عبدالرحمن سليم يكتب: «صلي على رسول الله.. أيوة بنشحت ونقول لله»

مقالات الرأي

بوابة الفجر


على مقعد مهتريء في «أوتوبيس» مكتوب على تذكرته «هيئة النقل العام» كنت أجلس، وبين حكايات الركاب التي لا تنتهي ووجوههم المحبطة، فضلتُ الانزواء واستدعاء ذلك المتفائل الذي حرصت دائمًا على إقصائه عن خيباتي، وبدأت أُفنِد معه أحوالي، امتعضت فاستوعبني، حزنتُ فأبهجني، ويئستُ فقادني.

وبينما نحن كذلك، صعد بائعان، الأول من باب الأوتوبيس الأمامي والثاني من الباب الخلفي، فما أن رأى الثاني الأول نزل على عَجَلٍ وبدون تفكير، استغربت ردة فعله، فهو لم يتجادل مع الأخر حول أيهما صعد أولا، وبرغم حاجته للمال التي اضطرته قطعًا إلى البيع في المواصلات العامة، وتحمل السخافات التي لن يقوى عقل على تخيلها، آثر النزول بنفس راضية، وترك السوق -الأوتوبيس- لزميله، وانطلق باحثًا عن آخر مستعينًا بحُسن ظنه في الله.

سريعًا بدأ البائع في عرض سلعته التي لم يتعد سعرها الـ«جنيهان» على الركاب، فقال: «يلا يا بيه.. يلا يا هانم، صلوا على رسول الله، لا بنشحت ولا بنقول لله»، زلزلتني الجملة، فبرغم بساطتها، تحمل كبرياءًا تخلى عنه كل صُنَّاع القرار في مصر حاليًا، كيف لهذا المُعدم التمتع بهذا القدر من عزة النفس؟، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، و و و و و و و.. ربما لم يشغله كل ذلك بقدر ما شغلته فكرة «الشحاتة»، فقرر بيع أي شيء يضمن له حياة مع إيقاف التنفيذ على بيع «حياء وشه».

أما الحكومة المصرية، فتظن أن «الشحاتة» أجدى وأسهل، لذلك باعت «حياء وشها» لكل دول الخليج العربي، فلم يكفها، فذهبت لروسيا، ولم يكفها ذلك أيضًا، فذهبت لصندوق النقض الدولي، ولن يكفها ذلك أيضًا، وبعيدًا عن أخطار تلك الاقتراضات غير المفهومة، فلقد أثبتت لنا الحكومة المصرية بالدليل القاطع أننا جميعًا «شحاتون».

وأثبتت كذلك أن العالم الذي يتآمر علينا ويحيك لنا المكائد ويستعد لإبادتنا بحروب الجيل الرابع والخامس والـ٩٩، ها هو يساعدنا وفق شروطه، التي ستضمن بما لا يدع مجالا للشك «خراب مصر المستعجل»، ولكن قبل أن تتهموا العالم بخرابها كونوا رجالا ولو مرة واحدة، ثم اعترفوا بأنكم من «خربتوها»، عسى يكون اعترافكم هذا تكفيرًا عن غبائكم غير المقصود «أحيانًا».

مع بداية تصدر الرئيس السيسي للمشهد السياسي المصري، اعترانا جميعًا التفاؤل، فكلماته كانت دائمًا إيجابية في مرحلة ما قبل ترشحه لرئاسة الجمهورية، وحتى مع بدايات فترته الرئاسية الأولى برزت تصريحاته الإيجابية وتجلت في تصريحه الشهير «مش هناكل ولا هنشرب.. المهم مصر تبقى كده»، الغريب فيما أثبتته الأيام، أن نصف التصريح تحقق، فالعديد من المصريين الآن «بيقضوا عشاهم نوم» فعلا، لكن مصر حتى الآن «مش كده».

قال الرئيس السيسي ذات مرة: «اللي مش هايشتغل مالوش مكان في مصر»، الغريب أيضًا أن الحكومة كلها لا تعمل، ووجودهم صورى، فلا تعليم، ولا صحة، ولا تموين، ولا بحث علمي، ولا أي شيئ آخر، وهذا ما اضطر الرئيس ليقول ذات مرة إن مصر شبه دولة، يبدو أن هناك طرف قد خذل الطرف الآخر، إما المصريين خذلوا الرئيس أو أن الرئيس خذلهم.. سيفصل التاريخ بلا رحمة في الأمر.