منال لاشين تكتب: أزمة سياسة أم اقتصاد؟.. 400 رجل أعمال يخسرون 127 مليار جنيه إسترلينى ليلة طلاق بريطانيا

مقالات الرأي



■ زعيم الانفصاليين وعد مواطنى بريطانيا بزيادة التأمين الصحى 350 مليون جنيه استرلينى أسبوعيا ثم خلف وعده

■ بعض الخبراء شبهوا مؤيدى الانفصال بشباب الربيع العربى.. فالدوافع سياسية


على الرغم من اسمها مدينة الضباب وعلى الرغم من أنها المدينة الأوروبية التى لا تزورها الشمس إلا نادرا رغم هذا وذاك فإن لندن هى الوجهة الأكثر جاذبية للعرب فى أوروبا. ولذلك فإن العرب من أكثر الجنسيات شراء للعقارات فى لندن وضواحيها. وبعد 48 ساعة من استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبى خسر الأثرياء العرب نحو 14% من قيمة بيوتهم وعقاراتهم ضمن الموجة الأولى من تأثير صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبى. من ضمن الصدمات الأولى خسر 400 مستثمر 127 مليار جنيه إسترلينى فى يوم طلاق بريطانيا من أوروبا. هذه المليارات مرتبطة بالرهان على الإسترلينى الذى خسر فى أول يوم طلاق 12% من قيمته.

ربما تكشف هذه الأرقام لماذا انحازت الضواحى والمدن خارج لندن للانفصال. وربما تكشف هذه الأرقام لماذا شبه بعض المحللين الانفصاليين فى بريطانيا بثوار الربيع العربى. هذه الأرقام وغيرها تكشف عورات السياسة التى ضربت الاقتصاد الأوروبى والعالمى ربما لسنوات.

1- من المستفيد؟

خلال ثورة 25 يناير خرجت تصريحات من صحيفة بريطانية تؤكد أن ثروة مبارك تصل إلى 70 مليار دولار، ظل البسطاء فى ميدان التحرير وكل ميادين الثورة يحسبون نصيبهم من 70 مليار دولار. ومتصورين أن القصة بسيطة ستحصل مصر على مليارات مبارك. ويتم توزيعها بالعدل على 85 مليون مصرى.

بعد نحو خمس سنوات تتكرر القصة فى ربوع بريطانيا. نبى الانفصال ورئيس حزب الاستقلال بيجل فراج. كتب فى دعايته خاصة على حملات أتوبيس رقما مهما. الرقم يخص توزيع ما تدفعه بريطانيا كاشتراكات للاتحاد الأوروبى على صناديق التأمين الصحى. بل إن. فراج. حدد نصيب كل مواطن بريطانى من كعكة اشتراكات بريطانيا للاتحاد. وهو أن بريطانيا ستدفع 350 مليون جنيه إسترلينى أسبوعيا للتأمين الصحى فى حالة خروجها من الاتحاد الأوروبى.

فقد كان أحد أهم الشعارات أموال بريطانيا لأهلها. وليس للأجانب من أى نوع بما فى ذلك أبناء أوروبا. ولكن هل كان لهذا الشعار وحده فعل السحر لدى المواطن البريطانى العادى الذى لا يعمل فى القطاع المالى حيث البورصة والبنوك والودائع والسندات. هذا المواطن تم جذبه بمزايا من نوع زيادة التأمين الصحى. لم يكن فى سلوكه وتصويته الانفصالى يسعى للثروة. فالبنسبة لهذه النوعية من المواطنين فإن حسابات المليارات خسارة أو مكسبًا بعيدًا جد عن حياتهم. فحين تكشف أرقام المؤسسات البحثية أن 400 مستثمر فقط خسروا 127 مليار جنيه إسترلينى فور إعلان النتائج، فإن هذا الرقم كان يمكن أن يتحول إلى مكاسب فى حالة استمرار بريطانيا بالاتحاد. هذا النموذج يكشف أن المكاسب الكبرى كانت تذهب إلى مجموعة محدودة جدا جدا جدا من البشر سواء كانوا بريطانيين أم من خارج بريطانيا. وأن المكاسب المباشرة سواء بالثروة أو حتى فى التوظيف كانت تذهب لفئات محددة وصغيرة من البريطانيين الذين ترتبط أعمالهم بالقطاع المالى. فى حين لم تحدث تغييرات إيجابية كبرى فى حياة فئات بل بالأحرى مدن بأكملها. وقد نجحت قيادات الانفصال أو الاستقلال فى ربط كل معاناتهم بالاستمرار فى الاتحاد الأوروبى. وصوروا لهم أن الخروج من الاتحاد الأوروبى سيحل كل مشاكلهم. وهو نفس ما حدث فى ثورة 25 يناير عندما تصور البعض أن الفساد سيزول لوحده والحياة ستتغير للأفضل بمجرد رحيل مبارك، وليس رحيل كل أركان نظام مبارك الاقتصادى والسياسى والاجتماعى. ولم يدرك الكثير من المصريين أنه إذا استمر النظام ستسوء الأحوال حتى بعد رحيل مبارك وحده.

فى الحالتين وفى مصر وبريطانيا تم تقديم سبب خاطئ وغير متكامل لمعاناة المواطن. ولذلك كان من البديهى أن يصعق المواطن البريطانى من حجم الخسائر.

2- ديمقراطية الأسد العجوز

الحديث عن الديمقراطية التى أضاعت بريطانيا انتشر بقوة بعد نتائج الاستفتاء، ولكن الاستفتاء أو بالأحرى نتائجه يكشف أن النمط البريطانى فى الديمقراطية قد تغير. ولم تعد الهيمنة للأحزاب التقليدية وخاض حزب الاستقلال وأحزاب أخرى هامشية أو صغيرة تجربة قابلة للتكرار.

ولكن القيادات الجديدة أقل خبرة وكفاءة. فقد تراجع بيجل فراج عن شعار التأمين الصحى مؤكدا أنها مجرد غلطة. بل إن المرشح لرئاسة حكومة بريطانيا بولس جونسون أثار سخرية سياسيى أوروبا باقتراح جديد. بولس يريد أن تحتفظ بريطانيا بكل مزايا الانضمام للاتحاد الأوروبى رغم خروجها من الاتحاد. فى المقابل يعد جونسون بمزايا نسبية لدول أوروبا داخل بريطانيا. ومنذ أن كتب جونسون هذا الكلام فى عمود صحفى وهو يتلقى سخرية وسائل التواصل والسياسيين فى أوروبا وحول العالم. لكن المفاجأة الأكبر كانت فى الناخب البريطانى. فقد صوت الكثيرون دون دراية حقيقية بعواقب الانفصال. وسجل جوجل أن البحث فى بريطانيا عن عواقب ومزايا الانفصال زاد بنسبة 250% بعد انتهاء الاستفتاء. وبالنسبة لى فإن هذا التصويت جاء انتقاما من مساوئ النظام الرأسمالى وليس عيوب الاتحاد الأوروبى. فالعالم الآن من الصين إلى أوروبا مرورا بأمريكا وإفريقيا يزداد انحيازا للأثرياء. وهناك تركز شديد فى الثروة فى العالم كله. ومن المؤسف أن الديمقراطية العريقة ومستوى التعليم المرتفع فى بريطانيا أنتجا استفتاء محاطا بشكوك عدم اليقين، والتلاعب بمعاناة المواطن ومشاكله وإخفاء أو إغفال معلومات مهمة. بل الكذب عليه. فقد ظهرت أسوأ مساوئ الديمقراطية فى أعرق بلد ديمقراطى. وربما يدفع هذا الأمر دعاة الديكتاتورية وأعداء الديمقراطية للتهجم على النمط الديمقراطى. ولكن هؤلاء المرتشعون من الديمقراطية لم يدركوا أن مخاطر الديكتاتورية أكبر وأخطر كثيرا من الأخطاء الديمقراطية.