهم لأني عارفة قيمة الفنان وشغله".