أحمد سامي يكتب: المستشفى الجامعي في المنوفية "قتل عمد وفتونة وفساد"

مقالات الرأي

بوابة الفجر


أعلم أن حديثي عن سوء الأوضاع داخل المؤسسات الصحية والمستشفيات المصرية الحكومية، قتل بحثًا من قبل الكثيريين، وآخرهم الحملة الشهيرة التي دُشنت على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم «علشان لو جه ميتفاجئش»، ولكني أكتب هذا المقال من قبيل «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» لعل وزير الصحة الحالي أو من هو معني بموضوع المقال، يلتفت ويؤدي واجبه المنوط به.

حديثي عن الأوضاع داخل المستشفى الجامعي في المنوفية، روتيني، فهي كغيرها من الأوضاع داخل المستشفيات الأخرى وليست شاذة، لدرجة أنها أصبحت واقعًا نتعايش معه، يتغير فقط، وقت زيارة وزير أو مسؤول تفرش له الورور وتعلق الأزهار والزينة، ومن ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها.. "زحمة المرضى وذويهم – افتراشهم الطرقات – كآبة العنابر – سوء نظافة – رائحة مقيتة – ممرضات متذمرات ذوات وشوش فظة منفرة – دكاترة بالوصاية – ومسؤوليين خارج أماكنهم يشخطون وينطرون في خلق الله لا يراعون حرمة المرضى الذين لجأوا إلى مستشفياتهم لضيق ذات يدهم ولقلة حيلتهم".

1- في أثناء تواجدي بالمستشفى، رفقة أحد المرضى، وجدت زحامًا شديدًا على باب مدخل استقبال المستشفى، مواطنون يريدون الدخول عنوة، والأمن يتصدى لهم، ويدخل من يعرفه ويرفض من لا يعرفه، وسط دخول  احدهم خلسة وآخر واسطة وأخر بسيجارة أو علبة عصير، مشهد مأساوي وفوضى عارمة، صوت عال وتدافع بسيدات تردن الدخول، وأزمة لها جزئين أحدهما سلوكية تتعلق بالمواطنين والأخرى تنظيمة تتعلق بالمستشفى...

2- لا يفوتك داخل المستشفى الجامعي الكبير في محافظة المنوفية، رائحة القمامة والدماء والمستلزمات الطبية، والذباب الذي يطاردك في كل مكان بالمستشفى المفترض أنه معقم جيدًا ومهيأ لاستقبال المرضى، والحقيقة أن تلك الآفات لم تكن موجود بقسم الجراحات، الذي كان على قدر من النظافة، أما باقي أدوار المستشفى ومحيطها، فسمتها القمامة والرائحة الكريهة.

3- "تناكة" الدكاترة.. لازم تعمل مشكلة أو تستغيث أو تبوس إيد ورجل الدكتور إن لم تكن واصلًا، حتى يتكرم ويتفضل بالكشف على المريض ذويك، وروت فتاة كانت برفقة والدتها، أنها دخلت المستشفى منذ أربعة أيام، ولم يتكرم طبيب بفحصها وتحديد مشاكلها وهي أزمة صحية في الطحال، ولأجل أخيها الذي يعمل لدى قيادة أمنية كبيرة وتواصله مع وزير الصحة مباشرة، انقلبت المستشفى ولم تقعد وجاء الطبيب مهرولًا للسيدة لا ليعتذر ولا يبدي أسفه عن تأخره عنها ولكن ليقول لها (مش اشتكيتي للوزير.. متجيش لي تاني ولا تطلبي مني أكشف عليكي).. أصيبت السيدة ذات الـ60 عامًا تقريبًا بحالة من الهلع (هيموتوني محدش يعملي عملية ليحطولي حاجة وأموت)، موقف مؤسف من طبيب هو يد الله لشفاة المرضة ووسيلة من وسائلة سبحانه وتعالى.. 

وطبيب آخر يبلغ من العمر حوالي الـ30 يدعى "ع. ا" ذو شعر أكرت وجسم هزيل قصير القامة.. تشعر بحركاته أنه تائهة يدخل العنبر من هنا ينظر للمرضى ثم ينصرف بدون أي كلام أو حديث ثم يعود مرة أخرى وينصرف.. والمصيبة أنه الوحيد المسؤول عن الكشف على المرضى في قسم الجراحة.

4- الممرضات.. وما أدراك ما الممرضات.. (ملائكة الرحمة الوجه الحسن بلسم المستشفيات، طيور الجنة) اللاتي يرافقن المريض طوال الفترة التي يقضيها في المستشفى.. ويبدو أن كل هذه الألقاب موجود في بلاد الغرب فقط.. أما في مصر فهي (أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان).. وجه شاحب ومنفر فظ.. يقزز من ينظر إليه وكأنه ينطق عنها ويقول (محدش يقربلي أو يندهلي أو يقصدني في حاجة)، ترد عليك بكل برود وكأنها مدير المستشفى تذهب وتعود عندما يحلو لها ذلك، ولأجل الحصول على خدمة منها لا بد وأن تتودد إليها (رشوة) وليس بالمعنى الحرفي للرشوة، ولكن بضحكة أو ابتسامة أو استعطاف، أو تشعرها بأنها فعلا ملاك رحمة، أو أنها (اللي هنا واللي هناك)، تجلس على المكتب خاصتها ينقصها فقط "شيشة" و"حجر معسل" لينكشف وجهها الحقيقي.

ممرضة أخرى تسمى "ح" تدخل العنابر وتقف وسطها والمرضى، منهم النائم ومنهم المستلقي على ظهره، ومنهم الخارج من عملية جراحية وتقول بأعلى صوتها (حد خد حاجة من التلاجة)؟ ترددها أكثر من مرة بصوت جهوري يكفي لإيقاظ بلد بأكمله، وتقول في آخر مرة (حد خد الكانز بتاعي من التلاجة)؟ كانز يا "مفترية" لو طلبت من أحدهم لأحضر لها باكيت كانز، لتنهي له خدمة.. اقتربت منها وأخبرتها أن أحد المرضى "قريب لي" يحتاج إلى رسم قلب والممرضة قالت لم يأتيها إذن رسم قلب ودكتور التخدير قال هيعمله بكرة.. ردت بكل ثقة متقلقش ثواني وهيتعملها كل حاجة وملكش دعوة بالدكتور.. ما هذه الثقة ممرضة أنتي أم مديرة مستشفى.. لا يهمك الدكتور!! قال لي أحدهم إن طبيبًا طلب أمرًا ما من أحد الممرضات وتدخلت هي ورفضت طلبه وانتصرت في النهاية علشان "مسيطرة وممرضة قديمة في المستشفى".

5- نقص المستلزمات سمة أساسية الآن، حيث أخبرني طبيبًا في المستشفى، بأن هناك نقص حاد في الأدوية، ولا يوجد حتى "ملصق" لكتابة اسم المريض عليه، وأن رسوم الكشف في المستشفى (ملاذ محدودي الدخل) ارتفعت، وهناك مرضى يعودون بدون كشف!! كلمات مبكيات لخص الطبيب بها حال الدولة التي تعاني حاليًا نقصًا شديدًا في الأدوية بسبب أزمة ارتفاع سعر الدولار، مضيفًا: (البلد رايحة إلى المجهول.. وأوضاع المستشفى إلى الأسواء كل يوم).

6- مغادرة إداري المستشفى مكاتبهم "عمال على بطال".. كمسؤول الخزنة والذي وجدناه بعد فترة من البحث.. ومسؤول إذن الدفع في الخزنة، الذي سأل عليه أكثر من شخص..  ليرد أحد يعرفه..كان هنا ومشي.. والأذونات خلصت.. فيلم "الإرهاب والكباب" يعود في مسشفى جامعة المنوفية عندما كان يبحث عن "الأستاذ مدحت شفاه الله وعافاه".

7- افتراش الأهالي الطرقات انتظارًا لخروج ذويهم من المستشفى أو لكثرة المتواجدين برفقة المريض داخل العنبر.. تسير في الطرقة كأنما تمشي فوق حبل في السيرك تخاف أن تقع على الأرض أو أن تطأ قدمك أحدهم فيحدث مالا يحدث عقباه.

8- مسؤولة لم تتحرك إلا عندما أخبرتها أني صحفي، وأريد طبيبًا ليرعى المريض، وأوصلتني مشكورة إلى طبيب "أستاذ مساعد" وتحدثنا معه، ومتأكد أنه لولا أني أخبرتها بصفتي المهنية لما تحرت بدليل كثرة المرضى الموجودين خارج مكتبها..

مشاهد أخرى كارثية وأوضاع مزرية.. مواطنون أحياء يفترض أنهم يتلقون العلاج في مكان أشبه بمقبرة موتى.. وضع يلخص أحوال مصر.. سنظل نسلط الضوء على تلك السلبيات أملًا في أن يأتي من يشبه عمر ابن الخطاب في رحمته وخوفه على رعاياه من أن يسأل عنهم ويخلص المستشفيات من تلك المهازل، أو أن يتحرك وزير حالي أو قادم ويقضي عليها.

وفي النهاية.. لن أطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال فقط، كما طالب من خاض في هذا الأمور قبلي.. ولكن سأناشد كل من له ذرة ضمير بأن يراعي الله في المرضى الذي يستنجدون به أملًا في شفائهم بعد الله....