سليم الهواري يكتب: أحلى ما في الفرحة وأحلى ما في الحزن

مقالات الرأي

بوابة الفجر


هكذ قالت تلك الخمرية اللون حين جلست جوارها، لا أكترث بأي شيء، حتى هى لم أكن أهتم بأن أنظر إليها منذ البداية، ولكن صدمتني تلك العبارات القاسية التي دقت مسامع أذني غير المكترثة، حين قالت "أحلى ما في الفرحة بتنسي الكبير سنه، وأحلى ما في الحزن كل الحكمة تيجي منه".

حينها فقط نظرت إلى تلك السيدة خمرية اللون، بالية الثياب، تكاد تتساقط خصلات شعرها حزنًا على شيء لم أعلم كينونته بعد، نظرت إليها طويلًا وعبارتها لا تترك أذني، فابتسمت لي مستكملة عباراتها التي لا تتماشى مع الزمان أو المكان قائلة: "والراجل الحر ميدمعش ولا يقول آه"، ابتسمت شفتاي حينها دفعة واحدة وكأنني أعلم أن تلك الكلمات تخترق صدري تلك المرة، نعم كيف لرجل حر مثلي أن يرثى حاله؟! بالجلوس على رصيف في أحد ميادين وسط البلد، وهل شاب في مثل عمري ينتظر سيدة ترثى حالها لتوقظ تلك الرجولة داخلي؟

نظرت إليها مبتسمًا، وقلت لها الحُر حُر الفكرة، وأنا لم أتحرر من أفكاري بعد، وذهبت إلى حال سبيلى أحاول جاهدًا أنسى تلك اللحظات التي جعلت تلك السيدة في انتظاري لتوقظني من ثُباتي وتعيد ذاكرتي بأنني حر.

وكم وددت أن أقول لها إنني بعمر من الشوك مخشوشن، أعيش هنا لا هنا أنني، جهلت بكينونتي مسكني، غدى عالمًا ضل عني الطريق، مسالكه للسدى تنحني، وأرصد وهمي لأمتصه، فيمتصني الوهم ويمتصني، أصبح قلبي بقايا حكي صامت محزني.

أقول لها وأن العمر سدى والليل يروي الحزن داخلي ليلًا ويعيد تكرير أفكاري نهارًا، لكنني مضيت في طريقي مبتسمًا ففي النهاية تعلمت حكمة اليوم، من سيدة الطريق، الغبراء العابثة، الخمرية المخملية، وظللت أردد كلماتها "أحلى ما في الفرحة تنسى الكبير سنه، وأحلى ما في الحزن كل الحكمة تيجي منه".