عبد الحفيظ سعد يكتب: قصة حلم المسيحيين الضائع منذ 160 عامًا

مقالات الرأي



■ الكنيسة حصلت على وعد من الرئيس بإقرار القانون لكن أصحاب مصالح يضعون مواد فى القانون تغضب الكنيسة

مجموعة من المسيحيين، تشرع فى بناء أو ترميم كنيسة، تعترض مجموعة أخرى من المسلمين المتعصبين، تهاجم المجموعة الأخيرة، الأولى، يتحول المشهد إلى عراك طائفى، أحيانا يسقط فيه ضحايا ما بين مصابين وقتلى، وتحرق فيه ممتلكات وتنتهك فيه الكرامة.. والأخطر أنه يتحول لضغينة بين جيران وأبناء قرية أو حى واحد، ويتصاعد الموضوع ويتحول لأزمة دينية واضطهاد.

هذا ملخص لمشهد يتكرر على مدار عقود من الزمن، يحكى عن قصة مملة وقميئة، لا يقبل من يحب هذا الوطن أن يسمعها أو يراها.. ورغم ذلك، لا يريد أحد أن يضع نهاية لهذا الجرح.. الذى ظل متوارثاً جيلاً وراء جيل، لا نتفاجأ عندما نعرف أن تاريخها يعود إلى 160 سنة.

فقصة بناء الكنائس فى مصر قديمة تتجدد كل فترة، وتعد السبب فى نصف الحوادث الطائفية التى تقع بين المسلمين والمسيحيين، فى ظل فراغ تشريعى، يضع أسس منظمة وقواعد محددة، لبناء الكنائس أو ترميمها بعد أن ظل يحكمها قانون عاش طويلاً ويعرف باسم «الخط الهمايونى» الصادر فى 1856 من الخليفة العثمانى والذى اشترط أن بناء الكنائس للطوائف الدينية لغير المسلمين فى البلاد تحت الحكم العثمانى بموافقة الباب العالى ( الخليفة العثمانى) على ذلك.

لكن مع وضع مصر دستورها الأول فى عام 1922، كانت هناك مطالب بوضع أسس لبناء الكنائس ودور العبادة لغير المسلمين، وبالفعل صدرت لائحة من قبل مجلس النواب فى عام 1934، والتى تعرف بـ«شروط العزبى» نسبة إلى العزبى باشا وزير الداخلية فى هذا الوقت، والتى حدد الأسس والشروط لبناء وترميم الكنائس، بعد أن ظل المبدأ الذى وضعه «الخط الهمايونى» والخاص بموافقة الخليفة العثمانى، وبعده الملك أو الرئيس كشرط لبناء كنيسة جديدة أو فى ترميمها.

وظلت قواعد «الخط الهمايونى» و«شروط العزبى» هى المنظمة لمسألة بناء وترميم الكنائس حتى عام 2005، عندما أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، قراراً بتفويض المحافظ فى كل إقليم، بأن يصدر تراخيص بناء وترميم الكنائس، وكان هذا القرار بمثابة تحريك الصخرة فى الملف المتغافل عنه فى مسألة بناء الكنائس، على أن يكون البداية لوضع قانون جديد ينظم عملية بناء الكنائس ودور العبادة، خاصة أنه بعد إصدار القرار، لم تختف الأزمات الطائفية بسبب بناء الكنائس وترميمها خاصة فى القرى والأرياف.

بعد أن ارتبطت الظاهرة بعملية مد دينى متعصب فى الشارع الذى كان متروكًا للتنظيمات المتعصبة سواء الإخوان والسلفيين، فى تأجيج الفتنة الطائفية، والتسبب فى مشاكل عند شروع المسيحيين فى بناء كنيسة أو ترميمها.

واستمرت أزمة بناء الكنائس حتى مع ثورة 25 يناير، بل أن الظاهرة ازدادت، وكانت السبب فى ثلث الحوادث الطائفية بين المسلمين والأقباط، وهو ما تشير إليه دراسة بعنوان « دور الجلسات العرفية فى النزاعات الطائفية ومسئولية الدولة» والتى أعدها الباحث إسحق إبراهيم، مسئول برنامج حرية الدين والمعتقد فى «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية».

ورغم أن الدراسة كانت تتحدث عن اللجوء للجلسات العرفية لحل الأزمات الطائفية، إلا أن الدراسة رصدت بشكل موضوعى أسباب النزاعات الطائفية والتى ينتج عنها اشتباكات عنيفة وقعت على مدار 5 سنوات فى الفترة من 2011- 2015.

وكان أبرز النتائج التى توصلت لها الدراسة، أن ثلث الحوادث الطائفية نتيجة، اعتراضات من مسلمين على بناء الكنائس أو ترميمها، بينما كان الثلث الآخر للحوادث الطائفية، هو المشاكل المثارة بشأن العلاقات العاطفية بين شاب مسلم وفتاة مسيحية أو العكس، وتوزعت الأسباب الأخرى للخلافات الطائفية أما لخلافات ونزاعات تجارية على عقارات ومبان، مثل التى تحدث بين مسلمين ومسلمين أو مسيحيين ومسيحيين، وكانت هناك أسباب أخرى للاحتقان الطائفى، تتعلق بالتعبير عن الرأى فى المسائل الدينية، وهى فى الغالب نتيجة التعصب الدينى.

لكن ظلت أزمات بناء الكنائس الأكثر وضوحاً واستمراراً فى التسبب فى الحوادث الطائفية، لارتباطاتها بحرية ممارسة الشعائر الدينية، وهو المبدأ الذى نصت عليه الدساتير، كما أنه يتسق أيضا مع القانون، ولعل الحكم الصادر من محكمة القضاء من صدور حكم القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 7635 لسنة 60 ق بتاريخ 26 فبراير 2013، بشأن هدم وإعادة بناء الكنائس، أكد فيه أن «ترميم وإعادة بناء الكنائس لا يحتاج إلى موافقة خاصة، وإنما يكفى موافقة الجهات المسئولة عن أعمال البناء والإنشاء بالإدارة الهندسية بالمحافظات، وأنه لا وجه قانونيّا للحصول على موافقة أخرى من محافظ الإقليم».

ومع ثورة 30 يونيو والأحداث التى تبعتها، من قيام الإخوان وعناصر متطرفة بالاعتداء على عدد من الكنائس، خاصة بعد أحداث فض اعتصام رابعة، وهو ما دعا القوات المسلحة أن تتكفل فى ذلك الوقت بالعمل على إعادة ترميم وبناء الكنائس التى تضررت من عمليات العنف التى قام بها الإخوان.

وحوادث الاعتداء على الكنائس من قبل الإخوان عقب 30 يونيو، وموقف الكنيسة الوطنى بعدم إثارة الموضوع، باعتبار أن ما حدث تعرض له المسلمون أيضا من المختلفين مع الإخوان، دفعت إلى اتخاذ خطوة جريئة عند وضع مواد دستور 2014، عندما ألزم مجلس النواب بأن يقرر قانونًا لبناء الكنائس عند أول دورة انعقاده له (الدورة الحالية التى تنتهى فى أول سبتمبر المقبل).

وزاد من أهمية وضرورة، إقرار قانون خاص ينظم بناء الكنائس، عودة الحوادث الطائفية التى شهدتها محافظة الصعيد خاصة المنيا وبنى سويف خلال الفترة الماضية، وكان السبب الرئيسى وراءها هى المشهد المتكرر، باعتراضات من مسلمين متعصبين على بناء كنيسة أو تجديدها، مما يؤدى لحدوث عنف، وأمام زيادة الحوادث على هذه الشاكلة، وتصاعد الغضب القبطى، حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على لقاء البابا تواضروس وقيادات الكنيسة فى نهاية يوليو الماضى، وأثناء هذا اللقاء وعد الرئيس البابا بسرعة، إصدار قانون تنظيم بناء الكنائس بعد أن تغافل عنه البرلمان طوال الفترة الماضية ولم ينظر للنص الدستورى الذى ألزمه بضرورة إقراره فى دورته الحالية.

وبالفعل بدأت عجلة إقرار القانون من قبل مجلس النواب، وكان ذلك بمثابة متنفس أن القانون فى حال وضعه، سيحل العديد من الأزمات الطائفية، ومشاكل الأقباط المرتبطة ببناء الكنائس.

ودخل القانون فى دائرة لجان البرلمان تمهيداً لمناقشة بنوده، لكن كالعادة ظهرت أياد خفية، لتحول القانون إلى منطقة ألغام فيما يخص بناء الكنائس، بداية من مسمى القانون ذاته الذى اعتبره المسيحيون أنه طائفى فى حد بعد أن وضعت مواد أثارت غضب ممثلى الكنائس، خاصة المادة التى تشترط موافقة المحافظ عند الترخيص للبناء أو موافقة أو «التنسيق مع الجهات الأمنية» أو اشتراطه عددًا معينًا من المسيحيين فى القرية أو الوحدة المقرر بناء كنيسة بها، بل أن صياغة القانون فى ذاتها طائفية عندما وضع نصوصًا تعتبر المسيحيين طائفة وتقسمهم لفرق.

وتسبب ذلك فى اعتراضات من الكنائس الثلاث على مشروع القانون بشكل الحالى، باعتباره أنه فى حال إقراره بمواده الحالية، سيزيد من مشاكل بناء الكنائس بدلا من حلها، مما يطرح سؤالاً؟ من هى الأيادى الخفية التى عبثت بمواد القانون؟ وأعادت أزمة بناء الكنائس للنقطة «صفر»، والعمل على وضع مواد فى القانون تعلم جيداً أنها ستثير الأقباط وتجعل الأزمة معلقة، وهى تلعب بحسابات الوقت باعتبار أن المدة المتبقية من عمر الدورة الحالية للبرلمان ستنتهى خلال أقل من أسبوعين، لنوضع فى مأزق إقرار القانون بوضعه الحالى، بدون موافقة المسيحيين أو تأجيل إقراره لدورات تالية، لتبقى الأوضاع على ما هى عليه.