منال لاشين تكتب: زلزال ضريبى جديد يضرب جيوب المصريين

مقالات الرأي



صفقة بين الحكومة والبرلمان

■ رفع ضريبة «القيمة المضافة» بنسبة 17٪ مقابل إعفاء سلع جديدة الحكومة تجبى 35 مليار جنيه من جيوب المصريين وزيادات فى الأسعار بنسبة 15٪


من الصعب ألا تلجأ الحكومات إلى الكذب السياسى أو الاقتصادى، لكن أخطر ما فى هذا الكذب ليس اكتشافه فقط، بل إدمانه. لأن إدمان الكذب يوقع الحكومة فى تصريحات غير منطقية ومتناقضة.

آخر هذا النوع من التصريحات متعلق بمشروع قانون ضريبة القيمة المضافة. فنحن أمام ضريبة جديدة وإن كان بديلا عن ضريبة قديمة ولا تزال سارية. الضريبة القديمة هى ضريبة المبيعات. لكن الحكومة تروج لأن استبدال القيمة المضافة بالمبيعات لن يزيد الأعباء على المواطن.

والحكومة على لسان وزير المالية عمرو الجارحى تروج لمزايا الضريبة لكنها لا تعترف بأعبائها. وإن كان بعض تصريحات الوزير فى البرلمان والإعلام يكشف عن الحقيقة المرة. حقيقة أن ثمة أعباء جديدة وزيادة أسعار بعد تطبيق ضريبة القيمة المضاقة.

1

أرقام فاصلة

إدمان الكذب السياسى مشكلة لا تحتاج إلى براعة شديدة فى رسم السيناريو البديل. هذا السيناريو يجب أن تتوافق أرقامه مع تصريحاته. وبيانات السيناريو يجب أن تتوافق مع كلام المسئولين فى التوجهات. وعندما يصر بعض الوزراء على إنكار حقيقة واضحة. هذه الحقيقة ببساطة أن الأسعار ستزيد بعد تطبيق قانون الضريبة المضافة.

المقارنة بين ضريبتى المبيعات الحالية وضريبة القيمة المضافة القادمة لها عدة وجوه. أبسطها على الإطلاق هى الأرقام. وأهم رقمين فى هذه المقارنة هما سعر الضريبة والعائد من تطبيقها. فلكل ضريبة سعر عام، وهذا السعر العام يمثل متوسط سعر الضريبة. بالنسبة لضريبة المبيعات فقد كان متوسط سعر الضريبة هو 10%. أما المتوسط العام لسعر ضريبة القيمة المضافة فهو 14% كحد أدنى بحسب تصريحات وزير المالية فى لجنة الخطة والموازنة. هذا الرقم أو بالأحرى السعر مرشح للزيادة. ولكن حتى بدون زيادة فإن سعر الضريبة فى قانون الضريبة المضافة أعلى من سعرها فى المبيعات. ولذلك فإن السعر الأعلى يكشف توجه أسعار الضريبة الجديدة. وهو توجه تصاعدى فى أغلب السلع والخدمات.

أما الرقم الآخر الحاسم فهو حصيلة الضريبة، وحصيلة أى ضريبة تكون من جيب المواطنين. وعندما تكون الضريبة مبيعات أو قيمة مضافة فالحصيلة تكون من جيب المواطنين، جيبى وجيبك. أقصى حصيلة لضريبة المبيعات المطبقة حاليا لم تتجاوز 25 مليار جنيه إلا سنوات قليلة فى الغالب تدور ضريبة المبيعات حول رقم الـ20 مليار جنيه. وبحسب تصرحات وزير المالية عمرو الجارحى فى لجنة الخطة بالبرلمان، فإن وزارته تستهدف تحقيق حصيلة 35 مليار جنيه. وبهذه التصريحات فإن الحكومة تستهدف جمع نحو 15 مليار جنيه زيادة من جيوب المصريين. إلا إذا كان وزير المالية سيحصل ضريبته الجديدة من جيوب الأوروبيين أو الأفارقة.

وهذه الأرقام تؤكد كذب حواديت الحكومة عن طيبة ضريبة القيمة المضافة، وأن الضريبة الجديدة لن تزيد من أسعار السلع والخدمات. ولن تؤدى هذه الزيادة إلى زيادة الأعباء على المواطن المطحون أساسا.

2

صفقة معلنة

حين تحدث وزير المالية الجارحى فى لجنة الخطة قال إن سعر ضريبة القيمة المضافة مبدئيا 14% أما نائبه المسئول عن الضرائب فقال إن السعر النهائى للضريبة سيتحدد فى البرلمان. وهذه الجملة البديهية لا تعنى أن الرأى الأخير للبرلمان أو الكلمة الأخيرة له فقط. لكن هذه الجملة تتعلق بفكرة حكومية خبيثة.

الفكرة هى صفقة بين الحكومة والبرلمان لتمرير القانون بسعر ضريبة أعلى. وأن تأتى زيادة سعر الضريبة من نواب الشعب، وليس من وزراء الحكومة. هذه الخطة الخبيثة تعتمد على صفقة بين المالية والنواب. الصفقة ستبدأ من لجنة الخطة والموازنة. وربما تمر الصفقة دون أن يتنبه معظم النواب لنوايا الحكومة فى الصفقة، أو حتى الصفقة ذاتها.

فمن البديهى أن معظم النواب سيطالبون بإعفاء سلع جديدة إضافية. لأن قانون الضريبة المضافة ورث من المبيعات قائمة بإعفاء سلع. لكن مع ارتفاع سعر الدولار زادت أسعار سلع كثير، ولذلك فمن البديهى أن يطالب النواب بإعفاء سلع وخدمات جديدة من ضريبة القيمة المضافة. وأن يطالب نواب آخرون بتخفيض الضريبة على بعض السلع والخدمات. وهنا ستعرض الحكومة بمنتهى منتهى البراءة على النواب فكرة أو صفقة. الصفقة هى تنفيذ مطالب النواب لأن البرلمان على رأس الحكومة. ولكن المالية ستضع أمام النواب كارثة زيادة عجز الموازنة. والخيار أمام النواب سيكون إعفاء سلع وخدمات جديدة فى مقابل رفع سعر ضريبة القيمة المضافة. ولأن الحكومة منفتحة على العالم الخارجى الإفريقى والأجنبى. فإن الحكومة ستضع بمنتهى منتهى البراءة أيضا أسعار الضريبة فى العالم. فى إفريقيا يبلغ السعر العام لضريبة القيمة المضافة 15%، أما فى العالم فتتراوح من 16% إلى 18%.فالصفقة أن يوافق البرلمان على رفع سعر الضريبة إلى 17% مقابل موافقة الحكومة على إعفاء سلع وخدمات إضافية من الضريبة. هذه الصفقة أو بالأحرى الالتفاف الحكومى على سعر الضريبة مرجعه أن الحكومة تخوفت أن تقدم سعرا ضريبيا أعلى من 14% تحسبا من الغضب الشعبى ومن المعارضة. ولذلك تراهن الحكومة على البرلمان للوصول بسعر الضريبة للسعر الأوروبى أو الإفريقى فى أسوء الظروف.

3

ضريبة عشوائية

الضرائب هى المفتاح الوحيد تقريبا فى يد الدولة لإصلاح الاقتصاد ومواجهة أزمات المجتمع. ولكن مشروع ضريبة القيمة يتجاهل هذه الحقيقة. وكالمعتاد فإن الحكومة اكتفت فى قانون القيمة المضافة بالحصيلة فقط، وليس باستخدام القانون كأداة لدفع الاقتصاد وحل أزماته. فالضريبة المقترحة للأدوية المحلية 5% فى القانون الجديد. وبالطبع الحكومة لا ترى فى هذه الضريبة مشكلة لأنها نفس قيمة ضريبة المبيعات على الأدوية.

لكن الحكومة تتجاهل الوضع المأساوى والكارثى لصناعة الأدوية المحلية فى مصر. فمع الارتفاع الجنونى فى سعر الدولار وندرته عانت صناعة الأدوية حتى كادت تنهار. والرفع الأخير لأسعارها أضر بالمواطنين. ولذلك كان من الضرورى إعفاء الأدوية المحلية تماما من هذه الضريبة حتى تتعافى الصناعة.

بنفس المنطق لم أفهم عدم زيادة سعر الضريبة على بنزين 92 أو 95 أو السيارات فوق 2000 سى سى المستوردة، ولم أفهم سر هرولة الحكومة لنفى أن الضريبة سترفع أسعار السيارات. فمن البديهى أن تسعى الحكومة لزيادة أسعار السيارات المستوردة التى استنزفت 3،2 مليار دولار فى عام 2014.

توقيت القانون أو بالأحرى تمريره يعد نوعا آخر من العشوائية. لأن زيادة الأسعار نتيجة لرفع الضريبة ولو بنسبة 1% أو 2% تؤدى عمليا لرفع الأسعار لـ15% فى الأسواق. فغياب الحكومة عن ضبط الأسواق يجعل أى تحريك فى الأسعار يتحول إلى أضعافه من تاجر جملة لتاجر القطاعى ومن المنتج للموزع. ولدينا فى تأثير ارتفاع سعر الدولار خير دليل. كل السلع تزيد بنسب من 10% إلى 30% وأحيانا 40% لمجرد زيادة الدولار عشرة ولا عشرين قرشا. أما جنون الأسعار بعد تخفيض المركزى للجنيه بنسبة 14%، فيؤكد أن السوق سيشهد جنونا آخر فى الأسعار نتيجة الإصرار على تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة.

وربنا يستر على الأسعار وعلينا.