بسام الشماع يكتب : "نبتا بلايا" .. من هنا بدأت الحكايا

منوعات

بوابة الفجر


ما أحوجنا الآن لإستدعاء ذكرى التاريخ والأستماع إلى صدى تلك الحضارة التى علمت العالم لعلنا بهذا الفعل نستطيع أن نشحذ الهمم ونستحضر الحقائق التاريخية التى جعلت من مِصر بحق "أم الدنيا".

 ظلموها عندما نعتوها بحضارة السبعة آلاف عام ، فهى فى حقيقة الأمر أعمق من هذا ، فجذور حضارتها ترجع إلى أقدم من هذا. ولقد اختلفت مع الذين يرددون أن التاريخ يكتب ويدرس منذ إبتكار الكتابة واستخدامها لأن هناك من الإبتكارات التى سبقت هذا التاريخ ، فمثلاً  تم إكتشاف اول إبتكار لدراسة ومعرفة الإتجاهات وتحركات الأجرام السماوية والتقويم فى الجنوب العظيم ، فى منطقة نبتا بلايا (100 كم غرب منطقة أبو سمبل بالنوبة المصرية ) وتم إكتشاف بقايا هامة جدا لحضارة متطورة علمياً قبل بناء الأهرامات وتشييد المسلات 

البداية تعود الى  "نبتا بلايا" ، وكثير من الناس سوف يتعجب من هذا الأسم، بل من الممكن أن يتساءل البعض ما هي علاقة هذا الاسم الغريب بالآثار الموجودة على أرض مصر ،و الغريب أن "نبتا بلايا" هو مكان أثري غاية في الأهمية ويشغل تفكير الكثير من علماء الآثار المصريين والأجانب، ويعتقد البعض إنه بداية إنطلاق الحضارة المصرية القديمة ذات المجتمع المنظم وذات التفكير المبتكر والمثمر وذات التأثير عن حضارات العالم.

 ولكي نتعرف أكثر على هذا الاسم وأثره وآثاره، دعوني أصطحبكم في رحلة عبر أبواب الزمن ، ولكن هذه الرحلة ليست إلى عالم المصريين القدماء (الفراعنة) ولكن قبلهم بكثير، فأصل الاسـم:"نبتـا" هو اسم جبل يقع بجوار المكان الأثري الذي نحن بصدد شرحه هنا: أما عن "بلايا" فهو لفظ من أصل أسباني يعني شاطئ، هو حوض أو بحيرة تصل بقاعها الذي يسمى "السرير" إلى البر أو الشط، هو أيضاً أسم حوض صرف مغلق يحتفظ بالماء الذي يملؤه عن طريق المطر ولكنه لا يسمح لهذه المياه بالتصريف والصب عن طريق قنوات أو أنهار أو محيطات

تقع هذه المنطقة الأثرية القديمة على بعد حوالي 800 كليومتر جنوب القاهرة و100 كليو متر غرب أبو سمبل بالصحراء النوبية، وعلى بعد 30 كم شمال الحدود المِصرية السودانية ، وأصبح الوصول إليها أسهل وأيسر من ذي بدء لوجودها على جانب طريق يصل إلى العوينات (موقع مصري يقع في نقطة التقاء حدود مصر والسودان وليبيا تقريباً). كانت الأمطار تسقط على الأراضي الأفريقية بكميات متفاوتة وفي أزمنة مختلفة، ولكن منذ حوالي 12,000 عام بدأت الأمطار الصيفية لأفريقيا المدارية تتجه إلى الشمال الشرقي للقارة مكونة بحيرات مائية بجانب الجبال، ومنها بحيرة "نبتا" والتي يعتبرها العالمان "فيفيان ديفيز" و"رينيه فريدمان" من أكبر بحيرات هذه المنطقة الأفريقية وساعدت مياه تلك البحيرة الشاسعة على نمو الأشجار والنباتات والحشائش وبالتالي تجمع فيها أنواع عديدة من الحيوانات التي تتغذى على هذه الحشائش مثل الغزال والظبي والزراف ، عاش الإنسان الأول هنا في أزمنة متعاقبة، تكثر أعداده عندما تتوافر المياه وتقل بل ويهجرها إذا اختفت هذه البحيرة لقلة الأمطار المتفاوتة الغزارة أو تبخرت أو لأي عوامل طبيعية أخرى.العلماء يؤكدون أن "نبتا بلايا" كانت مأهولة بالسكان منذ 12,000 عام إلى 7,300 عام مضت، ويعتقد بعضهم أن الحياة البشرية استمرت هنا حتى منذ 4.800 عام مضت. وقد ترك هؤلاء الأوائل آثاراً لهم شُيدت ما بين 6,500 إلى 4,500 عام مضت. التنقيب في هذا المكان القديم أوضح أن هذا المجتمع قد نجح من حوالي 8000 عام مضت في إدارة شئون الحياة والمجتمع بطريقة منظمة ودقيقة جداً لدرجة تدعو للذهول. ففي عام 1973 وحتى 1977 ميلادية تمت دراسة وتحليل وتأريخ "نبتا بلايا" عن طريق العالم المجتهد "فريد ويندورف" و"رومولد شليد" وأعضاء بعثتهم واكتشفت البعثة على الأقل خمسة عشر منازل بيضاوية الشكل مشيدة من البوص والخوص والعصي، وحفراً لتخزين الغلال والفاكهة، وثلاثة أبار كانوا قد أعدوها للإستفادة من المياه في حالة عدم وجود مياه في البحيرة ،  وأعتقد أن هذه المجموعة من المصريين الأوائل قد انتقلوا إلى وادي النيل شرقاً لكي يكونوا قريبين من مصدر المياه الذي لا ينقطع ألا وهو نهر النيل، وذلك عندما قلت الأمطار في هذه البقعة من مصر فتحولت إلى صحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء وذلك لأن عدم وجود المياه معناه عدم نمو الحشائش مما يسبب هجرة الحيوانات جنوبا  للبحث عن مصدر للطعام، ويؤدي أيضاً إلى انحدار واختفاء الزراعة، ولكنهم هجروا "نبتا بلايا" تاركين ورائهم حضارة جديرة بالاحترام والتقدير والدراسة، بل والآثار ومنها ذلك الأثر الذي ربما لا يكون هرماً أو معبداً شاهقاً، ولكنه أثر يعتبر من أهم آثار الحضارات البشرية جمعاء، وهو "دائرة التقويم". وتميز التاريخ المصرى القديم بوجود ثقافات وحضارات لتجمعات بشرية غاية فى التقدم والفكر حتى قبل إبتكار الهجائية بل قبل توحيد القطرين الشمالى والجنوبى وبدء عصر الأسرات المصرية القديمة ومنها ، على سبيل المثال لا الحصر ، حضارة العمرى والتى تم تسميتها على إسم عالم المعادن المصرى الشاب أمين العمرى وذلك لمجهوداته فى الكشف عن مواقع أثرية ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات على بعد حوالى 23 كم من القاهرة ، حيث كُشف عن مركز حضارى يرجع إلى العصر الحجرى الحديث ولكنه توفى مبكراً فتم إستكمال الإكتشافات عن طريق العالم لابيير ، ويقع هذا الموقع المهم عند مصب وادى حوف على بعد 3 كم إلى الشمال من حلوان الحالية ويرجع عصر هذه الحضارة إلى حوالى 4500 ق.م (وفلنضع فى الإعتبار أن توحيد القطرين وبدء عصر الأسرات كان حوالى 3000 ق.م.). وينضم إلى قائمة الحضارات التى يطلق عليها ما قبل التاريخ ثقافات مثل المعادى وحلوان ووادى جراوى (والذى به آثار بقايا سد قديم ) ونقادا( حيث قام المصريون القدماء بعدد من الثورات فى عصور ما قبل التاريخ معترضين  على الشمال المتحكم فى الجنوب ليثبتوا أن المصريين منذ قديم الزمن يتميزون بالشخصية الثورية ) ، وثقافة مرمدة بنى سلامة التى ترجع إلى حوالى 5000-4500 ق.م. وتقع شمال غرب الجيزة ، وقد أطلق عليها حضارة العصر الحجرى – النحاسي وذلك لاستخدام أهلها معدن النحاس ، وقد تم إكتشاف شوك السمك وفخار محروق ومغارف مصنوعة من الطين المحروق ، و ونصال قصيرة وتماثيل صغيرة مصنوعة من الصلصال .