بعد 25 عاما على "عربة بطاطس".. "أم أميرة" تتضامن مع الفقراء ضد القيمة المضافة

تقارير وحوارات

أم أميرة بجانب عربتها
أم أميرة بجانب عربتها




عربة بيع طعام مقيدة بـ"السلاسل الحديدية" ما من أحدٍ يمر بجانبها إلا وأن يلتفت باتجاهها مستغربًا ومتسائلًا عن سبب غياب صاحبتها ليستكمل السير ويسأل أول شخص يلتقي به: "فين أم أميرة هي خصلت شغلها ولا مفتحتش لأنها تعبانة؟"، مستبعدين تمامًا أن تكون قد اتخذت قرارًا بالرحيل والابتعاد عن هذه المهنة، خوفًا من أن تكون شريكة في كيهم بنار الغلاء.




حينما ذهبنا إلى "أم أميرة"، صاحبة أشهر عربة لبيع ساندويتشات البطاطس، في منطقة وسط البلد، كان هذا الحال، فتصادفنا منذ اللحظة الأولى لتواجدنا في ذلك الشارع الصغير المتفرع من ميدان التحرير، أربعة أطفال مرتدين زي المدرسة، متجهين إلى عربة "أم أميرة"، وحينما تفاجأوا بعدم وجودها، ارتسمت ملامح خيبة الأمل على وجوههم، فغالبًا كانوا يشتهون ذلك الساندويتش اللذيذ ذو السعر البسيط.


في هذه اللحظة خرجت لنا "أم أميرة" من المنزل المواجه للعربة، بوجهها ذو البشرة السمراء، والوجه المرسوم عليه ملامح الرضا بالمقسوم والحزن على ما آلت إليه أوضاعها، لتجلس معنا وتروي تفاصيل قرارها الذي اتخذته منذ الخميس الماضي.

وتبدأ "أم أميرة"، حديثها بعد أن لمحت الأطفال يراقبون عربتها آملين أن تعود للعمل، بنظرة حزن قالت: "دول اتربوا على ساندويتشاتي.. طلاب المدارس جم قالولي اشتغلي وهنساعدك عايزيني أرجع  بس مش هينفع".

وأضافت: "مصدر رزقي استغنيت عنه لأني مكنتش عايزة أغلي على الناس.. كنت بأشتري كارتونة البطاطس بـ25 جنيه زادت لحد ما وصلت 50.. حرام عليا أغلي السعر مرتين في شهر واحد".

واستكملت: "بدأت أبيع الساندويتش بنص جنيه وفضلت الدنيا تغلى لحد ما وصل الساندويتش 2 جنيه ونص الشهر اللى فات.. الزيت غلي وأنبوبة البوتاجاز والبطاطس زاد سعرها الضعف.. لازم نحارب جشع التجار بالامتناع عن الشراء منهم".






25 عامًا هو عُمر عربة أم أميرة، التي كانت تعمل عليها من الثالثة فجرًا ولمدة 12 ساعة، والتي أصبحت مقيدة بـ"الجنزير"، وخاوية من أي محتويات، والتي شهدت على أحداث كثيرة كان أهمها ثورة 25 يناير، حيث تناول منها معظم من شاركوا في الثورة، واختبئوا خلفها جميعهم في أوقات الاشتباكات حتى أفراد الشرطة، بحسب ما روت لنا عن ما تذكرته من أيام الثورة، قائلة: "الأيام دي كانت جميلة كنا عارفين مين معانا ومين ضدنا.. دلوقتي محدش عارف مين مع مين ومين ضد مين!".


اتخذت "أم أميرة" قرارها دون أن تدرس ما ستفعله بالغد حتى تعوض مصدر رزقها الذي فقدته بسبب الغلاء وجشع التجار، ودون أن تفكر في ابنتها "بسمة" التي تدرس في المرحلة الثانوية، فعلى الرغم من احتياجها لمصروفات ابنتها ومعيشتهم، بعد أن توفى زوجها المريض بالقلب وابنتها الثانية، خلال العامين الماضيين، إلا أنها اتخذت هذا القرار الإنساني والنابع من حبها لزبائنها الذين تعتبرهم أصدقاء وأبناء لها ورفضًا من أن تكون شريكة للتجار في جشعهم ضد البسطاء، فاختارت أن تكتوي بنار الاحتياج والفقر وحدها دون أن تمس الآخرين.


وتقول: "لو أعرف إن التاجر بينهب وأكمل معاه يبقى حرام.. مفروض يكون في مراقبة على التجار.. عندي بنت واحدة والظروف صعبة فمابالك باللي عنده اتنين وتلاتة.. الزبون بييجي يشتكيلي من معاناته واللي أودامي موظف غلبان مقدرش أرفع عيني وأزود عليه".


وتابعت: "أنا على الأقل بأشتغل وآخر النهار ربنا بيرزقني بالجنيه.. في ناس مش بتلاقي وياريت الحكومة تراعي الشعب.. ولازم الرئيس السيسي يبص علينا وناس تبلغه بحالنا احنا بقينا ناكل في بعض"، متسائلة باستنكار شديد: "بيعجبهم التسول وإن الناس تمد إيدها؟!".






ووضعها سؤالنا حول مصيرها وابنتها خلال الأيام القادمة في حيرة شديدة، حيث لم تدرس ما ستفعله، وبات المستقبل غامضًا بالنسبة لها، وبصوت مخنوق قالت: "على الله.. ربنا يبعت الفرج من عنده ومقدرش أغير شغلتي لأن بعد ربنا هي سندي ومصدر لقمة عيشي.. لازم التجار يكونوا عندهم ضمير ولو لاقيت تاجر كويس هشتغل تاني"