مي سمير تكتب: العرب.. الإرهاب.. التحالفات.. 3 ورقات تحسم السباق بين «كلينتون» و«ترامب» فى الانتخابات الأمريكية

مقالات الرأي



فى صراع الديوك لدخول البيت الأبيض (2)

■ «هيلارى» تستغل تصريحات المرشح الجمهورى المعادية للعرب فى مغازلة الناخبين المسلمين

■  توقعات بانسحاب أمريكا من اتفاقية «الشراكة التجارية العابرة للمحيط الهادئ».. ودخول العلاقات مع الصين«نفقا مظلما» حال فوز «ترامب»

■  شبهة تمويل الجماعات الإرهابية تلاحق «كلينتون».. والعلاقات المتوترة مع الرئيس الروسى تصب فى صالح «ترامب»


نشرت « الفجر» الأسبوع الماضى تفاصيل لقاء السيسى بالمرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهما الجمهورى «دونالد ترامب»، والديمقراطية «هيلارى كلينتون»، وذلك على هامش فعاليات الدورة الـ71 لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وركزت هذه الحلقة على موقف المرشحين الاثنين من مصر، ومستقبل العلاقات الأمريكية المصرية حال وصول أى منهما إلى كرسى الرئاسة.

وفى الحلقة الثانية من كواليس الصراع بين «ترامب» و«هيلارى» التى بدت بشكل واضح فى أول مناظرة بينهما، تركز «الفجر» على موقف كل منهما من دول العالم العربى والإسلامى، وكذلك من الدول الأوروبية، لاسيما فى ضوء اختلاف موقف كل مرشح من قضايا الشرق الأوسط، والتحالف مع دول العالم لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن التحالفات الدولية التى تصب فى النهاية لصالح السياسة الأمريكية.


1- العالم الإسلامى

بحسب جريدة «وول ستريت» الأمريكية، غيرت أحداث 11 سبتمبر نظرة العديد من المواطنين الأمريكان للدول العربية، وما ترتب عليها من معاناة العرب والمسلمين فى الدول الأوروبية الأخرى من نظرات الشك والعنصرية على مدار السنوات الأخيرة.

وزاد الوضع تعقيداً مع ظهور تنظيم «داعش» الإرهابى وتدفق موجات المهاجرين العرب والمسلمين إلى العالم الغربى، مما زاد من حدة التوتر فى ظل انقسام الرأي بين المطالبة بإعادة النظر فى سياسة أمريكا فى المنطقة من جهة، والدعوة لمزيد من التعاون مع دول المنطقة من جهة أخرى.

مع بداية حملته الانتخابية، فاجأ «ترامب» العالم بتصريحات معادية للمسلمين بعدما دعا لحظر كامل وشامل لدخول المسلمين الولايات المتحدة، بل طالب بمنع كل المسلمين من عبور الحدود الأمريكية، ولقت هذه الدعوة صداها عند الناخبين الجمهوريين المتشددين، ولكنها فى نفس الوقت ألقت «ترامب» فى بحر من الانتقادات اللاذعة، لأنها تصريحات «عنصرية» نالت من شعوب العشرات من الدول الإسلامية التى تربطها علاقات وطيدة بالولايات المتحدة.  

المرشح الجمهورى نفسه لديه العديد من الشراكات الاقتصادية مع الدول العربية، ورغم ذلك لم يتراجع «ترامب» عن تصريحاته بشكل كلى، ولكنه سعى إلى تجميلها، ففى أحد حواراته التليفزيونية أعلن صراحة أنه سيمنع دخول المواطنين القادمين من دول يمكن وصفها بـ«دول الإرهاب»، مضيفاً: إنه سيعمل على تطبيق نظام من التدقيق الشديد للمسلمين الراغبين فى دخول أمريكا.

مثل هذا الموقف يشير إلى أن العلاقة بين «ترامب» والعالم الإسلامى سوف تشهد توترا كبيرا، وسيكون من المستبعد قيام المرشح الجمهورى بجولة فى الدول الإسلامية، على غرار جولة أوباما الشهيرة، حال وصوله للبيت الأبيض.

تبنت هيلارى هذه التصريحات فى مغازلة الناخبين المسلمين الأمريكان الذين انحازوا لصف كلينتون، وترى «هيلارى» أن مثل هذه التصريحات أعطت الفرصة لتنظيم مثل «داعش»، لكى يستغلها فى تجنيد مزيد من الإرهابيين، لكنها لم توضح حتى الآن سياسة واضحة تجاه العالم الإسلامى فى ظل المشهد المعقد، لاسيما مع كثرة التفجيرات التى شهدتها دول أوروبية عديدة مثل فرنسا.

لكن من المتوقع أن هيلارى ستتبنى نفس السياسات الخارجية لـ«بارك أوباما» التى كانت سبباً فى توتر علاقة أمريكا مع كثير من دول العالم العربى والإسلامى.


2- روسيا

الاختلافات بين المرشحة الديمقراطية والمرشح الجمهورى ظهرت فى موقف كل منهما من دول العالم وبالأخص روسيا، حيث يؤمن «دونالد ترامب» بأهمية التخفيف من حدة التوتر بين أمريكا وروسيا، ويرى ضرورة التحالف بين الدولتين، لذا فإنه يتبنى سياسة تدعو إلى التصالح مع بوتين الذى وصفه بـ«الرئيس القوى».

وتشير أغلب التحليلات الصحفية إلى أنه فى حالة وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض، سيكون هناك فصل جديد فى العلاقات الأمريكية ــ الروسية التى سوف تشهد مع  المرشح الجمهورى مزيداً من الإيجابية والتعاون، خاصة على صعيد التنسيق فى القضايا الدولية وبالتحديد فيما يتعلق بالشرق الأوسط. 

وما يؤكد ذلك تصريحات «ترامب» بأن روسيا تتمتع بقدرات على التدخل فى الشرق الأوسط وتتحرك بفعالية أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.

على الناحية الأخرى، فمن المتوقع استمرار الجفاء الروسى ــ الأمريكى فى حالة وصول «هيلارى» للبيت الأبيض، خاصة أن العلاقة بينها والرئيس الروسى منذ أن كانت وزيرة للخارجية الأمريكية ليست «جيدة»، خاصة أن «هيلارى» وصفته بأنه شخصية صعبة يريد أن يأخذ فقط دون أن يعطى شيئا، وكانت العلاقات بين هيلارى وبوتين قد شهدت توترا بدأ مع عام 2011 مع اشتعال المظاهرات فى روسيا ضد بوتين، فما كان من هيلارى التى كانت تشغل فى ذلك الوقت منصب وزيرة الخارجية سوى أن صرحت، قائلة بأن الانتخابات الأخيرة كانت مضللة وغير نزيهة، الأمر الذى أثار حفيظة الرئيس الروسى الذى اعتبر هذا التصريح بمثابة تدخل غير مقبول، كما أنه يعكس تورطا أمريكيا فى إشعال مثل هذه المظاهرات، ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات بين هيلارى وبوتين ليست طيبة، ومن المتوقع ان يستمر التوتر بينهما فى حال وصول هيلارى إلى البيت الأبيض،  وتقف المرشحة الديمقراطية على النقيض من بوتين فى العديد من القضايا لعل أهمها القضية السورية، فقد اتهم بوتين هيلارى بشكل مباشر بأنها تدعم الجماعات المسلحة المتطرفة فى سوريا، وأن الدعم الأمريكى لمثل هذه الجماعات هو الذى ساهم فى تعقيد المشهد السورى.

وكانت هيلارى كلينتون قد تعرضت لانتقادات واسعة عندما كانت تتولى منصب وزيرة الخارجية، وتم اتهامها بأنها تمول التنظيمات الإرهابية فى سوريا، وتنسق عمليات نقل الأسلحة من  ليبيا بعد سقوط القذافى إلى سوريا.


3- الصين

أما فيما يتعلق بالصين فقد جمعتها بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة «معقدة» على مدار السنوات الماضية، خاصة فى ظل التنافس الاقتصادى بين الدولتين، وحرص كل منهما على توسيع نفوذها فى مختلف دول العالم، وكانت الصين قد أعطت أمريكا صفعة اقتصادية قوية فى القارة الإفريقية على سبيل المثال عندما أصبحت الشريك التجارى رقم واحد لإفريقيا وحلت محل أمريكا، وهناك خلافات أمريكية ــ صينية بشأن قضايا متعلقة بالسياسة الخارجية وقوانين التجارة الدولية. 

فى السنوات الأخيرة تبنت الولايات المتحدة سياسية جديدة فى التعامل مع الصين، حيث توقفت واشنطن عن محاولاتها لفرض عقوبات على الصين، غير أن «ترامب» هاجم الصين فى العديد من خطبه ووصفها بأنها أكبر منافسة للولايات المتحدة الأمريكية خاصة فى المجال الاقتصادى، وأشار بشكل صريح إلى أنه سيعمل على منع تلاعب الصين بالعملة، وهدد الحكومة الصينية بفرض رسومات مرتفعة على منتجاتها إذا لم توافق على إعادة كتابة اتفاقيات التجارة.

كما أشار إلى انه سيعمل على توسيع التواجد العسكرى الأمريكى فى بحر الصين الجنوبى الذى تفرض الصين نفوذها عليه، مما قد يهدد بتوترات أمريكية صينية قادمة، خاصة أن الصين لا تتعامل بمرونة مع أى محاولة لتهديد سيطرتها على بحر الصين الجنوبى. 

وأكد المرشح الجمهورى أنه سيعمل على تغليظ قوانين حماية حقوق الملكية، للتصدى للمنتجات الصينية فى محاولة لمحاربة تصاعد الصادرات الصينية، ومن المنتظر فى حالة وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض أن تنسحب أمريكا من اتفاقية الشراكة التجارية العابرة للمحيط الهادئ والتى وقعتها  الولايات المتحدة مع اليابان وعشر دول أخرى.

من جانبها، تنتقد هيلارى كلينتون هى الأخرى «الصين» خاصة فيما يتعلق بسجلها فى حقوق الإنسان، ووصفت العلاقات الأمريكية ــ الصينية بأنها واحدة من أهم التحديات التي تواجه أمريكا، وعلى العكس من «ترامب» الذى يهاجم السياسيات الاقتصادية الصينية، أشارت هيلارى كلينتون إلى أن الصين تتمتع بعلاقات إيجابية، متفاهمة، متعاونة مع أمريكا.


4- أوروبا

حرص «ترامب» على انتقاد قادة الدول الأوروبية لعدم قيامهم بدور فى مكافحة تدفق الإرهابيين عبر حدودهم، لافتاً إلى أن العمليات الإرهابية التى تعرضت لها كل من فرنسا وبلجيكا مؤخراً ترجع فى المقام الأول إلى عدم وجود قوانين كافية تسمح للسلطات الفرنسية أو البلجيكية بمنع وقوع مثل هذه العمليات من الأساس. 

وإذا كان رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون قد هاجم ترامب بشدة على خلفية مثل هذه الاتهامات، فإن قادة أوروبا المستقبليين قد يجدون فى «ترامب» حليفا يتبنى نفس وجهات النظر المعادية للمهاجرين، خاصة فى ظل التحليلات التى تشير إلى أن اليمين المتطرف يكتسب أرضية واسعة فى أوروبا.  

فيما تشهد دول الاتحاد الأوروبى تصاعدا ملحوظا لتيارات اليمين المتطرف ومثل هذه التيارات تلتقى فى طريقة تفكيرها مع المرشح الجمهورى، لكن صعود اليمين المتطرف واكتسابه أرضية لا يعنى أن العلاقات الأمريكية ــ الأوروبية سوف تشهد تحسنا أكيدا فى حالة وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض، خاصة فى ظل تصريحاته المتعلقة بضرروة دفع الدول الأوروبية أموالا للجيش الأمريكى فى مقابل ما يقدمه من خدمات عسكرية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.  

ووفقاً لذلك، فإن العلاقات الأوروبية الأمريكية حال وصول «ترامب» قد تشهد توترا حتى لو نجحت بعض الأحزاب اليمينية فى الوصول للحكم.

على النقيض، فإن هيلارى كلينتون دائماً ما تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تتعاون مع أوروبا من أجل تحسين فورى و«درامتيكى» للتعاون الاستخباراتى وتنسيق جهود مكافحة الإرهاب.

 وتتحدث هيلارى كلينتون بشكل مستمر عن أهمية دعم حلفاء الولايات المتحدة فى أوروبا، على العكس من «ترامب» الدائم الهجوم على دول الاتحاد.  

وتتميز هيلارى عن «دونالد ترامب» بأنها تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع مختلف قادة الدول الأوروبية وأثناء عملها كوزيرة للخارجية الأمريكية قامت بـ50 زيارة لأوروبا، ما سيساعدها حال وصولها إلى البيت الأبيض فى توطيد العلاقات الأمريكية الأوروبية.


5- الجماعات الإرهابية

ولا يقتصر الإرهاب على تنظيم «داعش» الذى يحتل حالياً بؤرة الاهتمام الدولى، فالجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة تشكل تهديدا حقيقيا للعالم فى ظل انتشارها، ولاشك أن الحرب الأمريكية على الإرهاب التي بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بالغزو الأمريكى لأفغانستان، لم تسفر سوى عن مزيد من التوسع للتنظيمات الإرهابية، ولا يقتصر الأمر على ظهور تنظيم «داعش» فى العراق والذى يعد أكثر التنظيمات الإرهابية دموية، ولكن تنظيم القاعدة، على سبيل المثال، والذى كان بمثابة الهدف الأول الذى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء عليه فى حربها على الإرهاب، قد أصبح تنظيما متعدد الأذرع مع تأسيس فروع له فى شبه الجزيرة العربية، وفى شمال إفريقيا.

 هذا إلى جانب تنظيم «بوكو حرام» فى نيجيريا والذي كان يعد فرعا لتنظيم القاعدة فى قلب القارة الإفريقية قبل أن يعلن مؤخرا انضمامه لداعش.

أجندة كل من ترامب وهيلارى فى التعامل مع الإرهاب سوف تعكس بالتأكيد الاستراتيجية الأمريكية المستقبلية فى التصدى للتنظيمات الإرهابية، وقد أكد المرشح الجمهورى فى العديد من المناسبات ضرروة التعاون مع القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر فى مواجهة الإرهاب، لذا فمن المتوقع أن يشهد التعاون الاستخباراتى والأمنى بين مصر وأمريكا ازدهارا من جديد فى مواجهة قضايا الإرهاب الدولى كما كان الوضع فى عهد الرئيس الأمريكى السابق بوش الابن.  

أما فيما يتعلق بهيلارى كلينتون، فقد انشغلت، بحسب تقرير لشيكاجو تربيون عن سياسات مرشحى الرئاسة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، بمهاجمة «ترامب» دون أن تقدم استراتيجية واضحة لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وركزت «هيلارى» عند حديثها عن قضية مكافحة الإرهاب  على اتهام ترامب بأنه استراتيجية تصب فى مصلحة التنظيمات الإرهابية التى تستخدم تصريحاته من أجل تجنيد مزيد من الأعضاء الجدد، دون أن تقدم رؤية واضحة فى برنامجها عن وسائل مكافحة الإرهاب.

تبقى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كان يرأسها جمهورى أو يقبع ديمقراطى فى البيت الأبيض، لا تطبق سوى سياسة خارجية واحدة لا تتغير، ألا وهى سياسة «المصالح الأمريكية والدفاع عن أحلام وطموحات أمريكا»،  ولكن المؤكد أن الرئيس الأمريكى القادم سيكون عليه التعامل مع تركة ثقيلة تركها «باراك أوباما» الذى تبنى سياسة خارجية أثارت العديد من المشاكل خاصة بين الولايات المتحدة وحلفائها فى منطقة الشرق الأوسط.