عقوبة عقوق الوالدين فى الاسلام

إسلاميات

عقوق الوالدين - صورة
عقوق الوالدين - صورة أرشيفية


العقوق
العقوق في اللغة يعني: الشقُّ، يقال: عقَّ ثوبه، كما يقال: شقَّ ثوبه، ومنه يقال: عقَّ الولدُ أباه، وعقَّ أمه، من باب قَعَد: إذا عصاه وترك الإحسان إليه، فهو عاقٌّ، والجمع: عققةٌ. قال ابن الأثير: يُقال: عقّ والده يعقُّه عقوقاً، فهو عاقٌّ: إذا آذاه وعصاه، وخرج عليه، وهو ضِدُّ البِرِّ به، وأصله من العقِّ: الشقِّ والقطع. كما يقال: عقّ أباه، وعقوقاً، ومعقّةً: استخفّ به، وعصاه، وترك الإحسان إليه.


وأمّا مفهوم عقوق الوالدين في الاصطلاح فهو: إغضابهما بترك الإحسان إليهما، وهو كلّ فعل يتأذَّى به الوالدان تأذياً ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة. وقيل أنّ عقوق الوالدين هو: ما يتأذَّى به الوالدان من ولدهما: من قولٍ، أو فعلٍ، إلا في شرك أو معصية، ما لم يتعنّت الوالدان. (1)


ما عقوبة عقوق الوالدين
يعدّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر في الإسلام، كما ورد عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أحاديث تدلّ علة تعجيل عقوبة من كان عاقّاً لوالديه في الدّنيا، وذلك كما في الحديث الذي رواه البخاري في التاريخ، والطبراني، وصحّحه الألباني مرفوعاً: (اثنان يعجّلهما الله في الدّنيا: البغي وعقوق الوالدين)، وورد عند الحاكم بسند صحيح مرفوعاً: (بابان معجّلان عقوبتهما في الدّنيا: البغي والعقوق)، وجاء عن قطيعة الرّحم في سنن أبي داود مرفوعاً: (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)، كما ورد عند الحاكم مرفوعاً: (كلّ الذّنوب يؤخّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين فإنّ الله يعجّله لصاحبه في الحياة قبل الممات). (2)


وإنّ حقّ الوالدين على ولدهما لهو من آكد الحقوق في الإسلام بعد حقّ الله عزّ وجلّ، ويكون ذلك من خلال طاعتهما، واحترامهما، وإكرامهما، والإنفاق عليهما حال حاجتهما، ورعايتهما إن كانا محتاجين إلى الرّعاية، وقد جاء حقّهما بعد حقّ الله عزّ وجلّ مباشرةً لأنّهما السّبب في وجود الإنسان بعد الله عزّ وجلّ، وقد بذلا نفسيهما لتربية ابنهما، ولقيا في ذلك التعب والمشقّة، فلذلك قال الله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا) سورة النساء، 36 ، كما قال سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا) سورة الإسراء، 23 .


وحقّ الوالدين هو أمر يشعر به الإنسان عن طريق فطرته، ومن ذلك حقّ الأم التي تعبت في حمله، ورضاعه، وتربيته، وقاست في ذلك الكثير، قال الله سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) سورة الأحقاف، 15 ، وقد جاء في الصّحيحين عن أبي هريرة : أنّ رجلاً جاء إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: (يا رسول الله، من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال:ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من ؟ قال: أبوك).


وقد شدّد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - على كون عقوق الوالدين من أكبر الكبائر عند الله عزّ وجلّ، وجعل مرتبته تلي الشرّك بالله عزّ وجلّ مباشرةً، فقد ورد في الصّحيحين أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزّور وشهادة الزّور، فمازال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت). (3)


مظاهر عقوق الوالدين
هناك مظاهر وصور عديدة لعقوق الأبناء لوالديهم، ومن ذلك: (4)

أن يقوم بإدخال الحزن إلى قلبيهما، أو إبكائهما، بقول أو فعل.
أن يقوم بزجرهما ورفع الصّوت عليهما، والإغلاظ بالقول، ونهرهما عن فعل ما، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا سورة الإسراء، 23 .
أن لا يساعدهما في أمور المنزل، سواءً في ترتيبه، أو تنظيمه، أو إعداد الطعام، وغير ذلك من الأمور.
أن يشيح بوجهه عنهما أثناء تحدّثهما، أو مقاطعتهما، أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، أو ترك الإصغاء إليهما، أو الاختصام معهما، فإنّ في ذلك تحقيراً لشأنهما، وإشعارهما بقلة قدرهما.
أن لا يعتدّ برأيهما، ولا يستأذنهما في شؤون حياته، سواءً أكان ذلك في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل، أو الذّهاب إلى مكان معيّن.
أن لا يستأذنهما حال الدّخول عليهما، وهذا فعل منافٍ لكلّ الآداب، لأنّهما ربّما يكونان في حال لا يرضيان أن يراهما أحد عليه.
أن يفتعل المشكلات أمامهما، سواءً أكان ذلك مع الزّوجة، أو الإخوان، أو الأولاد، وغيرهم.
أن يقوم بذمّ والديه أمام النّاس، أو أن يقدح فيهما، أو يذكر عيوبهما، أو خصالهما السّيئة، مثل أن يقوم بإلقاء اللوم على والديه في حال فشله في دراسته، بحيث يسوّغ ذلك لنفسه بأنّ والديه قد أهملاه، أو لم يربّياه جيّداً وهو صغير، وبالتالي قاما بإفساد حياته، وحطما له مستقبله، وغير ذلك من أشكال الذّم فيهما والقدح.
أن يقوم بسبّهما، ولعنهما، وشتمهما، أو أن يتسبّب في ذلك، مثل أن يقوم بسبّ والد أحد من النّاس، فيردّ الآخر بسبّ أبيه أو أمّه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (من الكبائر شتم الرّجل والديه. قيل: وهل يشتم الرّجل والديه؟ ! قال: نعم! يسبّ أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسب أمّه) رواه البخاري .
أن يدخل المنكرات إلى منزلهما، مثل آلات اللهو والفساد، أو أن يقوم بإفساد إخوته أو أهل بيته عامّةً، وبالتالي يؤدّي ذلك إلى شقاء الوالدين.
أن يقوم بمزاولة المنكرات أمامهما، مثل شرب الدّخان، أو النّوم عن الصّلاة المكتوبة، أو إدخال رفقاء السّوء إلى منزلهما، وهذا يدلّ على قلة الحياء مع الوالدين.
أن يشوّه سمعتهما، من خلال قيامه بالأعمال السّيئة، وكلّ ما قد يخلّ بالشّرف والمروءة، وهذا من عقوق الوالدين لأنّه يجلب لهما العار، والخزي، والهمّ.
أن يوقعهما في الحرج مع الآخرين، وذلك في حال استدان مبلغاً من المال مثلاً، أو أساء الأدب مع معلميه في المدرسة، وبالتالي تضطرّ الجهة المسؤولة إلى استدعاء والديه حال إساءته للأدب.
أن يمكث طويلاً خارج المنزل، ممّا يؤدّي إلى زيادة قلقهما، وانزعاجهما، وخوفهما على ابنهما، وربّما كانا بحاجة إلى من يقدّم لهما الخدمة، ولا يجدانه وقتها.
أن يثقل عليهما بكثرة طلباته، مع معرفته بقلة حيلتهما، وعدم قدرتهما على تلبية جميع احتياجته.
أن يقوم بإيثار زوجته على والديه، فمن النّاس من يجعل طاعة الزّوجة مقدّمةً على طاعة الوالدة، ويؤثرها عليها.
أن يتخلى عنهما عند كبرهما، وعجزهما، وحاجتهما إلى من يرعاهما، واهتمامه وانشغاله بأعماله الخاصّة بعيداً عن تحمّل مسؤوليتهما.
أن يتبرّأ منهما، ويستحي من ذكرهما أمام النّاس، أو ذكر نسبه إليهما، وهذا من أشدّ مظاهر العقوق قبحاً، حيث أنّ بعض الأبناء لدى ارتفاع مستواه الاجتماعيّ يتناسى فضل والديه عليه، ويتنكّر لهما، ويتبرّأ من معرفتهما، ويخجل من وجودهما في حياته.

أسباب عقوق الوالدين
إنّ لعقوق الأبناء لوالديهم أسباباً عديدةً، منها: (4)

جهل الابناء بعاقبة عقوقهم لوالديهم، لأنّ الجهل داء قاتل، وبالتالي فإنّهم لا يعلمون أنّ عقوبتهم ستأتيهم سواءً أكان ذلك في العاجل أم في الآجل، وجهلهم أيضاً بنتائج البرّ بالوالدين، وفضله عند الله عزّ وجلّ.
سوء تربية الوالدين للأبناء، فإن لم يتربى الأبناء على البرّ، وصلة الأرحام، وتقوى الله عزّ وجلّ، فإنّ هذا سيؤدّي إلى تمرّدهم، وعقوقهم لوالديهم.
تناقض الوالدين فيما يعلمانه لأبنائهما، حيث يعلمانهم أمراً ولا يعملان هما بدورهما به، أو ربّما كانا يعملان بما يناقضه، وهذا الأمر يشجّع الأبناء على عقوق والديهم، والتّمرد عليهم.
الصّحبة السّيئة التي تحيط بالأبناء، فتؤدّي إلى إفسادهم، وهذا يجعلهم أكثر جرأةً على العقوق بوالديهم، ممّا يؤدّي إلى إرهاق الوالدين، وضعف أثرهما في تربية أبنائهما.
عدم اتقاء الوالدين لله عزّ وجلّ حال طلاقهما، وقيام كلّ منهما بالتحدّث عن الطرف الآخر بسوء أمام أطفالهما.
التفرقة بين الأبناء في المعاملة، ممّا يوقد الشّحناء والبغضاء بينهم، ويدفعهم ذلك بالتالي إلى كره الوالدين، وبغضهما، ومقاطعتهما.
إيثار الابناء للراحة والاسترخاء على خدمة الوالدين والاهتمام بهما، ففي حال كان لأحدهم والدان كبيران في السّن ورغب في التخلص منهما، فإنّه يقوم بإيداعهما في دار للعجزة، بلا أيّ رحمة أو شفقة منه، وذلك طلباً للراحة.
إغراء الزّوجة لزوجها بأن يقوم بالتمرّد على والديه، أو إخراجهما من المنزل، وذلك في حال كانت صاحبة خلق سيء، وذلك ليخلو لها الجوّ بزوجها، وتستأثر به دون أهله.
عدم الإحساس بحال الوالدين، وخوفهما على أبنائهما في حال تأخرهما، أو الابتعاد عنهما، أو الإساءة إليهما.

بر الوالدين
يعدّ برّ الوالدين من أقرب القربات إلى الله عزّ وجلّ، وأجلّ الطاعات التي أمرنا بالقيام بها، وكذلك فإنّ عقوقهما يعدّ من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، وأشدّ المهلكات، وقد ورد على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسّنة، منها: (1)

أنّ الله سبحانه وتعالى قد قرن الإحسان إلى الوالدين وحقّهما بعبادته سبحانه وتعالى، وقرن شكره بشكرهما، لأنّه سبحانه وتعالى هو الخالق، وقد كان الوالدان هما السّبب الظاهر لوجود الإنسان في هذه الحياة، وهذا دليل على تأكيد حقّهما والإحسان إليهما، بالقول وبالفعل، لأنّهما أحبّا طفلهما في صغره، وأحسنا إليه، وقاما بتعليمه وتربيته، ممّا يقتضي عليه برّهما، وتحرّيم الله عزّ وجلّ لأدنى مراتب الأذى لهما.
أنّ برّ الوالدين أعظم مرتبةً من الجهاد في سبيل الله تعال، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يستأذنه في الجهاد فقال: (أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وورد في لفظ لمسلم: (أقبل رجل إلى نبي الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: تبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما).
أنّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال التي تقرّب العبد إلى الجنّة، وهي من أحبّ الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بعد أداء الصّلاة، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أخبر بذلك، ورتّبه باستعمال ثمّ، والتي تفيد معنى التّرتيب والمهلة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثمّ أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، حدّثني بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولو استزدّته لزادني) رواه مسلم .
أنّ برّ الوالدين يرضي الله عزّ وجلّ، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (رضى الرّب في رضى الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) رواه الترمذي .