دولة «الكمبوند»

العدد الأسبوعي

كمبوند
كمبوند


■ 86 شركة نفذت 254 من 415 منتجعاً.. و14 شركة نفذت 125 مشروعاً وحدها

■ سعر المتر يبدأ من 2500 لـ12 ألف جنيه..والفيللات حتى 8 ملايين جنيه

■ 13.8 مليار جنيه ينفقها المصريون سنوياً لشراء شققها الفاخرة..و 415 مليارا دفعها المواطنون لشراء شقق وفيللات فاخرة خلال 30 عاماً

■ الشركات ربحت 60 مليار جنيه من مبيعات 45 ألف فيللا وقصر

■ الطبقة الوسطى دفعت 106 مليارات جنيه فى 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة والشيخ زايد


على الطرق السريعة، وفى الشوارع داخل المدن، وعلى أسطح البنايات، وفى التليفزيون، وفى كل مكان فى مصر، تطاردك إعلانات العقارات والتجمعات السكنية الجديدة... «نفسك تسكن فى كمبوند ..ادفع واستلم وحدتك وقسط على 5 سنوات.. عيش حياة المدينة وهدوء وأمان الكمبوند».. هذه أمثلة من عشرات الإعلانات التى تبشر بالحصول على سكن فاخر يعد صاحبه بالحياة فى جنة أرضية، فى مجتمع يعيش فيه الملايين فى العشوائيات والمقابر.

ورغم أن مصر عرفت المناطق الراقية التى يعيش فيها أصحاب الدخول المرتفعة، وشهدت موجات من انتقال السكان إلى مناطق أهدأ وأوسع يتجاور فيها الأغنياء ومتوسطو الدخل، إلا أن الظاهرة تطورت إلى مستوى جديد تماماً وهى مرحلة الكمبوند، التى تعنى المنتجع السكنى المغلق، وهو مشروع يفصل تماماً شديدى الثراء وعزلهم عن بقية المواطنين بأسوار وكاميرات مراقبة وحراسات مشددة وتصاريح للزائرين، والبداية كانت فى ثمانينيات القرن الماضى حين أنشأ المعمارى المصرى حسين شاهين، مدينة مغلقة فى العجمى، بالإسكندرية، أسماها «ذا كمبوند»، حيث قرر ومجموعة من أصدقائه شراء الأرض وبناء منازل مناسبة لاحتياجاتهم، وذلك قبل توصيل المرافق الأساسية للمنطقة، وفى منتصف التسعينيات توسعت الظاهرة لتسكنها الطبقات الراقية بحثاً عن الخصوصية والتميز، ولتعيش فى حصن يحميها من نظرات الفقراء.

وفقا لإحصائيات وزارة الإسكان، تستحوذ سوق الإسكان الفاخر على 65 مليار جنيه من حجم سوق العقارات، لكن الحملات الإعلانية الضخمة عن مشروعاته تظهر، على غير الحقيقة، وأن جميع الاستثمارات متجهة إليه فقط، رغم ارتفاع ثمنه وقلة زبائنه.

حسب دراسة أجراها الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير فى الشئون الاقتصادية، وفريقه البحثى، عن خريطة القوى الاجتماعية والاقتصادية فى مصر ونمط الاستثمار والتنمية الذى ساد طوال الـ40 عاماً الماضية، يوجد حوالى 2.4 مليون وحدة سكنية مؤجرة، و3.3 مليون وحدة خالية أو مغلقة بسبب عدم استعمالها، وزاد عدد العمارات ثلاثة أضعاف لتبلغ 1.2 مليون عمارة، وارتفعت المنازل خمسة أضعاف لتصل إلى 5.5 مليون منزل، وزادت أعداد البيوت الريفية 3 أضعاف لتصل لـ3.7 مليون بيت، وارتفع أعداد الفيللات 3 أضعاف لـ 98 ألف فيللا، بينما بلغ عدد الشاليهات 41.5 ألف شاليه.

ووفقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فإن نسبة 70% من الوحدات السكنية يمتلكها أصحابها، بينما تصل نسبة الإيجار القديم إلى 15.6%، وهناك 18% من المبانى مهددة بالانهيار، فيما تحتاج 50% من المبانى للصيانة.

أما الكمبوند، فأسلوب مختلف،.. أكثر ثراء بالمقارنة مع غيره من التجمعات السكنية، التى أقامتها الدولة للفقراء والطبقة المتوسطة، فى مدن السلام ومساكن النهضة والعبور والشروق والسادات والمنيا الجديدة وغيرها حيث تتراوح تكلفة البناء فى المتوسط بين ألف جنيه لـ30 ألف جنيه للمتر المربع، وفى الغالب تعادل مساحة المبانى فيه 40% من إجمالى مساحة المنتجع والباقى عبارة عن مساحات خضراء وخدمات إدارية وغيرها.

وتتنوع وحدات المنتجعات السكنية بين القصور والفيللات والتوين هاوس، والأخير تبدأ مساحته بحد أدنى 250 مترا مربعا، إلى 1500 متر مربع.

ويوجد نوع آخر هو التجمعات السكنية المختلطة والتى تضم قصورة وفيللات ومساكن عادية مثل مدينة الشروق والعبور وأكتوبر والقاهرة الجديدة وغيرها.

ويبلغ حجم إنفاق المصريين على شراء هذه المنتجعات السكنية، منذ عام 1980 وحتى عام 2012، وفق تقدير منخفض حوالى 415 مليار جنيه، موزعة بين المنتجعات السكنية، 59.3 مليار جنيه، والمنتجعات السكنية المختلطة، 185.7 مليار جنيه والسياحية 64.5 مليار جنيه والتجمعات السكنية الفاخرة، 105.3 مليار جنيه.

ووفقا للتقدير المرتفع بلغ ما أنفقه المصريون على شراء هذه الوحدات الفاخرة طوال الـ30 عاماً الماضية حوالى 894.6 مليار جنيه موزعة بين المنتجعات السكنية 124.6 مليار جنيه، والمنتجعات السياحية 169.5 مليار جنيه، والشقق الفاخرة بالتجمعات السكنية 153.9 مليار جنيه، ثم التجمعات المختلطة 446.6 مليار جنيه.

وتوزعت هذه الأموال على 415 منتجعاً من جميع المستويات والتى تم بناؤها على مساحة، 230.6 مليون متر مربع من أراضى مصر، أكثر من نصفها لايستعمل فعليا على مدار العام سوى لفترات قصيرة جداً، سواء كمصيف أو عبر إيجاره لآخرين.


1- من أين جاءت هذه الأموال؟

الإجابة تتنوع ما بين تحويلات المصريين فى الخارج والتى تقدر منذ عام 1974 وحتى 2011، بنحو 550 مليار جنيه، ومن الثروات المتراكمة لأصحاب مكاتب الاستيراد والتصدير والأنشطة التجارية والاقتصادية، والتى لعب فيها الاقتراض من البنوك دوراً كبيراً بالإضافة إلى المصادر غير المشروعة.


2- خريطة المنتجعات

ويبلغ عدد الشركات العاملة فى قطاع البناء والتشييد فى مصر حتى نهاية أغسطس 2013، حوالى 9759 شركة تقدر استثماراتها بنحو 25.6 مليار دولار، منها 5305 شركات تعمل فى التنمية العمرانية و4152 شركة فى قطاع التشييد.

ويزيد عدد المنتجعات السكنية الفاخرة فى مصر على 100 منتجع، على مساحة 55 مليون متر مربع من أراضى مصر البالغة 950 مليار متر مربع، أقيم عليها 45 ألف فيللا وقصر فاخر، بعدد 69416 وحدة، وبلغت حجم مبيعاتها 60 مليار جنيه كحد أدنى، وذلك فى مناطق القاهرة الجديدة، التى تضم 33 منتجعاً و6 أكتوبر التى تضم 21 منتجعاً.

ويضم طريق «القاهرة – الإسكندرية» الصحراوى، 12 منتجعاً، ووسط الإسكندرية، 11 منتجعا، والشيخ زايد، 8 منتجعات، ومدينة الشروق، 5 منتجعات، وطريق «مصر- الإسماعيلية» الصحراوى، 2 منتجع.

أما المنتجعات السياحية فبلغ عددها 168 منتجعاً، على مساحة 65 مليون متر مربع، أقيم عليها 200 ألف وحدة سكنية، بلغت إيرادات البيع فيها حوالى 65 مليار جنيه، وذلك فى مناطق الساحل الشمالى، وتضم 73 منتجعاً والعين السخنة، وتضم 35 منتجعاً، ورأس سدر، 19 منتجعاً، وشرم الشيخ، 16 منتجعاً ومرسى مطروح، 9 منتجعات، والبحر الأحمر، 5 منتجعات، والغردقة، 5 منتجعات، والجونة، 2 منتجع، وفايد، 2 منتجع، وسهل حشيش 2 منتجع.

وبلغت مشتريات الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة حوالى 106 مليارات جنيه، فى التجمعات السكنية الفاخرة، والتى أقيمت على مساحة نحو 26 مليون متر مربع، وتضم 500 ألف وحدة سكنية، وذلك فى مناطق 6 أكتوبر، وتضم 38 منتجعاً، والقاهرة الجديدة، 18 منتجعاً، والمعادى، 17 منتجعاً، ووسط الإسكندرية، 13 منتجعاً، والشيخ زايد، 10 منتجعات، ومدينة العبور، 5 منتجعات، والعاشر من رمضان، 2 منتجع، والمقطم، 2 منتجع.

وحصلت التجمعات السكنية المختلطة والتى تتداخل فيها القصور والفيللات والمساكن فوق المتوسطة على مساحة 90 مليون متر مربع، أقيم عليها حوالى 170 ألف وحدة سكنية، اشترى فيها المصريون بأكثر من 187 مليار جنيه، وذلك فى مناطق القاهرة الجديدة، 16 منتجعا، و6 أكتوبر، 6 منتجعات، والمعادى، 4 منتجعات، ومدينة الشروق، 3 منتجعات، والشيخ زايد، 3 منتجعات، وطريق «مصر- الإسكندرية» الصحراوى، 3 منتجعات، 2 منتجع، ووسط الإسكندرية، منتجع.


3- الشركات الكبرى فى دنيا الكمبوند

يبلغ عدد المسجلين فى قطاع المقاولات مايزيد على 45 ألف مقاول، بالإضافة لوسطاء التشغيل ما يزيد المستفيدين بنصف مليون شخص، وحوالى 4 ملايين عامل ومهندس وفنى وحرفى.

وتستحوذ شركات كبرى على نصيب الأسد من سوق الكمبوند، منها 86 شركة عقارية قامت ببناء 254 مشروعاً من إجمالى 415 منتجعا تم حصرها، وقامت 14 شركة وحدها ببناء 125 مشروعاً، يأتى على رأسها: مجموعة شركات طيبة جروب، بـ14 مشروعاً مينا للاستثمار العقارى، 11 مشروعا، وشركات رمكو، 10 مشروعات، وشركة المعمار جروب، وشركة السادس من أكتوبر.

وحققت هذه الشركات أرباحاً تتراوح ما بين 315 - 600 مليار جنيه، وذلك من تشييد 850 ألف وحدة سكنية متنوعة المستويات كحد أدنى و1.5 مليون وحدة سكنية كحد أقصى، وذلك فى 64 منطقة جغرافية فى المحافظات، ويقدر حجم ما أنفقه المصريون سنويا على شراء تلك الوحدات 13.8 مليار جنيه، وتتراوح حصيلة الضريبة العقارية السكنية على ملاك هذه الوحدات ما بين 1.5 - 2.3 مليار جنيه.

وشركة رمكو التى تضم 8 شركات وهى مملوكة لرجل الأعمال أيوب عدلى أيوب، فضلاً عن شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار المملوكة لمجدى راسخ، صهر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتضم فى مجلس إدارتها، شفيق البغدادى، رئيس شركة فريش فودز، ودار المعمار جروب، والتى يملكها أيمن إسماعيل والمنفذة لمشروعات هايد بارك بالقاهرة الجديدة وشيل أوت بارك بـ6 أكتوبر وماونتن فيو.

ومن ضمن أهم الشركات أيضاً مجموعة طلعت مصطفى المنفذة لمشروعات مدينتى والرحاب، لصاحبها رجل الأعمال طلعت مصطفى، وأيضا شركة وادى دجلة للتنمية العقارية، لصاحبها رجل الأعمال، ماجد حلمى.

وتوظف هيئات وشركات حكومية جزءا من استثماراتها كشراكة مع هؤلاء فى تلك المشروعات فمثلا شركة سوديك يشارك فى مشروعاتها شركة مصر للتأمين، والهيئة القومية للبريد وبنك القاهرة وبنك التنمية والائتمان الزراعى.


4- الأسعار

يختلف سعر الوحدات فى المنتجعات السكنية حسب المساحة والمكان، فيتراوح سعر المتر من 2500 جنيه إلى 12 ألف جنيه، وتبدأ أسعار الفيللات من مليون ونصف المليون وحتى 8 ملايين جنيه، ومشروع ماونتن فيو 1، بالقاهرة الجديدة، تبدأ الأسعار من 525 ألف جنيه وفى مشروع بريت سيتى، يصل سعر الفيللا 2.5 مليون جنيه، وفى مشروع نيوميرلاند التجمع الخامس، يصل سعر الفيللا لـ5 ملايين جنيه، ويبلغ سعر الفيللا بمشروع اليجريا فى 6 أكتوبر 3 ملايين جنيه، ومشروع جاردينيا بارك، فسعر الفيللا 8 ملايين جنيه.

ويبلغ متوسط سعر الفيللا فى مشروع نيو جيزة، على طريق «مصر – الإسكندرية» الصحراوى، 3.8 مليون جنيه، أما منتجع القطامية جاردنز، فيبدأ سعر الفيللا فيه من 2.5 إلى 7.5 مليون جنيه ومشروع القطامية هيلز، تبدأ أسعار وحداته من 2.3 إلى 5 ملايين جنيه.

أما أسعار المنتجعات السياحية، فيبدأ سعر الوحدة بمشروع بلومار سيدى عبد الرحمن فى الساحل الشمالى، من 540 ألف جنيه، ويبدأ السعر بمشروع هاسيندا باى، بـ2 مليون جنيه، وتبدأ الأسعار بمشروع ليتل فينيس، بالعين السخنة، من 832 ألف جنيه وبمشروع ماونتن فيو السخنة، 600 ألف جنيه، ويبدأ سعر فيلات مشروع مينا بيتش بمنطقة رأس سدر، من 169 ألف جنيه.


5- الدولة فى مواجهة الشركات

يقول الدكتور عبد الخالق فاروق، صاحب الدراسة، لـ»الفجر»، إن ظاهرة الكمبوند توسعت مؤخراً بشكل كبير، حيث رصدت الدراسة ارتفاع نسبتها بـ80% على الأكثر، خاصة المنتجعات السياحية، مشيراً إلى عدم قيام أى جهة رسمية بحصر ودراسة هذا الملف، حيث انتشرت مؤخراً المنتجعات السياحية فى رأس سدر والبحر الأحمر والعين السخنة والغردقة وأصبحت ظاهرة التجمعات السكنية تتمدد فى كل مكان خاصة مناطق التجمع الخامس وحتى العاصمة الإدارية الجديدة ومناطق ساحلية معينة، مثل مرسى علم وسيدى عبد الرحمن والساحل الشمالى.

ويرجع فاروق اتساع الظاهرة إلى وجود فوائض مالية لدى المصريين يفضلون استثمارها فى شراء العقارات، لأن قيمتها تتزايد وذلك فى ظل انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ويرى أن دخول الدولة كلاعب فى سوق التجمعات السكنية فى مناطق التجمع والقاهرة الجديدة وأكتوبر، سيستمر لفترة زمنية قصيرة فقط، لأنها لن تستطيع منافسة القطاع الخاص فى مجال الإسكان المتوسط والفاخر.