فتنة جُمعة فى صلاة الجمعة

العدد الأسبوعي

محمد مختار جمعة وزير
محمد مختار جمعة وزير الأوقاف - صورة أرشيفية


هيئة كبار العلماء تورط «الامام» فى معركة ضد الحكومة

«أنا مش بتاع خُطب ديلفرى.. لن ألقى الخطبة من ورقة مكتوبة تم إعدادها مسبقًا»، بهذه الكلمات المقتضبة بدأ الدكتور محمد أبوزيد، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية خطبة الجمعة الماضية، بعدما اعتلى منبر الجامع الأزهر، وأقبل عليه أحد موظفى الأوقاف بالمسجد، لإعطائه وريقات مكتوبة، ليقرأ منها على المصلين، فالتقم من الموظف الورق بغضب، ورماه بقوة، فى مشهد لم يعتده رواد المساجد، الحضور لتأدية صلاة الجمعة.

جاء ذلك ردًا على وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، الذى أصدر قرارًا بتعميم خطبة الجمعة المكتوبة على جميع المساجد، وألزم الأئمة بإلقاء الخطبة من الورق المكتوب، بعدما تم إعدادها فى قطاع الشئون الدينية بالوزارة، وبمعرفة كل من: الوزير، وجابر طايع، نائب الوزير لشئون القطاع الدينى، بحيث تكتب الخطبة بالكامل كتابة لغوية فصيحة، متضمنة الاستدلالات التى تخدم الخطبة من كتاب الله، ومن السنة النبوية المشرفة، ولا يجوز للأئمة العدول عنها نهائيا، ويتم نشر الخطبة على موقع وزارة الأوقاف، ليراجعها الأئمة قبل طباعتها.

ولم يلق هذا القرار منذ الإعلان عنه ومحاولة تطبيقه فى خطب الأسابيع القليلة الماضية، أى ترحيب من الأئمة والمصلين على حد سواء، وأثار بلبلة كبيرة، ليس فى الأوقاف فحسب، ولا بين مشايخها فقط، ولكن فى المؤسسة الدينية بالكامل، خاصة مع اشتباك قيادات الأزهر على جميع المستويات، وعدد كبير من هيئة كبار العلماء مع وزير الأوقاف، واعتراضهم على القرار جملة وتفصيلا، وانتظروا قرارًا حاسمًا يخرج من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، اعتراضا على قرار الخطبة المكتوبة.

ووفقا لمصادرنا من داخل وزارة الأوقاف، فإن قرار الخطبة المكتوبة لم يكن وليد اللحظة، فالدكتور مختار جمعة منذ اختلافه مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر، يغرد منفصلا بعيدًا عن المؤسسة الدينية، ويعمل باعتبار «الأوقاف» مؤسسة قائمة بذاتها، بعيدا عن الأزهر، حيث أسرع بتقديم بعض المشروعات والخطوات التى يراها من وجهة نظره خطوة على طريق تجديد الخطاب الدينى، خصوصا أن مؤسسة الرئاسة غير راضية عن موقف الأزهر فى هذا الشأن.

الملف الذى قدمه وزير الأوقاف لاقى استحسان بعض القيادات الأمنية، التى وافقت على فكرة الخطبة المكتوبة، خصوصا بعدما أقنعهم الوزير بأنها ستكون الحل الأمثل للقضاء على التطرف والإرهاب، وستمكن الوزارة من السيطرة وتوجيه الرأى العام، من خلال المساجد، ولن يحيد أحد من الأئمة عنها، لكن الأزمة تجلت عندما تم تطبيقها على أرض الواقع، فطفت على السطح الصراعات الكبيرة بين المشايخ، والأئمة، والعلماء، وكانت هى بذرة الفتنة، التى تكاد تضرب أوصال المؤسسة الدينية بالكامل، ودخل الجميع على خط الصراع بين كل من وزير الأوقاف وشيخ الأزهر.

بدأ الهجوم من جانب الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، ووكيل مشيخة الأزهر على الخطبة المكتوبة، وانتقد بسببها وزير الأوقاف شخصيًا، وأصدر قرارًا بعدم التزام وعاظ الأزهر بالخطبة المكتوبة، الذين يزيد عددهم على 3 آلاف واعظ، تابعين للأزهر، ويقومون بسد عجز أئمة الأوقاف فى المساجد، وعلى الأوقاف مخاطبة مجمع البحوث الإسلامية رسميًا والتابع له الوعاظ تبعية كاملة لتنفيذ هذا القرار، وهذا ما لن يلجأ له وزير الأوقاف.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل رفض عدد كبير من كبار هيئة العلماء، والذين يقومون بإلقاء خطب الجمعة على المساجد الكبرى، إلقاء الخطبة من ورق مكتوب، واعتبروا ذلك تجاوزًا صريحًا فى حقهم، وأعلن غالبيتهم، ومنهم الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور على جمعة المفتى السابق رفضهم لذلك، بينما زار آخرون مكتب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وأبلغوه رسميا باعتراضهم على القرار الصادر من وزير الأوقاف، وقالوا له: «وزير الأوقاف عايز يعلم على كبار علماء الأزهر، وهذا لا يصح ولا يجوز نهائيا».

«الطيب» لم يعلق، ولم يتدخل، وظل صامتًا طوال تلك الفترة، وهو ما دفع وزير الأوقاف لأن يعلن بأنه فى حال صدور قرار من الدكتور أحمد الطيب يمنع فيه الخطبة المكتوبة سيلتزم على الفور بالقرار، وهذا ما رآه البعض توريطًا صريحًا لشيخ الأزهر فى الأزمة، ووفقا لكلام كثيرين، فقد شهدت المشيخة توافد عدد كبير من علماء الهيئة، والوعاظ، على مكتب الإمام، معترضين بشكل واضح وصريح على خطبة الجمعة المكتوبة، ولم يحرك «الطيب» ساكنًا.

فى تلك الأزمة والمعضلة الكبيرة امتنع عدد كبير من أئمة الأوقاف على قيامهم بإلقاء خطبة الجمعة الماضية من الورق، خصوصا فى محافظات الوجه البحرى، حيث شهدت محافظات: كفر الشيخ، والغربية، ودمياط، ودمنهور، والبحيرة اعتراضات رسمية من المشايخ، وصعدوا المنابر من غير الخطبة المكتوبة، وقال أحد أئمة الأوقاف بكفر الشيخ، ويدعى محمد صابر، فى نهاية خطبته، وهو ممسك بالورقة فى يديه: «هذا وإن كان من توفيق فمن الله، وإن كان من خطأ فمنى ومن الأوقاف»، فصور وزير الأوقاف على أنه الشيطان، واستبدل اللفظين، ولم يخش عقوبة الإيقاف أو الفصل، ولم يلتزم أئمة الأوقاف فى تلك المحافظات الــ4 بالخطبة المكتوبة، رغم كل القيود والمحاذير التى فرضها وزير الأوقاف، وقيامه بنشر كل مفتشى الأوقاف على معظم المساجد الكبرى فى المحافظات.

ولكن على أرض الواقع، وفقا لكلام محمود الششتاوى، مفتش بمديرية أوقاف الدقهلية، حيث قال نصًا: «إزاى ممكن أمضى، أو أوقع على عقوبة على زميل لى رافض قرار أنا أصلا مش موافق عليه، وهناك عدد كبير من مفتشى مديريات الأوقاف فى المحافظات لن يرفعوا تقاريرهم للوزارة».

فى خضم تلك المعركة الدائرة داخل المؤسسة الدينية، استغلت جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، ورجال ياسر برهامى الموقف أسوأ استغلال، خاصة أنهم ليس منوطا بهم تنفيذ قرارات وزير الأوقاف من عدمه، والمساجد التى يقومون بالخطابة فيها تكون وفقا لتفاهمات بين «جمعة» و«برهامي»، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك عدد كبير من المساجد والزوايا غير المرخصة، والتى لا تخضع لرقابة ولا إدارة وزارة الأوقاف سارت تحت سيطرتهم، ويلقون فيها الخطب والدروس، وفقا لمنهج السلفيين، والدعوة السلفية.

وهذا ما وضع علماء الأزهر على مختلف القطاعات فى أزمة كبيرة، خصوصا أنهم نقلوا كل تلك الأزمات إلى مكتب الإمام الطيب، وطالب الجميع بتدخله ليس هذا فقط ولكن بضرورة عقد اجتماع فورى لهيئة كبار العلماء للنظر فى الأمر، وبعد تردد كبير وجدل بين الإمام الطيب، ومستشاريه، وهيئة كبار العلماء، انتهى لعقد اجتماع مغلق لهيئة كبار العلماء استمر لمدة 8 ساعات، من صباح الثلاثاء الماضى، انتهى فى تمام الخامسة عصرًا، وخرج بقرار عام وبإجماع على رفض الخطبة المكتوبة، معتبرين هذه الخطوة تجميدًا للخطاب الدينى، وأن الأئمة يحتاجون إلى تدريب جاد، وتثقيف، وتزويدهم بالكتب، حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة، بالعلم والفكر الصحيح.

وحتى لا يتكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها؛ مما سيؤدى بعد فترة ليست كبيرة إلى تسطيح فكره وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التى تتخذ الدِين ستارا لها، وتستخدم من بين أساليبها تحريف بعض آيات القُرآن الكريم والأحاديث النبوية عن مواضعها، والتلبيس بها على أفهام عوام المسلمين؛ مما قد يصعب على الإمام مُناقشة هذه الأفكار وتفنيدها والرد عليها وتحذير الناس منها، وهو الأمر الذى يوجب مزيدًا من التدريب للخطيب والداعية وإصقاله بمهارات البحث العلمى والدعوة والابتكار حتى يستطيع الحديث بما يُناسب بيئته والتغيرات المتطورة كل يوم، وحتى يجتمع الناس من حوله منصتين إليه. وقدرت الهيئة الدور الذى يقوم به الأزهر الشريف فى العمل على تعميق الثقافة الفكرية الإسلامية لدى وعاظه، وذلك بعقد دورات دورية مستمرة ومكثفة فى جميع المجالات الشرعية، وإمداد الوعاظ بمجموعات كبيرة من الكتب التى تعمق ثقافتهم وتوسع مداركهم، بهذا البيان والفتوى التى تعد قرارًا فاصلاً على إلغاء الخطبة المكتوبة، ولكن يبقى قرارها وفتواها استشارية، ولن تلزم وزير الأوقاف بمنعها.