صفة الإحرام

إسلاميات

صفة الإحرام
صفة الإحرام


يعد الإحرام من الميقات أول منسك من مناسك الحج, وحكمه أنه ركن من أركان الحج..


ونقصد هنا بالإحرام: نية الدخول في النسك، وليس المقصود به لبس ثياب الإحرام؛ كما يفهمه البعض، بل المقصود هو النية، فلا يكون الإنسان محرماً بمجرد التجرد من اللباس من غير نية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) رواه البخاري(1) ومسلم(3530).


فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : ' لبيك اللهم عمرة ' إن كان متمتعاً ، أو ' لبيك اللهم حجاً ' إن كان مفرداً ، أو ' لبيك اللهم عمرة وحجا ' إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك'. رواه البخاري ومسلم.


فيتلفظ المحرم بالتلبية لا بالنية ، فلا يقول نويت نسك كذا ، بل يلبي بنسكه ، لبيك حجاً، لبيك عمرة، لبيك عمرة وحجاً. أو لبيك اللهم كذا ..


واجبات الإحرام:


واجبات الإحرام ثلاثة وهي:


الأول: أن يكون الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام بحيث لا يجوز تجاوزه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة.


فإذا بلغ الحاج ميقاته الذي سيعقد منه نية الإحرام براً أو بحراً أو جواً قاصداً الحج أو العمرة، وجب عليه الإحرام منه أو مما يحاذيه، وإن لبس ملابس الإحرام قبل الميقات استعداداً فلا بأس بذلك، ثم ينوي الحج أو العمرة في الميقات.


وإذا كان الحاج يسكن مسكناً دائماً دون هذه المواقيت بأن كان من أهل جدة أو الشرائع فليس مشروعاً في حقه أن يذهب إلى الميقات الذي يليهن بل مكان سكنه هو ميقاته يحرم منه. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: 'إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)


الثاني: التجرد من المخيط للرجال: فلا يلبس الرجل ثوباً، ولا قميصاً، ولا برنساً (غطاء الرأس المتصل بالثوب)، ولا يعتم بعمامة, ولا يغطي رأسه بشيء، كما لا يلبس خفاً إلا أن لا يجد نعلاً.


والمرأة تلبس في إحرامها ما تشاء من الثياب الساترة المحتشمة ، غير متبرجة بزينة ولا متشبهة بالرجال ، ولا تلبس القفاز ولا البرقع ولا تتلثم ، فإذا كانت بحضرة الرجال الأجانب تسدل غطاء وجهها.


ويتجنب المحرم جميع محظورات الإحرام التي يحرم عليه فعلها أثناء إحرامه .


قال شيخ الإسلام بن تيميه: 'والتجرد من اللباس واجب في الإحرام، وليس شرطاً فيه، فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وباتفاق أهل العلم وعليه أن ينزع اللباس المحظور'[1].

 


الثالث: نية الدخول في النسك: فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : ' لبيك اللهم عمرة ' إن كان متمتعاً ، أو ' لبيك اللهم حجاً ' إن كان مفرداً ، أو ' لبيك اللهم عمرة وحجا ' إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك'. رواه البخاري ومسلم.


والتلبية سنة في الإحرام عند الشافعي وأحمد، لا يجب بتركها شيء.


وركن عند أبي حنيفة والظاهرية، لا ينعقد الإحرام بدونها كالتكبير للصلاة.


وواجب عند الإمام مالك. يجب بتركها دم.[2]

 


سنن الإحرام:


هي أمور يستحب للمحرم فعلها لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الاستحباب، وإن لم يفعلها فلا شيء عليه، ولا علاقة لذلك بصحة الإحرام.


وهي كالتالي:


أولا: الاغتسال بجميع بدنه, فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه, ولأن ذلك أعم وأبلغ في التنظيف وإزالة الرائحة, والاغتسال عند الإحرام مطلوب, حتى من الحائض والنفساء; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل. رواه مسلم(2107).


وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم عائشة أن تغتسل للإحرام بالحج وهي حائض..


فالاغتسال سنة وليس بواجب، وعليه فمن أحرم وهو على غير طهارة فإحرامه صحيح سواءً كان محدثاً حدثاً أصغر أم أكبر. والحكمة في هذا الاغتسال هي التنظيف وقطع الرائحة الكريهة، وتخفيف الحدث من الحائض والنفساء.


وللإنسان أن يغتسل قبل خروجه من بيته أو قبل وصوله الميقات،


ولا يشرع التيمم إذا فقد الماء وهذا هو قول الجمهور، ولهذا ذهب شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله؛ لأن الله عز وجل ذكر التيمم في طهارة الحدث، فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا (سورة المائدة(6). فإذا كان الشرع إنما جاء بالتيمم في الحدث، فلا يقاس عليه غير الحدث؛ لأن العبادات لا قياس فيها، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه تيمم للإحرام، وعليه: ' إن وجد الماء وأمكنه استعماله فعل، وإن لم يمكنه فلا تيمم على هذا القول، وهذا أقرب للصواب'[3].


ثانيا: يستحب لمن يريد الإحرام التنظيف, بأخذ ما يشرع أخذه من الشعر، كشعر الشارب والإبط والعانة، مما يحتاج إلى أخذه، لئلا يحتاج إلى أخذه في إحرامه فلا يتمكن منه, فإن لم يحتج إلى أخذ شيء من ذلك، لم يأخذه ; لأنه إنما يفعل عند الحاجة، وليس هو من خصائص الإحرام، لكنه مشروع بحسب الحاجة.


ثالثا: يستحب لمن يريد الإحرام أن يتطيب في بدنه بما تيسر من أنواع الطيب؛ لقول عائشة رضي الله عنها قالت: 'كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت (رواه البخاري(1493)، وقالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) (رواه مسلم(2042)، الوبيص: اللمعان والبريق ومفارقه: يعني مفرق رأسه.


وسواءً كان الطيب مما تبقى عينه كالمسك أو يبقى أثره كالعود والبخور وماء الورد.


وكره المالكية: التطيب لمن أراد الإحرام، ودليلهم حديث يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) (رواه البخاري(1664) ومسلم(2017).


قال بن عبد البر: 'لا خلاف بين أهل العلم بالسير والآثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين سنة ثمان وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر أي أن حديث عائشة رضي الله عنها ناسخ لحديث صاحب الجبة'[4].


قال شيخ الإسلام ابن تيمية: 'وكذلك إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يأمر به الناس'[5]..


ويستوي في الطيب الرجال والنساء؛ ويشرع التطيب للنساء عند الإحرام بطيب له أثر وليس له رائحة لئلا تحصل به فتنة ومخالفة شرعية، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها'[6].


وأما الطيب في ملابس الإحرام قبل أن يعقد الإحرام فإنه لا يجوز، ولا يجوز لبس الثوب إن طيبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) (رواه البخاري (1542)؛ ومسلم (1177)، وقال صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: (اغسلوه بماء سدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيًا) رواه البخاري(1719) ومسلم(2092) والحنوط هو الطيب الذي يجعل في قطن على منافذ الميت، ومواضع سجوده.


ولهذا حرم بعض العلماء تطييب ثياب الإحرام، وهذا هو قول جمهور العلماء ما عدا الشافعية في القول المعتمد عندهم، إلا أنهم قالوا: أنه لو نزع ثوب الإحرام، أو سقط عنه، فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرائحة فيه، بل يزيل منه الرائحة ثم يلبسه[7].


وقد سئل ابن باز رحمه الله عن: 'حكم وضع الحاج الطيب على ملابس الإحرام قبل عقد النية والتلبية'.


فأجاب: 'لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران أو الورس ) (رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177).


فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها[8]..


أما إذا تطيب في بدنه أو لحيته أو رأسه ثم سال الطيب فإنه لا يؤثر؛ لأن انتقال الطيب بنفسه ولا دخل للمحرم فيه.


من أحرم بملابسه لحاجة:


إذا أحرم الحاج بملابسه لداعي الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي[9]. والدليل قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) البقرة 196


وقد جاء في سؤال وجه للجنة الدائمة للإفتاء بالملكة يقول السؤال: 'أنا جندي في الدفاع المدني وأحضر كل عام في موسم الحج في منى وعرفة، ثم في منى أيضاً، ولكن علي اللباس الرسمي العسكري، ولم أتجرد من المخيط، فهل يحصل لي حج إذا نويت الحج وأنا باللباس العسكري ولم أتجرد من المخيط أسوة بالحجاج؟ لأن طبيعة عملي تتطلب الالتزام باللباس العسكري. أفيدونا جزاكم الله خيراً'.


فكان الجواب كالتالي: 'لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال الحج كما ذكر في السؤال، ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام؛ لأن الجهة المختصة لا تسمح بذلك، وعليك بسبب ذلك الكفارة، وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرها من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة عن لبس المخيط، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس.


وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم'[10].


ثياب الإحرام (بم يكون الإحرام؟)


يكون الإحرام في إزار ورداء أبيضين نظيفين، والأفضل أن يكونا أبيضين ولا يشترط ذلك، فأما دليل الإزار والرداء، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)[11]..


وأما الأبيض فلأنه خير الثياب وأفضلها، قال صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)[12].


ويستحب أن يكونا نظيفين جديدين ولا يشترط ذلك فيجوز الإحرام بإزار ورداء ليسا جديدين ولا أبيضين، وكونهما نظيفان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) (رواه مسلم(131).


فالأفضل في حق الرجل أن يحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين، يقول شيخ الإسلام: 'ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهما أفضل، ويجوز أن يحرم في إزار ورداء مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيضين وغيره من الألوان الجائزة، وإن كان ملوناً'[13]. وقال بن قدامه: 'ولو لبس إزاراً موصلاً أو أتشح بثوب مخيط كان جائزاً'[14].


هل للإحرام صلاة تخصه؟


الأصح أنه ليس للإحرام, صلاة تخصه, وهو قول شيخ الإسلام[15]، ودليله أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين؛ وأما حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: 'أهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر'[16].


يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: 'ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر'[17]. وحديث أنس السابق ضعيف، وعلى فرض صحته فإنه يحتمل لأنه صادف ذلك وقت صلاة الظهر، ولم يقصد بذلك الصلاة لأجل الإحرام، والله أعلم.


وقد سئل العلامة ابن عثيمين: 'هل للإحرام صلاة تخصه؟'.


فأجاب: 'ليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إذا وصل الإنسان إلى الميقات، وهو قريب من وقت الفريضة فالأفضل أن يؤجل الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم، أما إذا وصل إلى الميقات في غير وقت فريضة فإنه كما هو معلوم يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام، ثم إن أراد أن يصلي صلاة الضحى فيما إذا كان في وقت الضحى، أو أن يصلى سنة الوضوء فيما إذا لم يكن وقت الضحى وأحرم بعد ذلك فحسن، وأما أن يكون هناك صلاة خاصة للإحرام فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم'[18].


لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق، يقول: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة) (أخرجه البخاري (1534).


وظاهر هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان، لبركته، لا لخصوص الإحرام، فإنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام، ويحتمل أن المراد الصلاة لأجل الإحرام، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى[19].


تنبيه:


هنا تنبيه لابد منه, وهو أن كثيرا من الحجاج يظنون أنه لابد أن يكون الإحرام من المسجد المبني في الميقات, فتجدهم يهرعون إليه رجالاً ونساء, ويزدحمون فيه, وربما يخلعون ثيابهم ويلبسون ثياب الإحرام فيه, وهذا لا أصل له, والمطلوب من المسلم أن يحرم من الميقات, في أي بقعة منه, لا في محل معين, بل يحرم حيث تيسر له, وما هو أرفق به وبمن معه, وفيما هو أستر له وأبعد عن مزاحمة الناس, وهذه المساجد التي في المواقيت لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ولم تبن لأجل الإحرام منها, وإنما بنيت لإقامة الصلاة فيها ممن هو ساكن حولها, هذا ما أردنا التنبيه عليه[20].


إحرام المرأة وما يلزمها:


إذا كان الحاج امرأة فإنه يستحب لها الاغتسال والإحرام، حتى ولو كانت حائضاً أو نفساء، إلا أنها لا تطوف بالبيت مدة حيضها ونفاسها.


ولا يشترط لها نوع خاص من الثياب.


ويجوز أن تحرم فيما شاءت من ثوب أسود أو أخضر أو أي لون آخر.


وتنوي الإحرام على التفصيل المتقدم في إحرام الرجل.


وعلى المرأة المسلمة مراعاة الآتي:


1- أن لا تتشبّه بالرجال في لباسها.


2- يجب أن يكون لباسها ساتراً.


3- ألا تظهر عورتها وزينتها للرجال الأجانب.


4- أن لا تتطيب وتخرج بين الرجال.


5- ألا تلبس البرقع ولا النقاب ولا القفازين ولا الخلاخل[21].


الاشتراط عند الإحرام وكيفيته:


الاشتراط في الإحرام أن يقول مريد الإحرام: 'اللهم إني أريد الحج، أو العمرة، أو الحج والعمرة معا، ومحلي حيث تحبسني'، وممن قال بالاشتراط الحنابلة والشافعية والظاهرية.


وقال الحافظ ابن حجر: 'صح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، وَلَمْ يَصِحّ إِنْكَاره عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا عَنْ اِبْن عُمَر، وَوَافَقَهُ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة'[22].


وذهب شيخ الإسلام إلى أن ذلك لمن كان خائفاً من حصول مانع يمنعه عن إتمام النسك مثل ذهاب مال ونحوه. فيقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني


فإذا قال ذلك، واشترط، أن له أن يفك إحرامه إن وجد مانعا من إتمام العمرة أو الحج، فإنه إذا عرض له مانع مثل المرض، أو الحبس، أو نفاد النفقة، أو وجود عدو، أو قطع طريق إلخ.. فإنه يستفيد من الاشتراط فائدتين:


الأولى: أنه إذا عاقه عائق فإن له أن يتحلل.


الثانية: أنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم.


وهذا الاشتراط قال به جماعة من الصحابة، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال الشافعي: لو ثبت حديث عائشة في الاستثناء لم أعده إلى غيره.


وقد ثبت الحديث المذكور كما ثبت غيره، ولا مقال لأحد بعد ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب الاشتراط لمن يخاف عدم القدرة على إتمام النسك، للأدلة التالية:


عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير (بن عبد المطلب) قالت: يا رسول الله، إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل؟ فقال: أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني، قال فأدركت[23]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: (حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني). (رواه البخاري(4699) ومسلم(2101).


هذا والاشتراط جائز عند القائلين به سواء أكان المشترط مفردا، أو متمتعا، أو قارنا.


وأصل الاشتراط أن يكون منطوقا وملفوظا به عند الإحرام، فإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به فهناك احتمال أن يصح ذلك، واحتمال آخر بأن الاشتراط لا يصح، والإحرام صحيح.


الإطلاق والتعيين في الإحرام:


سبق أن ذكرنا أن الذي يريد الإحرام له أن يحرم: بالحج، أو بالعمرة، أو بهما معا، وهذا يسمى التعيين في الإحرام، وهو مستحب عند مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين عند إحرامه، وأرشد الصحابة إلى التعيين.


أما الإطلاق فمعناه أن ينوي أن يصير محرماً صالحاً لأداء النسك، سواء أكان حجاً ذلك النسك، أو عمرة، أو هما معا، وهو جائز وينعقد به الإحرام صحيحاً؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام -وسيأتي الحديث عن هذه المسألة- فيصح عن باب أولى مع الإطلاق، وبعد أن يحرم إحراماً مطلقاً يصير مخيراً في أن يصرف الإحرام بعد ذلك إلى أي نسك من الأنساك الثلاثة، قبل البدء في أي عمل آخر من أعمالها، فله أن يصيره إلى العمرة، أو الحج، أو القران، والأولى إن كان في أشهر الحج صرفه إلى العمرة؛ لأن التمتع أفضل، وإن بدأ في عمل كالطواف بدون تعيين، فإنه لا يعتد به إلا بعد التعيين.


الإحرام بما أحرم به الغير ونسيان ما أحرم به، والإحرام بحجتين أو عمرتين:


يصح الإبهام عند الإحرام، وهو أن يقول: 'اللهم إني أحرم بما أحرم به فلان، وأنوي ما نواه'، كما فعل علي حين قال: 'أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم'(رواه البخاري(4005) ومسلم(2131).


ثم هو لا يخلو أمره بعد ذلك من أحد أحوال أربعة:


أحدها: أن يعلم ما أحرم به فلان، فإذا علم انعقد إحرامه بمثل إحرام فلان هذا.


الثاني: أن لا يعلم ما أحرم به فلان؛ فيكون حكمه حينئذ أن يصرف الإحرام إلى أي نسك، من الأفراد، أو التمتع، أو القران، وهذا عند أحمد، وقال أبو حنيفة: يصرفه إلى القران، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم يتحرى فيبني على غالب ظنه.


الثالث: أن لا يكون فلان هذا قد أحرم، فحكمه حينئذ حكم ما قبله (الحالة الثانية).


الرابع: أن لا يعلم هل أحرم فلان أم لا، فحكمه حينئذ حكم الحالة الثانية أيضاً ومن أحرم بنسك ثم نسيه فإن شأنه كذلك مثل الحالة الثانية..


وإن أحرم بحجتين أو عمرتين، فإن الإحرام ينعقد بواحدة والثانية تعتبر لا غية عند مالك، والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، فيؤدي واحدة، وعليه قضاء الأخرى[24].


متى ينوي الإحرام ويلبي:


قيل يستحب الإحرام عقب الصلاة، وقيل إذا ركب راحلته واستوت به. وذلك لدلالة الأحاديث على هذين الأمرين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ' أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته' رواه البخاري ومسلم.


وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ' أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم ركب راحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج ' رواه مسلم


قال النووي رحمه الله: ' الأصح عندنا أنه يستحب إحرامه عند ابتداء السير، وانبعاث الراحلة. وبه قال مالك والجمهور من السلف والخلف. '[25]


وقال أبو حنيفة وأحمد وأبو داود: إذا فرغ من الصلاة. قال في المغني : المستحب أن يحرم عقيب الصلاة ، فإن حضرت صلاة مكتوبة ، أحرم عقيبها ، وإلا صلى ركعتين تطوعا وأحرم عقيبهما .


استحب ذلك عطاء ، وطاوس ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس .


وقد روي عن أحمد أن الإحرام عقيب الصلاة ، وإذا استوت به راحلته ، وإذا بدأ بالسير ، سواء ؛ لأن الجميع قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة ، قال الأثرم : سألت أبا عبد الله ، أيما أحب إليك : الإحرام في دبر الصلاة ، أو إذا استوت به راحلته ؟ فقال : كل ذلك قد جاء ، في دبر الصلاة ، وإذا علا البيداء ، وإذا استوت به ناقته ، فوسع في ذلك كله .


قال ابن عباس : ' ركب النبي صلى الله عليه وسلم راحلته ، حتى استوت على البيداء أهل هو وأصحابه ' ، وقال أنس : ' لما ركب راحلته ، واستوت به ، أهل ' وقال ابن عمر : ' أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة '.رواهن البخاري ، والأَولى الإحرام عقيب الصلاة ، لما روى سعيد بن جبير قال : ذكرت لابن عباس إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ' أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته ، ثم خرج ، فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته ، واستوت به قائمة ، أهل ، فأدرك ذلك منه قوم ، فقالوا : أهل حين استوت به الراحلة ، وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ، ثم سار حتى علا البيداء ، فأهل ، فأدرك ذلك منه قوم ، فقالوا : أهل حين علا البيداء ' .


رواه أبو داود ، والأثرم .وهذا لفظ الأثرم .[26] وهذا فيه بيان وزيادة علم ، فيتعين حمل الأمر عليه ، ولو لم يقله ابن عباس لتعين حمل الأمر عليه ، جمعاً بين الأخبار المختلفة ، وهذا على سبيل الاستحباب ، فكيفما أحرم جاز ، لا نعلم أحدا خالف في ذلك .'[27]

 


هذا ما تيسر جمعه ، والله نسأل أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

[1] مجموع الفتاوى(26/108).
[2] المغني في فقه الحج والعمرة ، سعيد باشنفر ص. 82
[3] الشرح الممتع على زاد المستقنع(7/63).
[4] 'التمهيد'(19/306).
[5] مجموع الفتاوى(26/107).
[6] رواه أبو داود، رقم(1559). وهو في صحيح أبي داود، رقم(1606).
[7] من أحكام الحج والعمرة، ص(32).
[8] مجموع فتاوى ابن باز(30)جزءا -(17 /126).
[9] تلخيص فتاوى الحج والعمرة للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص(8).
[10] فتاوى اللجنة الدائمة -المجلد الحادي عشر- الحج والعمرة - (6/61) الفتوى رقم (12401).
[11] أخرجه أحمد (2/34)، وقال الألباني: 'صحيح' كما في مختصر إرواء الغليل، رقم (1096).
[12] رواه الترمذي(915) وأبو داود، رقم(3880)، وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط في صحيح ابن حبان، رقم(5423)، وهو في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(2026).
[13] مجموع الفتاوى (26/110).
[14] المغني(5/124).
[15] مجموع الفتاوى(26/109).
[16] رواه النسائي(2614). وضعفه الألباني في ضعيف النسائي، رقم( 127 ).
[17] زاد المعاد(2/97).
[18] فتاوى الحج من أركان الإسلام، ص(16-17).
[19] ينظر: مسائل يكثر السؤال عنها في الحج، ص(12).
[20] كتاب المناسك من الفروع، ص(233) لابن مفلح).
[21] أعمال الحج والمخالفات الواقعة فيها، ص(3-4).
[22] فتح الباري(6/19).
[23] رواه النسائي(2717) وابن ماجه، رقم(2929). وأحمد(2951)، وهو في صحيح أبي داود ( 1557).
[24] انظر المغني ( 6 / 395 )
[25] المجموع ( 7 / 223 )