مى سمير تكتب: الانقلاب قادم ضد أردوغان

مقالات الرأي



■ على المدى البعيد سينقلب الجميع على الرئيس التركى بما فى ذلك الجيش وحزبه والمعارضة ورجال الأعمال


ما حدث فى تركيا ليس انتصاراً للديمقراطية، وإنما انتصار لديكتاتورية حزب العدالة والتنمية، الحاكم، ولن يدعم موقف القوى الليبرالية التى وقفت ضد الانقلاب، ولكنه سيكون سبباً فى قمعها، ولا تعد النتيجة فوزاً للرئيس رجب طيب أردوغان، ولكن بداية لنهاية عصره.

تركيا لم تشهد انقلاباً ولكن مسرحية هزلية سوداء، أخرجها أردوغان أو سمح بتمريرها ليبرر أمام العالم حملته القمعية ضد معارضيه والتى بدأت بعد لحظات من نهاية الأحداث، بالقبض على آلاف القضاة.

يرسم المشهد المشتعل فى تركيا ملامح للعديد من السيناريوهات القادمة التى لن تقل حرارتها عن شهور الصيف الساخن.


1- السيناريوهات

بحسب تقرير تحليلى للكاتب البريطانى المتخصص فى الشأن التركى، جرينفيل بايفورد، بعنوان «هل ينهى انقلاب تركيا الفاشل.. صوت أردوغان الواحد ؟»، والذى أشار إلى أنه بعد فشل الانقلاب اتجه أردوغان، الذى كان يقضى إجازته فى مدينة بيدروم، إلى مدينة أسطنبول، وليس إلى العاصمة التركية، أنقرة، وهو تحرك قد يراه البعض عادياً وغير مؤثر، ولكنه فى حقيقة الأمر يعكس حالة التوتر التى تجتاح الشارع التركى والغضب الكامن ضد نظام أردوغان، لأن الرئيس لجأ إلى أسطنبول لأنها تضم أكبر نسبة من مؤيديه، حوالى 60% من سكان المدينة البالغ 14 مليوناً، حيث بدا أنه لم يكن واثقاً من دعم سكان العاصمة ولهذا اختار المدينة التى تضم أنصاره الذين خرجوا فى استقباله ما أوحى بأن الشعب كله يؤيده.

وتحتوى اسطنبول على قاعدة الجيش الأول القوى فى تركيا، وبحسب صحيفة حرييت، اتصل قائد الجيش الأول، أوميت دوندار، ليلة السبت بأردوغان قبل ساعة واحدة من الانقلاب ليبلغه ببدء تحرك الانقلابيين، ما أتاح الفرصة للأخير بالهرب قبل اقتحام مقر إقامته، ووفقاً لمصادر قريبة من السلطة الحاكمة فإن دوندار اتصل بأردوغان وقال له: «أنا إلى جانبكم، يوجد انقلاب كبير، والوضع خارج السيطرة فى أنقرة، تعالوا إلى إسطنبول وأنا سأؤمن لكم الطريق»، وتفسر هذه التسريبات لماذا اختار أردوغان، دوندار لتولى منصب القائم بأعمال رئيس هيئة أركان الجيش.

بحسب التقرير سيشهد المستقبل القريب تأمين حكم أردوغان، وعملية قمعية أمنية ضد معارضيه، حيث تم بالفعل القبض على أكثر من 6 آلاف معارض، من مختلف قطاعات المجتمع التركى، بدءاً من الجيش، مروراً بالقضاء وانتهاء بالصحفيين وأصحاب الرأى، ومن المنتظر أن يلتف حزب العدالة والتنمية، رغم الانقسامات التى يشهدها حول أردوغان، وكذلك جميع الأحزاب التركية التى رفضت جميعها الانقلاب.

لكن ماذا على المدى الطويل؟ هل سيستمر المشهد كما هو؟ يرى الكاتب البريطانى، أنه بعد مرور الوقت سيبدأ المواطن التركى البسيط فى التفكير بشأن الدور الذى لعبه أردوغان فى هذا المشهد العبثى، وإلى أى مدى يمكن إلقاء اللوم عليه.

على وجه التحديد، سيبدأ قادة الجيش فى سؤال أنفسهم، حول ما إذا كان الانقلابيون يمثلون قمة جليدية صغيرة تظهر على السطح وتخفى فى الأعماق جبلاً ضخماً من المشاعر الرافضة لأردوغان فى صفوف الجيش التركى.

والاحتمال الأقرب أن هناك بالفعل حالة من الغضب المكتوم فى صفوف الجيش ضد الرئيس التركى وفى تلك الحالة فإن قيادات الجيش سيحرصون على الحفاظ على وحدته والوقوف فى وجه الرئيس، ومن المؤكد أن حالة الغضب تصاعدت خاصة بعد تداول صور عمليات القبض والضرب لعناصر الجيش التى شاركت فى الأحداث.

أما حزب العدالة والتنمية الحاكم، فهو مثل كل اللاعبين السياسيين فى مختلف أنحاء العالم، سيبدأ فى البحث عن وسائل ضمان بقائه فى السلطة، حيث يوجد ضمن صفوفه وحوش كامنة تنتظر الفرصة المناسبة، مثل الرئيس السابق، عبدالله جول ورئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوجلو، لأنه من المؤكد أنهم ليسوا سعداء، بما يجرى فى مسرح الأحداث السياسية.

وفى هذا السياق، من المهم الإشارة إلى التقرير الذى نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بعنوان «تحدٍ سياسى مهم فى تركيا»، والذى تطرق إلى تلميحات متزايدة حول وجود توتر بين الرئيس التركى، وأعضاء حزبه، آخرها استقالة أوغلو صديق أردوغان المقرب، من منصب رئيس الوزراء، وتؤكد هذه التوترات حقيقة أن أردوغان يواجه وقتاً صعباً فى الانتقال إلى الدور الرمزى التقليدى للرئيس.

أما بالنسبة لرجال الأعمال، المال الذى يدعم السياسة بحثاً عن مصالحه، فمن المؤكد أن الداعمين منهم لحزب العدالة والتنمية، سيطرحون أسئلة حول مدى جدوى استمرار أردوغان فى السلطة خاصة فى ظل تصريحاته الغريبة بشأن السياسات المالية، أما المعارضة التركية فهى لن تستمر طويلاً فى دعم الرئيس التركى، وسترى فيما حدث فرصة يجب استغلالها.

وبحسب دائرة الإحصاء فى تركيا، وصل معدل النمو فى العامين الماضيين إلى 2.8 % وهو رقم مخيب للآمال فى مثل هذا البلد الذى وصلت فيه معدلات النمو إلى 9 % فى السنوات الماضية، وإلى جانب انخفاض معدلات النمو، شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً متزايداً ووصلت إلى 10.7 % ، وهى أعلى نسبة منذ 4 سنوات، أما معدل البطالة بين الشباب فوصل إلى 20 %، كما تراجعت القوة الشرائية بصورة كبيرة، وهذا الأداء الاقتصادى الضعيف أدى إلى انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية.

وإذا كان الانقلاب، فشل فإنه على الأقل طرح العديد من التساؤلات المنطقية حول جدوى قيادة أردوغان للدولة التركية، وكما أنه أضعف قبضة أردوغان على حزبه، ما سيحد من قدرته على لعب دور الرئيس القوى الذى يحرص على القيام به، رغم عدم دستوريته، فالرئيس وفقا للدستور التركى يلعب دوراً شرفياً بينما يدير البلاد رئيس الوزراء، ولكن أردوغان يرفض ذلك ويحرص على لعب الدور الأول، ما أثار حفيظة العديد من أعضاء الحزب.

وفى افتتاحيتهما، الاثنين الماضى، نشرت جريدة الدايلى ميل، تحقيقاً أشارت فيه إلى أن على أوروبا الاستعداد لاستقبال آلاف النازحين من تركيا هرباً من قمع أردوغان تحت مظلة القبض على المتآمرين فى مسرحية الانقلاب الذى استمر أقل من خمس ساعات، ليلة السبت الماضى.

وتضمنت الحملة إلقاء القبض على أكثر من 6 آلاف شخص، وفى محاولة لتبرير هذه الأعداد الضخمة من المعتقلين صرح أردوغان، أمام حشد من أنصاره فى مسجد الفاتح خلال تكريم ضحايا محاولة الانقلاب، بقوله: «سنواصل تطهير كل مؤسسات الدولة من الفيروس، الذى انتشر فى الدولة برمتها»، كما دعا أنصاره إلى البقاء فى الشارع للتظاهر تأييدا للنظام، وتحدث عن احتمال إعادة العمل بعقوبة الإعدام الملغاة عام 2004، وأكد أن عودة العقوبة هدفه أن يدفع منفذو الانقلاب الثمن، وهو التصريح الذى أعقب القبض على مئات الضباط والجنود، وصدور مذكرات توقيف بحق 2745 قاضياً ونائباً عاماً، تم القبض على أكثر من 500 منهم حتى الآن.


2- أردوغان يطارد شبح جولن

وبشكل عام يستهدف الرئيس التركى حركة فتح جولن، الإسلامية، واسعة الانتشار خاصة فى صفوف القضاء والنيابة، وتبدو الحركة وكأنها المتهم الأول فى نظر النظام التركى، حيث اتهمها أردوغان بأنها مسئولة عن قضية المطرقة فى عام 2010، والتى تتلخص فى اتهام مجموعة من قيادات الجيش بمحاولة الانقلاب على الحزب فى عام 2003، وهى القضية التى انتهت ببراءة المتهمين.

واتهم أردوغان حركة جولن بأنها مسئولة عن اتهامات الفساد التى طالت فى عام 2014، عدداً كبيراً من أعضاء حزب العدالة والتنمية بما فى ذلك أفراد عائلته، واليوم يتهم الرئيس التركى الحركة وزعيمها فتح الله جولن، المقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية بالتخطيط لهذا الانقلاب.


3- سلطان الأتراك يترنح

وفى ظل الأحداث الأخيرة تبدو سياسة أردوغان الخارجية غير واضحة المعالم، وتتلاشى أحلامه بالزعامة الإقليمية فى ظل غضب أوروبى، وتوتر أمريكى، وبرود روسى.

فيما يتعلق بالقارة الأوروبية، فإن فرنسا التى تعد دولة قائدة داخل الاتحاد الأوروبى، أعلنت اعتراضها على السياسات التركية، حيث طالب وزير خارجيتها، جان مارك أيرو، باحترام دولة القانون فى تركيا، رافضاً إعطاء، «شيك على بياض» لأردوغان الذى بدأ حملة تطهير واسعة ضد معارضيه، وقبل ذلك أغلقت السفارة الفرنسية فى أنقرة، الأسبوع الماضى، بعثاتها الدبلوماسية لأسباب أمنية واتهم مسئولون فرنسيون تركيا بعدم الجدية فى محاربة تنظيم داعش.

أما علاقة تركيا مع روسيا وأمريكا فلا يحكمها فقط الأوضاع فى سوريا والحرب على تنظيم داعش، ولكن يتحكم فيها بشكل رئيسى أوضاع الأكراد فى سوريا فى ظل الحرب التى يشنها أردوغان على حزب العمال الكردستانى فى جنوب تركيا، حيث تقدم واشنطن دعماً عسكرياً ولوجستياً لحزب الاتحاد الديمقراطى الممثل لأكراد سوريا وهو ما اعتبره أردوغان دعماً غير مباشر لأكراد تركيا، الراغبين فى الانفصال عن الدولة التركية، وهو ما تسبب فى فتور العلاقات الأمريكية التركية على الأقل على مستوى العسكرى.

وفسرت بعض التحليلات التقارب الإسرائيلى التركى بأنه محاولة من أنقرة لتقديم فروض الطاعة للولايات المتحدة فى محاولة لدفعها للتخلى عن دعمها للأكراد، حيث تنازلت تركيا فى اتفاقها مع إسرائيل عن كل شىء وقبلت بكل الشروط الإسرائيلية وبدت وكأنها دولة تابعة ضعيفة وليس الدولة التى تحاول لعب دور الزعامة فى العالم العربى.

وفيما يتعلق بروسيا، أرسل أردوغان فى نهاية يونيو الماضى رسالة اعتذار إلى موسكو عن إسقاط المقاتلة الروسية التى خرقت المجال الجوى التركى من سوريا فى نوفمبر 2015، وأعقب ذلك مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وأردوغان، وتشير تقارير إلى أن لقاء سيجمع الرئيسين فى أغسطس المقبل، ورغم هذا التقارب إلا أن هذا لم يمنع بوتين، من إبلاغ أردوغان أن روسيا تعتبر إجراءاته فى مواجهة الانقلاب غير الدستورية والعنف غير مقبولين، وتأمل فى استعادة الهدوء والاستقرار فى تركيا.