الكشف عن وثائق سرية بشأن أكبر صفقة أسلحة بين السعودية وبريطانيا

عربي ودولي

تاتشر - أرشيفية
تاتشر - أرشيفية


كشفت وثائق رسمية، نُشرت مؤخرا في بريطانيا، أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت ثاتشر، أجرت محادثات سرية مع حُكّام السعودية في عام 1985 بشأن أكبر صفقة أسلحة للمملكة المتحدة.

 

والتقت رئيسة الوزراء الملك فهد بن عبد العزيز، عاهل السعودية في ذلك الوقت، قبل خمسة أشهر من إبرام صفقة اليمامة التي قُدّرت بقيمة 40 مليار جنيه استرليني لبيع طائرات من طراز تورنادو وطرازات أخرى.

 

وآنذاك، قال مسؤولون إن الاجتماع ركّز على قضية السلام في الشرق الأوسط.

غير أن مستندات خاصة بوزارة الخارجية البريطانية أشارت إلى أن الزيارة كانت تهدف فعليا إلى "دفع" السعوديين لإبرام عقود التسليح.

وبعد نزع صفة السرية عنها حديثا، تُظهر الوثائق التي تعود إلى فترة منتصف ثمانينيات القرن الماضي الجهود الحثيثة التي كانت تبذلها حكومة ثاتشر لبيع طائرات تورنادو وطائرات من طرازات أخرى للسعودية.

وبلغت قيمة صفقة اليمامة للأسلحة، التي جرى الاتفاق عليها في سبتمبر/ أيلول 1985، نحو 40 مليار جنيه استرليني لصالح شركة "بي ايه إي سيستمز" لصناعة الأسلحة وشركائها، وهو ما ضمن الحفاظ على آلاف الوظائف.

 

 

لكن الصفقة شابتها مزاعم بشأن مدفوعات غير مشروعة لأفراد بالأسرة الحاكمة السعودية.

ولعبت السرية دائما دورا كبيرا في بيع الأسلحة. وتضمنت الوثائق، التي تعود إلى عام 1985 وأتاحتها مؤخرا هيئة الوثائق الوطنية البريطانية، مراسلات بين موظفين كبار في الحكومة ووزارة الدفاع في بريطانيا. واحتوت المراسلات تشديد بشأن السرية فيما كانت بريطانيا تضغط على السعوديين في سبيل اختيار طائرات التورنادو المقاتلة وسط منافسة حادة، خاصة مع فرنسا.

ووسط المراسلات برزت زيارة حاسمة قامت بها ثاتشر للملك فهد يوم 14 أبريل/ نيسان في العاصمة السعودية الرياض، توسّط فيها الأمير بندر بن سلطان آل سعود، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة آنذاك.

 

ويحتوي أحد الملفات المفرج عنها على خطاب من تشارلز بويل، السكرتير الخاص ومستشار الشؤون الخارجية لمارغريت ثاتشر، مُرسل إلى وزارة الخارجية البريطانية في الأول من أبريل/ نيسان وبه علامة "سري".

 

وكتب بويل "لا ينبغي أن نضيف أي شخص إلى مجموعة رئيسة الوزراء التي ستزور الرياض. إضافة شخص ما من مبيعات وزارة الدفاع سيؤدي فقط إلى لفت الأنظار لموضوع طائرات تورنادور (في ضوء وجود 25 صحفيا على متن الطائرة)".

 

وجاء في نهاية الخطاب "نسخت هذا الخطاب إلى ريتشارد موترام (بوزارة الدفاع البريطانية). وصنف الخطاب سري بسبب موضوع طائرات تورنادو".

 

 

ورد موترام، الذي كان السكرتير الخاص لوزير الدفاع البريطاني آنذاك مايكل هيسلتين، قائلا "يبدو من غير المرجح أن الأمير بندر سيسعى لترتيب مثل هذا الاجتماع إلا إذا تمخض عن أمر إيجابي.. وإلا فإنه يتخذ مقامرة واضحة بإحراج رئيسة الوزراء والملك فهد".

 

وقد تم الترويج للمرور بالرياض للقاء الملك الفهد، بعد اختتام زيارة رسمية لجنوب شرق آسيا، على أنه فرصة لمناقشة التطورات الأخيرة في الجهود لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

 

غير أن وثيقة من وزارة الخارجية البريطانية إلى الحكومة أكدت الأولوية الحقيقة للزيارة.

وجاء في الوثيقة "حتى الآن لدينا فقط كلمة الأمير بندر التي تشير إلى أن الملك قرر شراء (طائرات من طراز) تورنادو".

وأضافت "نحتاج إلى أن يكون ذلك أكثر دقة وأكثر صراحة. التعامل مع الملك شخصيا هو السبيل الوحيد ربما لدفع السعوديين (على إبرام الصفقة)".

ويبدو أن اللقاء بين الملك ورئيسة الوزراء كان ناجحا.

 

 

 

أفرج عن الوثائق بموجب سياسة بريطانيا لنزع صفة السرية عنها وإعلانها

ولا تذكر السجلات الرسمية أي شيء عن المقاتلات من طراز تورنادو أو أي صفقة سلاح، لكن في خطاب شكر في اليوم التالي كتبت ثاتشر "أنا سعيدة بأننا استطعنا مناقشة أمر إضافي على نحو خاص على مأدبة الغداء".

وأضافت "اتطلع لاستقبال مبعوث جلالتكم الشخصي قريبا حتى نستطع إنهاء الأمر بنجاح".

وبعد خمسة أشهر، في سبتمبر/ أيلول 1985، وقع وزيرا الدفاع البريطاني والسعودي مذكرة تفاهم في لندن لشراء 72 طائرة تورنادو، و30 طائرة تدريب من طراز هوك، ومجموعة كاملة من الأسلحة وأجهزة الرادار وقطع الغيار، بالإضافة إلى برنامج تدريب للطيارين.

وظلت اتفاقية اليمامة مثيرة للجدل على مدار أكثر من 30 عاما.

ونفت شركة "بي ايه إي سيستمز" اقتراف أي خطأ يتعلق بالصفقة. وفي عام 2006، أوقفت حكومة رئيس الوزراء توني بلير تحقيقات بشأن الفساد كان يجريها مكتب التحقيق في الاحتيالات الخطيرة بحجة أن الاستمرار سيؤدي إلى إلحاق "ضرر جسيم" بالعلاقات البريطانية السعودية.

وقال المدعي العام البريطاني في ذلك الوقت، غولد سميث، إن القرار اتخذ "لما فيه من مصلحة عامة" التي كان من الضروري "أخذها بالاعتبار أمام سيادة القانون".