عادل حمودة يكتب: افتحوا محكمة واحدة للأسرة تغلقوا عشر محاكم للجنايات

مقالات الرأي



تقرير مؤلم عمّا وصلنا إليه من إرهاب وفساد ومخدرات ودعارة وسوء السلوك من ملفات الطلاق والميراث وحضانة الصغار

■ وكيل وزارة يخلع ملابسه أمام ابنة أخيه ويهددها بالاغتصاب طمعا فى ميراثها 

■ طبيب شهير يكسب 280 ألف جنيه شهريا يكتفى بمائة جنيه نفقة ابنه الوحيد انتقاماً من مطلقته

■ شخصيات سلفية تعتلى المنابر تحرم المرأة من الميراث رغم مخالفة شرع الله الذى لا تكف عن الحديث عنه 

■ غالبية الرجال يتزوجون على زوجاتهم بعد توافر الثروة أو الشهرة أو السلطة والفياجرا والبوتكس وخلايا تجديد الشباب ساعدتهم على ذلك


ليس للحب صورة فوتوغرافية.. ولم يستخرج جواز سفر.. ولم نجد كتابا فى التدبير العاطفى يشرح كيفية تحضيره.

الرجال الذين صادفوه يشهدون برقة الكلمات التى علمها لهم.. وحلاوة الفطائر المحشوة عسلا التى تركها على شفاههم.. ونعومة الأزهار والأقمار والفراشات الملونة التى نسجها معهم.

لكنه.. كما هبط فجأة.. رحل فجأة.

النساء وصفته بعصفور من الجنة.. نقر شفاههن.. وفك ضفائرهن.. وضخ حليبا فى أثدائهن.

لكنه.. ترك ريشة من ذيله.. وطار.

وليس فى أقسام الشرطة معلومات أكيدة عن مكانه ولونه وديانته وجنسيته وطبقته.

لكنه.. مطلوب فى محاضر لا حصر لها.. لا يجد الضابط المناوب أمامه سوى تحويلها إلى الجهات القضائية التى توزعها حسب الجريمة إلى المحاكم المختلفة.. من محكمة الأسرة إلى محكمة الجنايات.. فالحب رسول الغرام بين الرجل والمرأة لو تركهما واختفى ترك خلفه كراهية وخيانة ورغبات متوحشة فى الانتقام تصيب الجهاز التنفسى للمجتمع وتقطع أسلاك جهازه العصبى وتربك ما تبقى من خلاياه العقلية.

والعلاج يبدأ من محكمة الأسرة.. فعليها ترميم القلوب التى انفطرت.. والنفوس التى خربت.. وإعادة العلاقات العائلية التى تفككت.. وخربت.. ودمرت.. وفجرت طوفانا غرقت فيه أجيال جديدة لا ذنب لها.. وأخذتنا معها فى سكتها.

لكننا.. نستهتر بمحكمة الأسرة.. ونعتقد أنها واحة من الراحة للقضاة الذين يجلسون على منصتها.. فهم يتسلون بحكايات إنسانية ولو كشفت فيها عورات شخصية وعقد نفسية.

أنا شخصيا كنت أتصورها ملاذا هادئا لكبار المستشارين من الجرائم التى تمس أمن الوطن.. أو أمن المواطن.. لكننى.. اكتشفت أن نجاح محكمة واحدة للأسرة يغلق عشر محاكم للجنايات.

إن الطريق إلى القتل والنشل والنصب والنهب والتزوير والإرهاب والرشوة والدعارة والسرقة يبدأ ببيت مفكك مضطرب يكره الحب ويفتقد كباره وصغاره الشعور بالأمان ويعجزون عن حل مشاكلهم بالتفاهم فلا يجدون أمامهم سوى حلها بالجريمة.

والمؤكد أننا لو أنقذنا الأسرة التى نصفها بالخلية الأولى للمجتمع ــ من سرطان الكذب والنفاق والعنف والغدر والاستهتار والخداع والتحرش والفهلوة والنميمة والخيانة والكراهية واللغة السوقية وغيرها من الصفات السيئة السائدة التى نشكو منها ــ لأنقذنا الأمة بأسرها.. فمن أنقذ نفسا من الضياع فكأنما أنقذ الناس جميعا.

إننا لا نكف عن طرح السؤال الحائر:

ما الذى جرى للمصريين؟

ونكتفى بتعدد المظاهر السلبية التى تحاصرنا من جميع الجهات دون أن نتجاوز الشكوى بحثا عن حل أو علاج.

أتصور أن إصلاحنا يبدأ من محكمة الأسرة.

كل ما هو مطلوب منا أن يتفرغ عدد من باحثى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ــ إذا كان لا يزال وفيا لمؤسسه الدكتور أحمد خليفة ــ لدراسة ملفات القضايا التى تنظرها محاكم الأسرة وتصنيف المشاكل التى تعرض عليها وتحديد أسبابها وتصور علاجها.

لو فعلنا ذلك لن ننقذ الأسرة من نزاعات الطلاق والخلع والنفقة والحضانة فقط وإنما سننقذ وطنا بأكمله من الإرهاب والمخدرات والابتزاز والتشهير والتشفى والفساد والعنف الطائفى والتمييز جنسيا ودينيا وطبقيا.

والحقيقة.. أننى بدأت بنفسي.. ورحت أقلب ما تيسر لى من تلك الملفات.. وسمعت ما جرى فى جلساتها وحجرات المداولة من القضاة أنفسهم.

هو طبيب أمراض باطنة شهير.. موهوب فى جراحات زراعة الكبد واستئصال أورام الجهاز الهضمي.. يبيع خدماته للمرضى الأثرياء الذين يعالجون فى المستشفيات الكبرى «من كيلوباترا إلى المركز الطبى العالمى» بجانب عيادتين يعمل فيهما إلى منتصف الليل.. وقبل أن ينصرف يأتى تاجر عملة ليحول إيراد اليوم إلى دولارات.

دخله الشهرى لا يقل عن 280 ألف جنيه.. لكن.. براعة محاسبه وعلاقاته التحتية وتصرفاته الخفية تنتهى بإقراره الضريبى يسمح لصاحبه بطلب إعانة عاجلة من الدكتورة غادة والي.. وقد أخذت المحكمة بذلك الإقرار فحكمت لمطلقته بنفقة شهرية لابنهما الوحيد بمائة جنيه شهريا.. ثمن نصف سيجار يدخنه فى نادى السيارات.. بينما حصل المحامى على 30 ألف جنيه أتعابا.

ولو اكتفت المحكمة بالأوراق المقدمة إليها لما وجدت زوجته السابقة أمامها سوى الدعارة لتطعم وتعلم وتكسو ابنها.. لكن.. القضاة الذين يملكون فراسة الحكم على البشر طلبوا تحريات جديدة لإنقاذ الطفل من التشرد وإخراجه من المدرسة الراقية التى يتعلم فيها.. وكان يكفى إثبات أن الرجل يعيش فى قصر داخل كمبوند فى القاهرة الجديدة.. ويمتلك سيارة مرسيدس «أس ــ 500».. بجانب سيارات سفارى وشاليهات فى العين السخنة والساحل الشمالى.. وشقة فى باريس.

إن الحب ينقلب بالطلاق إلى كراهية ويغل صدر الرجل تجاه المرأة بالدمار ولو دفع الأولاد الثمن.. بل إن الرجل أحيانا لا يجد أفضل من التنكيل بأولاده لسحق المرأة.

اقرأوا تقارير أطباء الإدمان لتعرفوا أن غالبية ضحايا المخدرات من الشباب عانوا من غياب الأب فى حياتهم.. فعندما لا يجد الصغار سندا قويا يشعرهم بالحماية يبحثون عنه وهما فى شم البودرة وحقن الماكسفورت وبرشام الترامادول الذى أصبح إدمانا شعبيا يقرب بين الطبقات ويوحد بينها.

وقد فشل قضاة المحكمة فى منع دموعهم من الانفجار وهم يسمعون شهادة صبى وقف أمامهم فى قضية يصعب تقبل وقائعها.

مات الأب تاركا ثروة هائلة من العقارات والشركات وحسابات بنكية متخمة بمختلف العملات.. وتولت الأم رعايته وإن آلت الوصاية إلى جده لأبيه.. وراح العجوز الذى يوشك على الموت يضيق الخناق على الأم وابنها.. سعى إلى إخراجه من مدرسته الراقية.. وحرمه من شراء ملابس جديدة.. ومنعه من استخدام سيارة والده.. بل.. لم يتردد فى عقابه بالضرب كلما طلب منه شيئا.

وهربت الأم من ذلك الجحيم بالزواج وتركت ابنها يواجه مصيره وحده متصورة صدق ما يقول عن أعز الولد «ولد الولد».

وراح الطفل الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره يروى للمحكمة مأساته ويطلب منها التدخل لحمايته بعد أن تولى والد صديقه رفع الدعوى وتحمل مصاريفها.. وشعر القضاة بأنهم أمام طفولة شاخت مبكرا.. وأمام شيخوخة مجرمة.

لكن.. الإجرام عندما يستبد بأقرب الناس إلينا يتجاوز الحدود إلى حد يصعب تقبله أو تصديقه ولو شاهدنا حكاياته فى فيلم خيالى.

لقد مات الأب والأم فى حادث سيارة ونجت ابنتهما التى كانت تجلس فى المقعد الخلفي.. ولم يكن أمام الفتاة الشابة التى كانت طالبة فى مدرسة إعدادية خاصة سوى أن تقبل بوصاية عمها على الثروة التى آلت إليها.

وبدأ العم الذى يحمل شهادة الدكتوراه فى المالية العامة ووصل فى منصبه الحكومى إلى درجة وكيل وزارة فى تزوير مستندات الإنفاق على ابنة أخيه.. وعندما راحت تشكوه لأقارب أمها أغلق عليها غرفتها وهددها باغتصابها لو كررت الشكوي.. بل إنه خلع بالفعل ملابسه أمامها وأصبح عاريا.. وخافت الفتاة.. وامتنعت عن الذهاب إلى المدرسة.. وقاطعت صديقاتها.. وراحت الكوابيس تطاردها فى يقظتها ومنامها.

وجاءت مديرة المدرسة تسأل عنها.. ومن حسن الحظ أن العم لم يكن موجودا.. وبصعوبة عرفت المديرة تفاصيل المأساة التى لم تتصور وجودها.. وانتقلت المأساة إلى المحكمة بعد دعوى رفعها شقيق أمها.

وفى جلسة سرية استمع القضاة لحطام فتاة جميلة حلمت بأن تكون طبيبة وخرجوا من القاعة وهم يشعرون أن ما وصل إليه المجتمع أكبر من طاقة تحملهم.

وأكثر القضايا شيوعا فى المحكمة قضايا زواج الرجال من فتيات صغيرات بعد سنوات طوال من عشرة الزوجة الأولي.. تصل أحيانا إلى خمسة وعشرين سنة.

إن من النادر أن يوجد رجل يجمع ثروة أو يحظى بشهرة أو يصل إلى سلطة لا يتنكر لزوجته الأولى أو يتزوج عليها أو يختار عشيقة سرية يخفيها عنها.

حالة شائعة مزمنة فى مجتمعنا.. يتنكر الرجل للمرأة التى ساندته ودعمته ووقفت بجانبه ويبحث عن أخرى ينفق عليها ما جمع.. ويمنحها من الاهتمام ما يتوافر له.. وما على الزوجة الأولى إلا أن تقبل.. أو تطلق وتخرج من المولد الكبير الذى شاركت فيه بلا حمص.. إلا نفقة عابرة.. لا تعالجها من جراحها النفسية فى سنوات الخريف.

ولا تقتسم الزوجة ثروة زوجها التى شاركت فيها إلا بالميراث بعد الوفاة على خلاف ما فى الدول الغربية التى تقتسم الممتلكات بين الزوجين فى حالة الطلاق.

وقد ضاعف الطب الحديث من حالات تعدد الزوجات بعد التوصل إلى المنشطات الجنسية الآمنة بجانب قبول كثير من الرجال إلى عمليات الحقن بالبوتكس والحقن بخلايا تجديد الشباب ما ضاعف من قبول فتيات صغيرات بالزواج من رجال بفارق سن يزيد على العشرين سنة أحيانا.. ويزيد من ذلك رغبة فى حياة مترفة لا يوفرها من فى سنهن.

لكن.. المشكلة أن الزوجة الأولى تفقد كل ما تتمتع به بكلمة واحدة.. الطلاق.. ولا تجد المحكمة وسيلة قانونية لرفع الظلم عنها.. وكل ما فى يدها الحكم لها بمستحقات هزيلة لا تتناسب مع ما قدمت وما ضحت به.

وفى كثير من عائلات الريف والصعيد تحرم المرأة من ميراثها وتهدد بالقتل لو لجأت إلى المحكمة مطالبة به.. وغالبا ما يلجأ إلى ذلك الأسلوب الجائر شخصيات تصلى وتصوم ولا تمل الحديث عن شرع الله وهو فى الحقيقة شرعهم.

وخشية الوصم بالطلاق كثيرا ما تقبل المرأة بزوج ضعيف الشخصية «لا يهش ولا ينش».. يوصف شعبيا بلقب «ابن أمه» لكن الصيدلانية الشابة التى لم يمر على زواجها أكثر من شهر لم تقبل بتلك العلاقة وطلبت الطلاق.. على أن القانون لا يعتبر «ابن أمه» سببا شرعيا للطلاق.. فلم يكن أمامها سوى الخلع.. وضحت بحقوقها الشرعية.. وقبلت بغمزات زملائها من حولها.. وجرأة بعضهم للتحرش بها.

هذه عينات قليلة من ملفات كثيرة تنظرها محكمة الأسرة فى جلسة واحدة. إننا أمام فرصة عريضة لتشخيص ما نعيش من مظاهر اجتماعية ونفسية سلبية لتحقيق ما يوصف بالتنمية الإنسانية التى بدونها لا تؤتى التنمية الاقتصادية ما ننتظره منها.. وراجعوا الدراسات الجديدة التى تثبت ذلك.