حسين معوض يكتب: التصور الشعبى للقرارات الصعبة التى وعدنا بها الرئيس

مقالات الرأي



■ فى دولة الأسعار «المجنونة» الصنعة شطارة.. والورشة أهم من الشقة

■ الخوف من حكومة فاشلة أو فاسدة أو أيديها مرتعشة

■ بصراحة.. لا نتوقع «العدالة».. المعركة فى أرض الفقراء.. والحكومة تدير ولا تتضرر


دعكم من الدين المحلى وعجز الموازنة وتراجع احتياطى النقد الأجنبى وفاتورة فوائد القروض الداخلية والخارجية.. لا تشغلوا أنفسكم كثيرا بتفاصيل متاحة وشبعنا من المناحة عليها.. ادعوكم أن تشغلوا أنفسكم بالمستقبل القريب جدا الذى تبدو ملامحه من بعيد مرعبة، مستقبل قريب جدا فيه تذكرة المترو بـ 10 جنيهات، ورغيف العيش بـ 50 قرشا..

هل هى فعلا مرعبة أم من الممكن أن تتحول إلى فرصة كبيرة لتعديل مجتمع كل حساباته معوجة؟.. أنا أصر أنها فرصة والرهان فيها على الناس والخوف الاكبر أن تضيع الفرصة على يد حكومة فاشلة أو فاسدة أو مرتعشة.. أو قد يتراجع الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى وعد بقرارات قاسية تحت ضغط مجتمع الصفوة الذى يخاف دائما من المستقبل.


رحلة إلى اليوم الصعب

تحدث الرئيس عن تذكرة المترو ورغيف العيش.. قال إن تكلفة التذكرة عشرة جنيهات.. ونقول إن رغيف العيش الشعبى سيباع بـ 50 قرشا.

بالطبع وقتها البنزين يجب أن يتم تحريره تماما ليصبح اللتر بـ 6 جنيهات.. فلا يعقل أن يرفع الدعم عن المترو ويظل راكب الملاكى مدعوما.. ماذا عن باقى المواصلات العامة؟.. وماذا أيضا عن سعر الساندوتش الملفوف فى رغيف غالى؟

لقد تعهد الرئيس بمزيد من الدعم فى ملف الاسكان.. إذن الارتفاع المنتظر فى أسعار الإسكان الحر والاراضى متروك فقط لعوامل التضخم التقليدية والمنتظرة.

خريطة السلع داخل السوبر ماركت سوف تتغير.. للأسعار أحكامها.. عموما لا توجد سلعة داخل السوبر ماركت مدعومة.. الدعم يحصل عليه المستحقون الآن مبالغ مقطوعة يشترون بها ما يشاءون من السلع.. بالطبع قيمة الدعم يجب أن تتحرك مع حركة الأسعار.

ماذا أيضا.. الخضروات والفاكهة سوف ترتفع أسعارهما، سوف يصبح طبق الفاكهة عزيزا.. واجبارى سوف نحسبها ألف مرة قبل التورط فى شراء كيلو بصل بالكامل.

ما أهمية كل تلك الحسابات.. ارتفاع الأسعار أو ثباتها أو حتى انخفاضها لا يفرق شيئاً مع شخص لا يعمل ولا يتقاضى أجراً اصلا..

إذن العمل سوف يكون اجباريا، ولو حتى النبش فى اكوام الزبالة إن وجدت.

الاهم أن تكلفة العمل ايضا سوف ترتفع، الحصول على خدمات السباك أو الكهربائى أو الميكانيكى أو النقاش سوف تكون بسعرها، ربما يغرى ذلك المزيد من الشباب فى العمل فى تلك المهن وتنظيمها، فالحصول على صنايعى جيد اصبحت مهمة شاقة فى ايامنا هذه، قد تنتج الازمة صنايعية مهرة، قد يستعيدون مجدهم.

أنت فى أيام الازمة لن تستطيع شراء لعبة اطفال لابنك ولو كانت مستوردة من الصين.. أصبحت العملة الصينية أيضا غالية، هتشترى المصرى وان كان اقل جودة.

ليست لعب الاطفال وحدها.. المسامير وادوات المطبخ والزينة وغيرها سوف تبحث عنها بالمصرى، بالطبع الظروف القهرية قد تدفع بعض المنتجين إلى التغاضى عن الجودة ورفع الأسعار وقد يصلون إلى مستوى الغش الذى يفقدنا المزيد من الثقة فى «المصرى».

حتى الحصول على فرصة لإرضاء ربك سوف تكون بثمنها.. انت مجبر أن ترضى الله فى عملك أو صنعتك اولا و«تيجى على صحتك» حتى تحصل على كمية كبيرة من الاموال سوف تصبح ضرورية لو اردت الحج أو العمرة.

المهم هل سوف تكون هناك فرصة للعمل وكسب الرزق مهما كانت المهنة قاسية؟.. طبعا .. أى شىء مصنع مهما كان بسيطاً سوف يصبح سعره بـ «الشىء الفلانى» هتبيع غالى زى ما هتشترى غالى.

وأى خدمة مهما كانت بسيطة سوف تكون بثمنها أيضا.. الأزمة هنا أن الخدمات لا يمكن دعمها من الحكومة أو من الموازنة.. لن تدفع الحكومة للسباك فرق تكلفة العمل فى بيت الفقير عنها فى بيت الغنى.

لكن نراهن على قدرة المصريين على التحايل وخلق صنايعية جدد فى الشوارع والحارات يعملون بأجر يتوافق مع مستويات دخل الحارة.. وذلك ليس من باب المسئولية الاجتماعية للسباك ولكن من باب «بيع رخيص تبيع كتير تكسب اكتر» ولدى الحارات والشوارع نظريات اخرى سوف تتحايل بها على كل الاوضاع.

أنا شخصيا لا أخاف من قدرة المصريين من التعامل مع القرارات الصعبة التى وعدنا بها الرئيس.. أخاف من قدرة الحكومة على التعامل معها!.

نعم الحكومة تخوف.. يجب أن يجد البسطاء والباحثون عن فرصة مكاناً يتعلمون فيه حرفة أو صنعة، مدرسة السباكة افضل عند الناس من المدرسة الثانوية.

من حق البسطاء أن يتمكنوا من دخول سوق المشروعات «يحصل على تصريح وتدريب وتمويل وتسويق» حتى لا نبنى مصانع جديدة فى دولة «بير السلم»، وهى مصانع إنتاجها أوفر وأجود من مصانع المناطق الصناعية للاسف.

من حق الناس أن يجدوا وسائل مواصلات عامة آدمية بسعر معقول.. بنزينها مدعم وسياراتها جديدة وعددها كبير يكفى الراكبين.

من حق كل حامل بطاقة تموين مثلا أن يحصل على الخدمات الحكومية بنصف الثمن، الدولة تعامله كفقير وتدعمه فيجب ألا تتخلى عنه فى المترو والاتوبيس والقطار وحتى طائرات النقل الداخلى.

من حق الناس أن نمنحها فرصة للتوقف عن بناء العشش.. يجب أن نعطيهم الارض بالمجان فى مناطق مرفقة تصل إليها أسباب الحياة من وسائل انتقال وخدمات «صحة وتعليم».. امنحوهم هذا ودعوهم ينشأون مجتمعاتهم على الطريقة التى تليق بهم وترضيهم وتربطهم بالارض الجديدة.

من حق الناس أن يجدوا بجوار بيوتهم فرصة لانشاء ورشة، ورشتهم فرصتنا.. دعوهم ينشئونها بالاخطار لن نخسر من انشاء الورش.

بالطبع لا نتحدث عن العدالة الاجتماعية، لا وجود للعدالة فى ساحة الحرب، القذيفة قد تسقط على رؤوس الجنود الاقرب دائما لصفوف القتال الامامية.. مثلا لن يضار سمسار البورصة لو دفع 20 جنيها ثمنا لتذكرة المترو.. السمسار لن يركب المترو أصلا، لديه سيارته الفارهة.. رجل الاعمال لن يقف فى طابور العيش ولن يبحث عن فرصة لبناء بيت صغير أو إنشاء ورشة أو شراء كيلو سكر.

تلك هى حرب الفقراء، تديرها الحكومة، فاحسنوا أو ارحلوا.