مختار العبيدي يكتب .. في الثورة البيولوجية

ركن القراء

 مختار العبيدي
مختار العبيدي



في عالم اليوم أصبح من الممكن أن ندرج الثورة البيولوجية في عداد التكنولوجيات الخطرة بطبيعتها وذلك بعد أن تطورت المعرفة البيولوجية بدرجة كبيرة ،حتي أصبح الآن بإمكاننا أن نفسر ونتأمل نواحي كثيرة من الحياة البشرية ،وهناك حقائق كثيرة في علم الاحياء يمكنها أن تقترح نماذج قد تساعد في تكوين نظرة أكثر واقعية لانفسنا ولو أمكننا رؤية انفسنا بمنظار تطوري متحرك فقد ينفع ذلك كأساس لفهم مشترك يمكن أن يقلل من ميل الانسان التخريبي تجاه الانسان او تجاه ذاته.
إن الثورة البيولوجية التي تمثل محور القرن الواحد والعشرين تهدف في الاساس إلي كشف بواطن الانسان وإلي وصف الصراع الأبدي للإنسان عندما يحاول التعبير عن ذاته . فمع الكشف المطرد الأزدياد عن التركيب الدقيق للتعقيد المنظم الذي يكون الإنسان سوف يصبح للعلم والتفكير البيولوجي فائدة متزايدة للعلماء الذين يفكرون في الإنسان ،وكذلك الفلاسفة وغيرهم ممن يهتمون بالانسان وهو لا يزال في عملية الكشف عن بواطنه .
وتعتمد الثورة البيولوجية هذه علي استخدام طريقة تفكير نظرية تجريبية كأسلوب يختلف عن طريقة التفكير الفلسفية التأملية لتناول المسائل الخاصة بالمجال الإنساني ،ومثل هذا الاسلوب الذي اتبعته الثورة البيولوجية أدي إلي أن أصبحت الاراء المؤثرة علي حياة الإنسان وتحويرها لا تختلف عن الطعام والفيتامين والامصال إنها تثير الطاقة الكامنه للنمو ،وكثيرا ما تحدث آثارا لا يمكن التكهن بها .
فالمدي الذي تمكن به الإنسان من سبر أغوار المادة الحية بنجاح وتوضيح تركيب حموض النواة (نواة الخلية ) والبروتينات وجزيئات اخري معقدة يجعل من المحتمل أن فضول عالم البيولوجيا وبراعته سيساهمان يوما وبنفس المقياس في فهم الصفات الخاصة لكينونته وكذلك التركيب الجزيئي لجسمه .صحيح إن الانسان تطور جسمانيا نتيجة لتغيرات وراثية بدنية لكن قدرة الإنسان علي البقاء تعرضت للإختبار بكثرة تحت ظروف املتها الطبيعة فيما مضي ،لكن الإنسان يخلق الآن الظروف التي يجد فيها نفسه بل حاول الإنسان ( العالم) أن يحدث تغييرا في كينونته في وراثته وحتي في وظائفه الجسمانية .. يقول برونوفسكي .. إن ابعد التغييرات التي دفعها هذا القرن أثرا بفعل الثورة البيولوجية هو تغيير وجهه نظرنا في الطبيعة ووضع الانسان بالنسبة لها .
ومن هنا فإن غاية رئيسية للبحث في فلسفة  علم البيولوجيا هي العمل علي ايضاح ما يحدث في علم الاحياء المعاصر ليس في حد ذاته فحسب بل كمعرفة ذات معني قوي الفعالية بالنسبة للإنسان الحديث ومجتمعه بعد أن أصبح لعلوم البيولوجيا معني اكثر مباشرة وأشد عمقا بالنسبة للإنسان مما لعلوم الطبيعة فهو يقدم مسائل تخص الصحة والسلوك حتي ان الابحاث التي تجري علي كائنات حية تبدو غير ذات علاقة بالانسان كالبكتيريا مثلا لكنها كثيرا ما تستخدم لفهم الكائن البشري والاجابة علي التساؤلات ذات الصلة بحياة البشر ومجتمعاتهم بطريقة مباشرة أكثر مما تستطيع معظم التغييرات في طريقة السيطرة علي الطبيعة بواسطة العلوم الطبيعية وخاصة التغييرات المتعلقة بوسائل الانجاب والنسخ الجيني من شخص معين وغير ذلك من أبداع ما يسمي التكنولوجيا البيولوجية او تكنولوجيا الاحياء .