منال لاشين تكتب: الملفات السوداء لصندوق النقد فى مصر

مقالات الرأي



■ عاطف صدقى ماطل فى إنهاء الاتفاق مع الصندوق ليظل رئيسا للحكومة

■ والكتاتنى سأل العقدة «هو قرض الصندوق كويس؟»

■ فايزة أبوالنجا أقنعت طنطاوى برفض القرض 2012 والسيسى كان موافقا

■ الجنزورى طرد يوسف بطرس غالى من اجتماع المفاوضات: الواد ده ينقل أخبارنا لسميراميس

■ خيرت الشاطر وافق على قرض الصندوق.. والسلفيون قرروا التغيب عن جلسات مناقشة القرض

■ عاطف عبيد كان ملكياً أكثر من الملك وقال عنه وزير اقتصاد سابق: عبيد هو صندوق النقد نفسه


الفاشل فقط هو من يفخر بحصوله على هذه الشهادة.، شهادة تقول له إن التدهور فى حالته يمكن وقفه. وأن غباء تصرفاته لم يؤد للوفاة. مثل هذا النوع من الفاشلين إما يكون مريضا نفسيا. أو حكومتنا..

الحقيقة أن حكاية الفخر بشهادة الفشل موروثة من حكومات أخرى سابقة. حكومات احترفت قلب الحقائق. والترويج لقرض الصندوق بأنه شهادة فى حق الاقتصاد المصرى، شهادة تمكنه لمزيد من القروض، وليس لمزيد من العمل.. فحكايتنا مع قروض الصندوق لا تتغير باستثناء الأشخاص فقط. فشل سياسات الحكومة يؤدى إلى ضياع ثروات الدولة إلى حفنة من طبقة رجال الأعمال، ثم الهرولة للصندوق وإجراءات قاسية يتحملها الفقراء فقط. لم ولن يتغير الوضع، ولكن ما بين اتفاق وآخر مع صندوق النقد تتغير فقط الحكايات والنميمة السياسية. حكايات وأسرار تعكس الصراع السياسى داخل النخبة الحاكمة أحيانا، والموقف من صندوق النقد والمؤسسات الدولية أحيانا أخرى. ولكنها بالطبع لا تعكس الرفض الشعبى من الصندوق. بشكل خاص، والمؤسسات المالية العالمية بشكل عام. فتاريخ الصندوق وتجاربنا معه ومع الدول الأخرى فاشلة فى الغالب، قاسية فى الإجراءات.

وإذا كان المصريون نسوا للبنك الدولى رفضه تمويل السد العالى لأنه غير سياساته. فإن الصندوق لم يتغير كثيرا. ربما تعلم أن يكون أقل غرورا وديكتاتورية. ولكنه لم ولن يبتعد عن السياسة. ولعل ما فعله مسئول بالصندوق بعد ثوره 30 يونيو أكبر دليل على (العمى السياسى) لبعض المسئولين بالصندوق.

فقد كانت مصر تتفاوض مع البنك الدولى وليس الصندوق. ولأن التفاوض كان حول قرض ميسر لدعم الموازنة. فقد طلب البنك الدولى أن تقدم الحكومة شهادة من صندوق النقد بإجراءات إصلاح الموازنة. وخرج مسئول كبير بصندوق النقد ليهاجم الاقتصاد المصرى ويكيل له اتهامات بالفشل والخراب وكتب مسودة خطاب ليعيق حصول مصر على قرض البنك الدولى.

واعترضت الحكومة المصرية ومحافظ البنك المركزى فى ذلك الوقت هشام رامز على مسودة الخطاب. فأنكرت مدير صندوق البنك كريستان لاجارد وجود الخطاب وانتهت الأزمة.


1-قرض الإخوان

انتهاء الأزمة مع الصندوق لا ينهى الاتهام بنوايا سياسية تحرك الصندوق، وأن هوى الصندوق ليس اقتصاديا خالصا. فصندوق النقد جرى وراء مصر بعد وصول الإخوان لمجلس الشعب لمنحها قرضا من الصندوق. ربما يكون موقف الصندوق بدأ فى التغير بعد ثورة 25 يناير. فقد أراد الصندوق أن يدخل الوطن العربى بعد ثورات الربيع لمساندة الاقتصاد. ولكن حماس الصندوق تضاعف بعد سيطرة الإخوان والسلفيين على مجلس الشعب.

المثير أن قواعد السلفيين والإخوان كانوا ضد قرض الصندوق، بل إنهم كانوا ضد الصندوق من أساسه. وكادوا يرفضون زيادة حصة مصر فى صندوق النقد عندما عرضت عليهم. وجرى اجتماع خاص لقيادات الإخوان والسلفيين فى مكتب رئيس مجلس الشعب الإخوانى الدكتور سعد الكتاتنى. وحضر اللقاء محافظ البنك المركزى السابق الدكتور فاروق العقدة. وشرح للقيادات ورؤساء اللجان أهمية الموافقة على زيادة حصة مصر فى صندوق النقد، وفى المؤسسات الدولية بشكل عام. وأن الأمر يتعلق بسمعة ومكانة مصر الدولية. وفى هذا الاجتماع السرى أو المغلق سأل الكتاتنى فاروق العقدة هو القرض كويس ومفيد لمصر يا دكتور؟ وعندما تعالت صيحات الرفض السلفى لمجرد السؤال، فرد الكتاتنى لازم نسمع آراء الخبراء.

وأما القرض ذاته فقد أحدث انقساما بين الإخوان والسلفيين، فخيرت الشاطر رجل الإخوان القوى وافق على القرض منذ اليوم الأول. وتبعه بالطبع قيادات الإخوان. ولكن معظم السلفيين رفضوا القرض لأنه حرام وربا، كما أنه سيحرجهم أمام قواعدهم الشعبية.. وكان الحل السهل أن يتغيب هؤلاء النواب عن الجلسات فى حالة الحصول على القرض. كما سمح السلفيون لقياداتهم فى البرلمان برفض فكرة القرض خلال زيادة حصة مصر فى القرض داخل اللجان. ولكن لم يتغيب نواب السلفيين أو الإخوان، ولم يتعمق الخلاف حول القرض لأن عُمر مجلس الإخوان والسلفيين كان قصيرا.


2- قرض طنطاوى

على جانب الحكومة فإن الانقسام كان موجودا. وزير المالية فى ذلك الوقت الدكتور سمير رضوان كان متحمسا للقرض. فالصندوق لم يكن يغالى فى شروطه أو طلب إجراءات قاسية بعد ثورة 25 يناير. ورأى الدكتور سمير رضوان أن الفرصة متاحة للحصول على تمويل لتنشيط الاقتصاد بشروط ميسرة. وأعطى رئيس الحكومة إشارة الموافقة. فبدأ سمير رضوان فى إعداد خطاب النوايا الذى ستقدمه الحكومة للصندوق. وأرسل الدكتور سمير مسودة الخطاب لرئيس الوزراء. وكان المستشار القانونى لرئيس الحكومة الدكتور على الغتيت ضد القرض. ولكن الدكتور سمير لم يتصور أن معارضة القرض أكبر بكثير من رأى الدكتور الغتيت. وبينما كان رضوان يدير ترتيبات القرض، أصيب المشروع بالسكتة. فقد رفض المشير طنطاوى الفكرة. وكان طنطاوى فى ذلك الوقت يشغل منصب حاكم مصر. وخلال فترة توليه المسئولية حرص طنطاوى على توقيع أقل قدر من الالتزمات الدولية أو الاتفاقيات. وكاد المشير طنطاوى أن يرفض التوقيع على قرض ميسر من البنك الدولى لإنشاء محطة كهرباء، ولكنه وقع القرض بعدما أقنعته وزيرة التعاون الدولى السابقة فايزة أبوالنجا،. ولكن فايزة أقنعت المشير أيضا برفض قرض الصندوق. وكانت وجهة نظرها أن الشعب بعد ثورة 25 يناير لن يتقبل العودة لقروض وشروط الصندوق. وبالمثل فإن الوقت غير مناسب لفرض إجراءات تقشف أو رفع أسعار.

فى ذلك الوقت كان الرئيس السيسى عضوا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكن معروفا للعديد من المصريين. وكان رأى السيسى أن تأجيل الإصلاح يضاعف من تكلفته. وأنه من الأفضل أن نواجه أوضاعنا بما فى ذلك الاتفاق على قرض من الصندوق. وفيما بعد عندما تولى السيسى المسئولية. فقد اتخذ مبكرا إجراءات إصلاحية فى الدعم ورفع أسعار الخدمات إيمانا بنفس المنطق. منطق أن تأجيل الإصلاح يضاعف من تكلفته.

وبينما كانت قيمة القرض أيام طنطاوى 3.2 مليار دولار. فقد وصل القرض أو بالأحرى الأزمة إلى 12 مليار دولار.


3- أزمة الجنزورى

تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الحكومة مرتين مرة قبل ثورة 25 يناير، ومرة أخرى بعد الثورة. وقد شارك فى مفاوضات مصر مع الصندوق فى رئاسة الدكتور عاطف صدقى للحكومة قبل الثورة. وكان الجنزورى نائب رئيس الوزراء.

والدكتور كمال الجنزورى أستاذ تخطيط، وكانت له آراء تتناقض مع اللجوء لقرض الصندوق وشروطه. ولكن المنصب يحكم. وخلال المفاوضات صب الدكتور الجنزورى غضبه وشكوكه ليس على الصندوق، بل على مسئول مصرى. وهو الدكتور يوسف بطرس غالى أقوى وزراء المالية فيما بعد. وكان يوسف يشغل منصب مستشار اقتصادى لرئيس الحكومة، ومن صميم عمله مفاوضات قرض الصندوق. ولكن الجنزورى أصر على رفض حضور غالى اجتماع مجلس الوزراء للمفاوضات. وأصر على طرده بحجة أن الاجتماع يجب أن يضم الوزراء فقط. وعندما خرج غالى من الاجتماع. عاتب الدكتور عاطف صدقى الجنزورى على هذا التصرف. فرد الجنزورى قائلا (الواد ده هينقل كل اللى بيتقال لسميراميس) كانت بعثه الصندوق تقيم فى فندق سميراميس. وكان الدكتور غالى من خبراء صندوق النقد حيث عمل بالصندوق لسنوات.

المثير أن الكثيرين يعتقدون أن الدكتور الجنزورى ضد الخصخصة، ومع ذلك فإن أكبر عدد من الشركات العامة تم بيعها كان فى عهد حكومة الجنزورى قبل الثورة.

وقد صالح الدكتور صدقى غالى بعد هذه الواقعة بمنصب وزارى، وهو وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء.

وأما الدكتور الجنزورى فعندما عاد إلى رئاسة الحكومة بعد الثورة لم يتخذ موقفا عنيفا من فكرة اللجوء لصندوق النقد.


4- قرض بين الـ«العاطفين»

رئيس الحكومة الأسبق والراحل الدكتور عاطف صدقى كان أول رئيس حكومة يتعامل مع قروض الصندوق ومشروطيته. والدكتور صدقى رحمه الله كان رجلا يقدر الكفاءات ولم ينفرد بالقرار أو يستبعد صاحب رأى لمجرد مخالفته لهذا الرأى. وقد أفاد الدكتور صدقى فى تمرير إجراءات الصندوق سيطرة الحزب الوطنى الكاملة على البرلمان (مجلس الشعب فى ذلك الوقت)، فلم يكن صدقى يواجه ما ينتظر رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل من معارضة على القرض الجديد. وقد طالت إجراءات ومفاوضات الصندوق فى حكومة الدكتور عاطف صدقى. وتعددت الجولات والمفاوضات وطال أمدها. وطاردت الدكتور صدقى شائعة سياسية. وهذه الشائعة أن الرجل يتعمد إطالة الوقت فى مفاوضات الصندوق حتى يطيل عُمر حكومته. ويزيد من أيامه فى الحكومة. فقد كان من المنطقى أن يضحى مبارك بصدقى وحكومته بعد الانتهاء من قرض الصندوق، وبعد إجراءات التقشف والضرائب. وأن يحمل صدقى وزر هذه الإجراءات فيرحل بعد إتمام القرض. وهذا ما حدث بالفعل. فقد رحل صدقى وحكومته بعد إتمام القرض.

ولعل رئيس الحكومة الأسبق الدكتور عاطف عبيد أكثر رئيس حكومة كان متوافقا مع توجهات صندوق النقد. فعبيد هو أبوالخصخصة وهو الوزير الذى تولى أولى عمليات بيع شركات القطاع العام بثمن بخس. ولم يكن عبيد يحتاج إلى أن يفرض صندوق النقد على حكومته شروطا، لأن كل شروط الصندوق تتوافق تماما بل تتطابق مع توجهات عبيد الاقتصادية. والدكتور عبيد وجهت له أكبر عدد من الاستجوابات ضد الخصخصة فى مجلس الشعب. وحملت الاستجوابات اتهامات بإهدار المال العام وفساد فى عمليات الخصخصة. والدكتور عبيد صاحب قرار تعويم الجنيه خلال افتتاح مؤتمر اليورمنى. وعندما اتهمت المعارضة عبيد بأنه ينفذ تعليمات الصندوق ويضحى بالجنيه، قال وزير اقتصاد سابق عمل من عبيد ساخرا: «هو الدكتور عبيد محتاج تعليمات من الصندوق، دا هو الصندوق ذاته».. وهذه الدعابة السياسية تنطبق تماما على حكومة المهندس شريف إسماعيل فى علاقتها بصندوق النقد تماما. وربما تكون أفضل توصيف لتوجهات حكومة شريف إسماعيل الاقتصادية على الإطلاق.