عادل حمودة يكتب: العالم لا يشفق على المذبوحين والتاريخ لا تصنعه سوى الأحذية الثقيلة

مقالات الرأي



■ مستثمرو شرم الشيخ ينتقلون من البكاء إلى القضاء ويطالبون وكالات السياحة البريطانية بمليار دولار تعويضا عن خسائر منع السياح دون مبرر

■ مقال الإيكونوميست تحت عنوان «خراب مصر» نوع من الضغوط علينا لنقبل بروشتة الإصلاح التى يطالبنا بها صندوق النقد الدولى

■ على مكاتبنا الإعلامية تغيير سياستها من ترجمة الصحف إلى ممارسة اللوبى وإلا وظفنا بميزانيتها شركات علاقات عامة محترفة

■ القضية يجب أن تتكرر فى ألمانيا وإيطاليا وسويسرا والقانون فى صفنا


1- لم تجد مجلة «الإيكونوميست» سوى صورة «الجمل والأهرام» لتضعها على غلاف عددها الذى حمل عنوان «خراب مصر».

المجلة التى صدرت منذ 173 سنة وتوزع نحو المليون وثلث المليون نسخة أسبوعية اشتهرت بالكتابة الصحفية الرزينة والدقيقة والمدعومة بالأرقام.. لكنها.. فيما نشرت عن مصر فقدت بعضا من هذه الصفات.. وقلدت صحافة «التابلويد» التى تحرر بأسلوب الفضائح المثيرة جنسيا وسياسيا.. ولا يهمها ثقة القارئ فيما تنشر.. فغالبا ما يقتصر تعاملها معه على وجوده فى الحمام.

وقد استفزنا ما قرأنا.. وغضبنا منه.. وصرخنا فى وجهه.. لكننا.. لم نسأل: ما الذى دفع مجلة تفخر بأن غالبية قرائها من المثقفين والسياسيين والحكام وصانعى القرار للخروج عن طبيعتها المحافظة بغض النظر عن حقيقة ما كتبت.. صدقا.. أو وهما ؟

لن أتورط فى مناقشة ما نشر.. سبقنى غيرى إلى الحلبة.. لكنه.. كان يلاكم نفسه.. ويصارع نفسه.. ويكلم نفسه.. فالخصم لم يكن حاضرا فى صحف وفضائيات القاهرة وقت المباراة.

وإن كنت أعتقد أن الإيكونوميست بكلمات «الخراب» و«الإفلاس» و«الانهيار» المخيفة مارست ضغطا نفسيا وسياسيا شرسا على مصر لتقبل بروشتة الإصلاح الاقتصادى المفروضة من صندوق النقد الدولى بعد أن أصبحت مجبرة عليها.

بل.. ربما كانت قرارات منع السياحة وتراجع المساعدات والتحويلات الخارجية قصد بها أن نصل إلى الحافة فلا نجد مفرا من تناول الدواء المر.. وهو ما يفسر عودة طائرات «شارتر» التى تنقل سياحا من أوكرانيا وبولندا وتستعد لنقل سياح من ألمانيا «وربما بريطانيا» الشهر القادم بمجرد أن تأكدوا من نية مصر فى التوقيع مع صندوق النقد.. أول الغيث قطرات.

2- لكن.. ذلك لا يبرر صمت الحكومة إزاء ما نشر.. وكأنها تعترف بما كتب.. وكنت أتوقع أن يشكل رئيسها شريف إسماعيل لجنة متخصصة لتوضيح الحقيقة سلبا وإيجابا.. على أن ترفع تقريرها إلى وزير الخارجية «سامح شكرى» ليرسله إلى سفيره فى لندن «ناصر كامل» ليذهب به إلى هيئة تحرير الإيكونوميست ويناقشها فيه مطالبا بحق الرد والتوضيح.

وربما.. كنت أتوقع أن يقوم السفير بنفسه دون تعليمات من القاهرة بتلك المهمة.. خاصة أنه كان مسئولا سابقا عن هيئة الاستعلامات.. والمفروض أنه يجيد التعامل مع المؤسسات الإعلامية الأجنبية.. ويشتهر بأنه يتكلم أكثر مما يستمع.. لكنى.. لا أتصور أنه فكر فى ذلك.. بل.. ربما كان مثله مثل غالبية سفرائنا يقضون إجازة الصيف فى قرية الدبلوماسيين على الساحل الشمالى «خاصة أن ميزانيات البعثات الدبلوماسية لم تحول منذ شهرين بسبب أزمة الدولار» وقد التقيت ببعضهم هناك.

وهنا.. يجب فتح ملف المكاتب الإعلامية فى الخارج.. لتحديث وتطوير وتغيير دورها.

لقد كانت المهمة الرئيسية لتلك المكاتب ترجمة ما ينشر عن مصر فى صحف البلاد التى تخدم فيها.. وكانت تقاريرها تصل إلى كبار المسئولين تحت عبارة «سرى جدا».. ولا يطلع عليها غيرهم.. وكان المبرر أن النسخ الورقية لتلك الصحف كانت تحتاج لوقت طويل لتصل إلى مصر.. ولابد من ترجمتها كل صباح أولاً بأول لتعرف الدولة فى الوقت المناسب ما يكتب عنها.. لكن.. بعد سيادة شبكات الإنترنت أصبحت تلك الصحف بمواقعها الإلكترونية تصل إلينا قبل أن يستيقظ مسئولو المكاتب الإعلامية الخارجية من نومهم.. مما يسهل ترجمتها فى القاهرة وتوصيلها إلى كبار المسئولين قبل أن يستيقظوا هم أيضا من نومهم.

على أن وصول الصحف الأجنبية لمصر إلكترونيا وقت نشرها لم يغير وظيفة المكاتب الخارجية فقد ظلت تقوم بترجمة الصحف.. دون مهمة أخرى سواها فى الغالب.. وكل ما حدث أنها أصبحت ترسل تقاريرها الصحفية عبر الإنترنت بعد أن كانت ترسلها فى الحقائب الدبلوماسية.. وربما لو ترجمنا تلك الصحف فى القاهرة بواسطة محترفين لوصلت أسرع وأرخص من ترجمتها فى الخارج.

ويصعب تحمل تكاليف المكاتب الإعلامية ــ بملحقيها وموظفيها ومترجميها وفراشيها ــ لو كان من الممكن القيام بعملها دون تغيير من القاهرة.. خاصة أن تلك المكاتب تقع فى أحياء راقية عالية الإيجار ولها تكاليف أخرى فى الصيانة والأجهزة والأدوات المكتبية.. بجانب السيارات وصيانتها وتذاكر سفر الذهاب والعودة والإجازات السنوية.. وفواتير الحفلات ودعوات الطعام التى غالبا ما تقتصر على وفود مصرية مجاملة لها.

وهناك بالقطع مستشارون إعلاميون يتمتعون بكفاءة عالية.. لكن.. هناك غيرهم مجرد موظفين جاء عليهم الدور للسفر.. حسب قواعد الرسوب البيروقراطى.

لابد من تغيير وظيفة تلك المكاتب من الترجمة الفورية إلى صناعة اللوبى بخبرات فى التواصل المباشر وعبر شبكات التواصل الاجتماعى ودعوات الطعام ورسائل الاحتجاج وممارسة حقوق الرد لنوظف ما ينفق هدرا من أموال صعبة فيما نحتاج أكثر.. خاصة أن صورتنا فى الخارج ليست مناسبة.. أو طيبة.. وغيابنا عن الساحة هناك ــ رغم ما نتعرض له فيها ــ جعل خصومنا يفرضون وجهات نظرهم.. وجعل أصدقاءنا لا يصدقون سواهم.

ولو لم تكن المكاتب الإعلامية مؤهلة للمهام الجديدة فعلينا أن نوظف بما ننفقه عليها شركات علاقات عامة متخصصة فى تحسين الصورة سياسيا وسياحيا دون أن ننسى مراجعة أخطائنا فى الداخل حتى لا نجبر على ذلك بضغوط لا نتحملها.

3- وأسوأ ما فى المشهد تحملنا لكل الضربات واللكمات.. ونهش لحمنا نيئا أو مشويا أو مسلوقا.. والتشهير بسمعتنا بكل اللغات.. وتهديد أرزاقنا بما يبشر بخرابنا.. كل ذلك يحدث ونحن صامتون.. متحملون.. فهل ننتظر القضاء علينا ذات مرة بالضربة القاضية؟

إننى لا أطالب بالرد ولا بالصد وإنما أطالب بالهجوم الذى يوصف بخبرة الجنرال نابليون بأنه أفضل وسيلة للدفاع.. وأسرع وسيلة لوضع الخصم عند حده.

إننى متحمس للقضية التى يفكر 20 مستثمرا فى شرم الشيخ فى رفعها ضد الذين أضروا بهم بمنع السياح عنهم دون مبرر.

إن المنشأة السياحية تتعاقد مع وكالات فى الخارج على عدد معين من الغرف الفندقية بسعر أقل بكثير مما تبيعها للأفراد.. وحسب العدد المتفق عليه تنفق استثمارات.. وتوظف عمالة.. وتجدد مبانى.. وتعد برامج.. وتخزن أطعمة ومشروبات.. ولكن.. فجأة.. تجد قرارًا بالإلغاء.. تتلقاه فى صمت وصبر ــ وكأنه نوع من القضاء والقدر ــ تقبله مستسلمة دون اعتراض أو مقاومة.

لقد تقبلنا تصرف بريطانيا بإجلاء سياحها عن شرم الشيخ دون تهديد لهم.. ودون مبرر منها.. وتبعتها ألمانيا وإيطاليا وسويسرا واليابان.. نوعا من العدوى.. وخسرنا ما لا يقل عن 15 مليار دولار.. وكأن التحكم فى اللعبة من طرف واحد.

القضية سترفع فى لندن ضد وكالات السياحة التى أخلت بتعاقداتها معنا طلبا لتعويض عن الأضرار التى لحقت بنا.. ولو نجحنا فى الوصول إلى مكتب محاماة محترف فإننا سنخرج من المحكمة فائزين.. ولو كانت وكالات السياحة البريطانية ستشعر بالضرر فإن عليها مقاضاة حكوماتها التى اتخذت القرار.

لم تخل المنشآت المصرية بتعاقداتها مع الوكالات البريطانية، ومن ثم فإن فرصة حصولها على تعويض مناسب لا يجوز التقليل من فرصها.

ولا يصلح التحجج بشرط الضرورة المباغتة فى عدم تنفيذ التعاقدات، فالسياح البريطانيون لم يتعرضوا إلى أذى بل إنهم خرجوا من شرم الشيخ خلال ساعات فى أمان دون خدش وثبت كذب الخرافة التى روجتها صحف التابلويد عن الطيار البارع الذى تفادى صاروخا وجده فجأة أمامه.

ولو خسرنا القضية فإننا سنخرج بدعاية قوية، تؤكد أن لحمنا مر.. يصعب التهامه.. بما يجعلهم يحسبون حسابنا قبل اتخاذ قرارات تمسنا فيما بعد.

ويمكن أن تتكرر القضية فى عواصم أوروبية أخرى ليتضاعف شعور الغرب بأننا لسنا ضعفاء يمكن دهسنا دون فدية.

بل.. إننى أدعو وزارة الآثار المصرية لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة الألمانية لمشاركتها فى الأرباح الطائلة التى جنتها من وجود رأس نفرتيتى فى أحد متاحفها على أن نقتسم ما يأتى من ورائها فيما بعد.

وربما نكرر القضية ذاتها ضد المتحف البريطانى ومتحف اللوفر ومتحف فيينا.. غير مقبول أن يجنوا مئات الملايين من الدولارات ونحن ننتظر معونة من دولهم.. والأهم.. أن يشعر العالم بأننا لا نفرط فى حقوقنا.

إن العالم لا يشفق على المذبوحين والمسحوقين والمعذبين وإنما يحترم الأقوياء.. تلك كلمات مسجلة بخط يد رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن وهو يخطط ــ بجانب غيره ــ للاستيلاء على فلسطين دون سند من الشرعية سوى القوة منفذا مبدأ «التاريخ تصنعه الأحذية الثقيلة» وليست أحذية راقصات الباليه.

وبجانب تلك القضايا علينا أن نضغط على روسيا بمصالحها لدينا «محطات نووية وصفقات تسليح وتصدير غاز طبيعى ومواد بترولية» بعشرات المليارات من الدولارات لإعادة سياحها إلينا بعد أن ندفع التعويضات التى ترضى ضحايا الطائرة التى انفجرت فى شمال سيناء، كما حدث مع تركيا التى أسقطت طائرة عسكرية روسية عمدا.

لقد عامل نظام ما بعد ثورة يونيو واشنطن باستقلال وتحرر من التبعية لم يكن متوقعا ولم تملك الولايات المتحدة سوى القبول بما فرضنا مدركة أن مصلحتها فوق مبادئها.. ولم توقف المعونة العسكرية.. ولم توقف الزيارات السياسية والدبلوماسية وتعايشت مجبرة على ما نريد.

فلم لا نجرب ما نجحنا فيه مرة أخرى؟

جربوا.