عبدالحفيظ سعد يكتب: لعبة الأمم ونفط الطائرات على حدود مصر الغربية

مقالات الرأي



سر انزعاج أمريكا وحلفائها من سيطرة الجيش الليبى على الموانئ النفطية

■ مبادرة جديدة لتوحيد الجيش الليبى بقيادة حفتر والسراج وعقيلة تزعج قطر وتركيا خوفا على مصير الميليشيات التابعة لهما


بمجرد إعلان قوات «الجيش الليبى الوطنى»، نجاح عملية تحرير الموانئ النفطية فى وقفة ليلة عيد الأضحى الأسبوع الماضى، تحركت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، لتدين تحرك عملية الجيش الليبى، وتدعوه للتراجع والانسحاب من المنطقة.

ما صدر عن الدول الغربية الست، يلخص جزءا كبيرا مما يدور فى ليبيا، ومن يسعى لاستمرار حالة الفوضى فى البلد الغنى بالنفط بينما يعيش ثلث الشعب فى حالة نزوح وتشتت..!

ويكشف هذا موقف عن النوايا الغربية وقوى إقليمية فى التعامل مع البلد الغنى بالنفط، خاصة أن تحرك الجيش الليبى بانتزاع منطقة مثلث الموانئ النفطية من ميليشيات إبراهيم الجضران وحلفائه من تنظيم القاعدة، جاء بالتنسيق وأوامر من البرلمان الليبى المنتخب فى عام 2015.

مما يدل على أن موقف أمريكا والدول الغربية فى ليبيا تحركه لغة المصالح ومطامعها فى نفطه، وليس العمل على تهدئة الأوضاع فى ليبيا التى تعيش فى حالة حرب أهلية منذ ست سنوات، مما جعلها مأوى للتنظيمات الإرهابية، سواء داعش والقاعدة أو الميليشيات التابعة لتنظيم الإخوان، والجماعة الليبية المقاتلة.

وزاد فى غرابة موقف أمريكا وحلفائها، أن الجيش الليبى بقيادة خليفة حفتر، أعلن عقب عملية تحرير الموانئ النفطية تسليمه مرافقه والآبار النفطية لمؤسسة النفط الليبية التابعة للحكومة الليبية، وأن عمله فقط يقتصر على تأمين المنشآت، وتأمين عملية تصدير النفط فقط.

لكن يظهر أن عملية الجيش الليبى، والتى جاءت «خاطفة» دون «إراقة دماء» لا ترضى أطرافا عديدة ليس الدول الغربية فقط، بل تركيا وقطر التى لا يعد تحركاتها فى ليبيا خافية على أحد فى دعم الميليشيات التابعة للإخوان وخاصة «فجر ليبيا» والجماعة الإسلامية المقاتلة (التابعة لتنظيم القاعدة) والذى يعيش زعيمها عبد الكريم بلحاج ما بين الدوحة وإسطنبول وأم درمان فى السودان.

لذلك تعد ليبيا مسرحاً للعبة إقليمية ودولية، التى يزيد منها المطامع فيها النفط الليبى الذى يتركز فى منطقة الهلال النفطى (رأس لانوف والسدرة والبريقة) ورغم انخفاض سعر النفط عالمياً فى الفترة الأخيرة، إلا أن البترول الليبى تعد له قيمة خاصة، باعتباره أجود أنواع النفط والذى يستخرج منه وقود للطائرات، مما يزيد من قيمته.

ولكن لعبة التدخل فى ليبيا من أطراف إقليمية، خاصة تركيا وقطر، ليس هدفها الوحيد هو خيرات ليبيا ونفطها، بل يتعدى ذلك، باعتبار أن استمرار أوضاع عدم الاستقرار فى ليبيا، يعطى فرصة للعب أدوار وتدعيم ميليشيات على الأرض، خاصة أن ليبيا التى تمتلك حدودا واسعة مع مصر، تزيد على ألف كم، وحدودها ممتدة فى الشمال الغربى بطول تونس، وكذلك جنوبا مع الجزائر، وامتدادها الجنوبى مع دول وسط إفريقيا، وسواحلها الشمالية التى تعد أكبر دولة تمتلك سواحل على البحر المتوسط، يجعلها منطقة تغرى بالتدخل، لمن يريد لعب أدوار إقليمية، خاصة بعد أن ضاق نطاق التدخل فى سوريا ونهاية الإخوان فى مصر.


1- حدود ليبيا السيناريو البديل لضرب مصر بعد سيناء

وليس مستغربا أن ليبيا كانت الجبهة الثانية التى كان يعد لها العدة لفتحها على مصر عبر حدودها الغربية بعد جبهة سيناء، خاصة فى ظل وجود عناصر لتنظيم القاعدة فى منطقة «درنة»، وهروب عناصر من الإخوان عقب ثورة 30 يونيو إلى ليبيا التى كانت يعيش فيها ثروت صلاح شحاتة قائد تنظيم الجهاد المصرى والذى جاء من إيران ودخل ليبيا قبل أن تقبض عليه مصر فى فبراير 2014 فى مدينة العاشر من رمضان، وسط معلومات أمنية أنه كان يمهد لتجنيد عناصر من مصر للتدريب فى ليبيا.

ويعد الخطر على مصر، موجودا من الحدود الليبية، خاصة أن المنطقة الغربية فى ليبيا بالقرب من واحة الفرافرة شهدت عدة عمليات ضد كمائن للجيش المصرى، يرجع أن يكون وراءها هشام العشماوى والذى يعد أخطر العناصر الإرهابية على مصر، وهناك معلومات أمنية ترجع أنه مختبئا فى الصحراء الغربية، معتمدا على المدد الذى يأتى له عبرها.

ولعل ما كشفت عنه القوات المسلحة المصرية السبت الماضى بضبط مخازن وسط المغارات الجبلية موجود بها ذخائر ومواد متفجرة وقطع الغيار والأجهزة والأدوات ودانات «آر بى جى»، وأجهزة اتصالات لاسلكية ومراقبة، و15عبوة لمادة «تى إن تى» شديدة الانفجار التى تدخل فى صناعة العبوات الناسفة، بمنطقة «البويطى» فى الواحات البحرية، بالقرب من الحدود الليبية المصرية، والتى من المرجح استخدامها من قبل العناصر الإرهابية كملاجئ للهروب وقاعدة انطلاق لتنفيذ عملياتها فى منطقة الواحات أو مناطق داخل مصر.

ومن المرجح أن يكون مصادر تلك المتفجرات قادمة من ليبيا خاصة أن من ضمن المضبوطات لوحات سيارات ليبية وسودانية.

لذلك يعد التحرك المصرى فى ليبيا، ليس مجرد العمل على تهدئة الأوضاع فى البلد الشقيق، بل إنه يعد ضرورة ملحة، لأن استمرار عدم الاستقرار، تجلب عدم الاستقرار لحدود مصر الغربية على المدى القريب، والتى حمى مصر منها فى الفترة الأخيرة تحركات قوات الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر والتى تمكنت من السيطرة الكاملة على إقليم شرق ليبيا (برقة وبنغازى) وعززه نجاحه الأخيرة فى السيطرة على الموانئ النفطية التى تعد الورقة الاستراتيجية المهمة فى ليبيا، خاصة أن قوات الجيش الليبى تعد مسيطرة على ثلاثة أرباع ليبيا حاليا، طبقا لما ذكره خليفة حفتر فى حواره لـ«الأهرام» الاثنين الماضى.

لذلك يعد وجود قوة الجيش الليبى، وبدء اندحار الميليشيات الأخرى، باستثناء القوات التابعة لمقاتلى «مصراتة» فى الغرب الليبى، وهى مجموعات قبلية، يمكن أن يفتح الطريق لاستقرار الأوضاع فى ليبيا، والعمل على إبعاد سيناريو التقسيم، الذى بدأت تروج له عناصر تابعة للإخوان مدعومين بقطر وتركيا، بعد أن بدأت وجود وقائع جديدة على الأرض تبشر بإمكانية التمهيد لعملية سياسية فى الفترة المقبلة، تعمل على توحيد كافة العناصر المسلحة لتكون خاضعة للجيش الليبى.

ونجد أن تلك التحركات تلعب مصر دورا مهما فيها، بعد أن أيدت مصر عملية سيطرة الجيش الوطنى الليبى على الموانئ النفطية، مما أعطى مصداقية للقاهرة لتحتضن مشاورات وعملية تنسيق بين الأطراف الليبية الفاعلة على مدار الأسبوع الماضى، وقيام رئيس البرلمان الليبى عقيلة صالح بلقاء فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى الليبى، وهو المدعوم من منطقة الغرب الليبى والعاصمة طرابلس.

كما أن السراج التقى فى القاهرة أيضا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، للإعلان ببدء دخوله الجامعة كطرف فى طرح مبادرة ليبية للتوافق قريبا.

ربما التحرك الليبى فى القاهرة أجبر المبعوث الأممى لليبيا مارتن كوبلر، والذى قاد عملية تشكيل المجلس الرئاسى الذى فشل على مدار شهرين فى تشكيل حكومة وفاق، غير أنه سعى عبر القاهرة ورئيس مجلس النواب الليبى عقيلة صالح، للقاء المشير خليفة حفتر، رغم أن كوبلر كان قبل أسبوعين يهاجم الجيش الليبى.


2- مبادرة لتوحيد الجيش الليبى بقيادة موحدة

لكن الوضع الجديد بسيطرة الجيش على الموانئ النفطية، مدعوما من القبائل الليبية التى باركت غالبيتها عملية الجيش، خلق متغيرات جديدة، ومهد الطريق لطرح مبادرة جديدة تسعى لتوحيد الجيش فى ليبيا، عبر تشكيل مجلس أعلى يتكون من رئيس المجلس الرئاسى الليبى ورئيس البرلمان عقيلة صالح، والمشير خليفة حفتر، ثم العمل على دمج الميليشيات فى الغرب مع هذا الجيش، وبعدها تبدأ العملية السياسية فى ليبيا بإقرار الدستور وانتخابات جديدة للبرلمان.

لكن بالتأكيد طرح هذه الحلول من القاهرة والأطراف العربية لمبادرات للصلح فى ليبيا، لن ترضى عنه القوى الأخرى التى تطمع فى ليبيا وتريد مزيدا من عدم الاستقرار وحالة الفوضى، التى يعانى من ويلاتها الشعب الليبى المشتت بين العواصم فى الخارج ويعيش حالة رعب فى الداخل من المصير المجهول، كما أن هذا الوضع يهدد الأمن القومى لجيران ليبيا (مصر وتونس والجزائر) التى يعنى استمرار بؤر الميليشيات المسلحة خطرا ممتدا على حدودها.