محطات «الهجرة إلى الموت» بالإسكندرية

العدد الأسبوعي

مركب هجرة غير شرعية
مركب هجرة غير شرعية - أرشيفية


العجمى والمكس والدخيلة وأبى قير

■ أحد محامى «نخنوخ» أشهر سماسرة الموت.. وزملاؤه يغسلون أموالهم فى المقاولات وشراء الأراضى

■ تجار الموت يواجهون الحبس من سنة لـ3 سنوات إذا فشلت الرحلة.. ولا عقوبة إذا غرق الضحايا


محاولة الشباب الهروب إلى نعيم أوروبا هرباً من الأوضاع الاقتصادية القاسية، رحلة يحيط بها الموت من كل جانب، وتلفها السرية فى جميع تفاصيلها بداية من البحث عن سمسار هجرة، إلى التعرض للموت الذى يضع نهاية حزينة لحياة شباب جريمتهم الوحيدة أنهم حاولوا إنقاذ أنفسهم وأسرهم من الفقر.

ولأن البحر وحده هو الذى يحول بين الشباب وجنة أوروبا حيث العمل والثروة المحتملة، تصبح المدن الساحلية هى المكان المفضل لبدء رحلة الموت والأمل، وهناك 4 بؤر للهجرة غير الشرعية بمدينة الإسكندرية، هى «العجمى، الدخيلة، المكس» و«أبى قير» باتت مصدراً لأخبار ضبط مخابرات «حرس الحدود» وغيرها من أجهزة الأمن، محاولات للهجرة غير الشرعية بواقع مرة على أقل تقدير، شهرياً، تضم بجانب المصريين جنسيات أخرى بينها سوريون، وفلسطينيون، وأفارقة.

وتعتبر تلك «البؤر» أهم 4 نقاط انطلاق لرحلات الهجرة غير الشرعية، من شواطئ المدينة الساحلية للسواحل الإيطالية، بسبب العزوف عن الهجرة لليونان، بعد أزمتها الاقتصادية الأخيرة، وينتشر بالمناطق الأربع وسطاء وسماسرة الهجرة الذين يعملون فى مهنة الصيد وتأجير الشقق المفروشة، والذين يتم الاتفاق معهم خلال جلسة على أحد مقاهى المنطقة على تفاصيل الرحلة وتكاليفها.

ويختلف دور الوسيط عن السمسار، ويقتصر دوره على تسهيل الاتفاق بين الراغب فى السفر والسمسار، دون الكشف عن هوية الأخير أو رقم هاتفه رغم أن الرقم عادة ما يكون من الأرقام غير المسجلة بشركات الاتصالات، أو مسجلة ببطاقات لأشخاص موتى وأحياناً باسم أشخاص غير موجودين بمصر نهائياً، وذلك خشية الملاحقة الأمنية.

ويتم الكشف عن السمسار قبل بدء انطلاق الرحلة، ساعات ويحصل الوسيط، على عمولة من 3 إلى 5 آلاف جنيه عن الفرد الواحد، ومقابل كل 10 أفراد فى الرحلة يحصل الوسيط على 10 % من المبلغ الذى يدفعونه، وتبلغ تكلفة الرحلة للفرد من 30 إلى 40 ألف جنيه للمصريين، وللأجانب من السوريين والفلسطينيين نحو 3 آلاف إلى 4 آلاف دولار.

ويتم دفع المبلغ على مرحلتين، نصف المبلغ عند الاتفاق، والباقى على المركب الذى يحمل الحالمين بجنة أوروبا حيث يكتب كل منهم إيصال أمانة أو شيكا بنصف المبلغ ويسلمه للسمسار قبل تحرك المركب، على أن يسدد أقارب الشاب المهاجر المبلغ للسمسار، بعد وصول ابنهم إلى إيطاليا خلال مدة لا تتجاوز شهراً، بعد أن يبلغهم المسافر بوصوله.

والمفاجأة أن مجموعة من أشهر المحامين، بالإسكندرية يتعاونون مع هؤلاء السماسرة فى عمليات تحصيل الشيكات وإيصالات الأمانة، وقبل انطلاق الرحلة فى مراكب الموت، يجبر السماسرة المهاجرين، على التخلى عن أى أوراق رسمية تكشف هوياتهم، بزعم أن ذلك يسهل حصولهم على اللجوء وعدم ترحيلهم فيما بعد.

تفاصيل رحلة الهجرة الأشبه بالسير وسط مدينة يسكنها الأشباح، تبدأ عقب حصول الوسيط على نصف المبلغ المتفق عليه وتسليمه للسمسار صاحب المركب وقائد الرحلة، بعدها يتم الانتظار لاستكمال باقى العدد المطلوب للقيام بالرحلة، الذين لا يقل عددهم عن 100 فرد، ما يستغرق نحو أسبوعين إلى شهر على أقصى تقدير، وقبل انطلاق الرحلة بيومين أو 4 أيام، يطلب الوسيط من الشباب التجمع فى مكان، عادة ما يكون مقهى أو كافيتريا، ثم ينقلهم ميكروباص، دون أن يحق لهم السؤال عن الجهة التى سيذهبون إليها، ويتم تسكينهم فى شقق مفروشة، قرب منطقة انطلاق الرحلة، وهى المرحلة التى يطلق عليها السماسرة اسم «التخزين» مع التشديد عليهم بعدم الخروج من الشقة، أو فتح النوافذ أو الاختلاط بالجيران، ويطلب منهم الاستعداد فى أى لحظة للسفر.

فى منتصف الليل عادة، يحضر «الوسيط- السمسار» ويطلب من الجميع، جمع أغراضهم، والاستعداد لمغادرة الشقة خلال نصف ساعة، استعدادا لبدء «رحلة الموت» حيث يحملهم ميكروباص، لنقطة الانطلاق، مع أوامر مشددة منه قبل ركوب مراكب الصيد، بتسليم أوراقهم الشخصية أو تمزيقها أمامه، والتنبيه عليهم بالصمت التام، وعدم إشعال السجائر أو أى مصدر إضاءة، لعدم لفت انتباه قوات حرس الحدود.

بعدها يبدأ انطلاق الرحلة، فى سكون الليل، وسط أجواء من الرعب، تستمر عدة ساعات للخروج من المياه الإقليمية، نحو 12 ميلاً، بعدها يبدأ فاصل جديد من «الرعب» وهى مرحلة الانتقال من لنشات الصيد الصغيرة لـ«لنش» صيد أكبر بمحرك، أو مركب صيد كبير لاستكمال باقى الرحلة للمياه الدولية، وهو الجزء الأخطر فى الرحلة، والتى عادة ما تشهد سقوط ضحايا خلال رحلة القفز من مركب لآخر، بسبب سوء الأحوال الجوية من جهة، ولتعرض المركب للغرق بسبب الحمولة الزائدة من جهة أخرى، وهو مايلفت أنظار حرس الحدود وقد يتم القبض على المركب وركابه.

وبحسب أحد الشاب الذى نجا من إحدى رحلات الموت، فإن النيابة العامة وقتئذ وجهت للوسيط والسمسار تهمة «النصب» بناء على أقواله ومن نجا من الموت، وهى جنحة عقوبتها القصوى السجن 3 سنوات، وتهمة القتل الخطأ، بعد أن اتضح أن المراكب غير صالحة للاستخدام، فيما تم إخلاء سبيل الشباب، لأن الشروع فى الهجرة غير الشرعية، ليست جريمة فى القانون المصرى، قبل إقرار التعديلات الأخيرة بواسطة مجلس النواب، حيث تم وضع عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات على أقصى تقدير.

واكتشف عدد من الضحايا أن من يتولى الدفاع عن قائد الرحلة والسماسرة، محام شهير، سبق له الدفاع عن صبرى نخنوخ، منذ عدة أعوام، والذى يحصل على نصف مليون جنيه على الأقل مقابل الدفاع عن سماسرة ووسطاء الهجرة غير الشرعية، واستطاع الحصول لعدد منهم على أحكام بالبراءة استناداً لتناقض أقوال الشهود.

بحسب مصدر أمنى، فإن الوضع للمصريين حال فشل محاولات الهجرة غير الشرعية، يختلف عن حالات «السوريين والفلسطينيين» الذين يكون أمامهم اختياران إما العودة إلى بلادهم أو اختيار بلد آخر يتوجهون إليه، وعادة ما يفضل السوريون السفر إلى تركيا- بحسب اتفاقية جنيف الخاصة بحقوق الإنسان- والتى تمنع ترحيل اللاجئين إلى الأماكن الخطرة التى تعانى من الحروب والنزاعات المسلحة، مثل سوريا.

وكشف المصدر أن مصر تعرضت لانتقادات دولية بسبب «السوريين» تحديداً عندما قامت بعض الجهات الأمنية، بترحيل بعضهم إلى بلادهم، حيث أدانت منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، هذا التصرف، ما سبب أزمة دولية لمصر فى سبتمبر الماضى، حيث تم اتهامها بمخالفة اتفاقية 1969 الخاصة بشئون اللاجئين والتى تمنع الدول الموقعة، ومن بينها مصر، من ترحيل اللاجئين أو منع دخولهم لأراضيها.

وتطرقت رسالة دكتوراه تعود لعام 2012 عن «الهجرة غير المشروعة» بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، للعميد حسن الإمام، رئيس مباحث الأموال العامة بمديرية أمن الإسكندرية حالياً، لكافة الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التى تدفع الشباب فى مصر، للهجرة غير الشرعية، وانتقدت قصور الدستور والمشرع المصرى والجهات الإدارية عموماً، فى مسألة عدم تجريم تهريب البشر بشكل صريح فى القانون، رغم توقيع مصر على بروتوكول الاتفاقية الدولية لمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو والجريمة المنظمة وكذلك اتفاقية مواجهة الجريمة المنظمة، ورغم ذلك لم يجرمهم المشرع بالدستور المصرى، فى تناقض قانونى شديد الغرابة.

ولا يلزم البروتوكول الذى وقعت عليه مصر وعشرات الدول الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين، دول المقصد- أوروبا- بإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين، من الغرق أو الموت، عكس المواثيق الدولية لحماية حقوق الإنسان، ما يجعل حماية أرواح هؤلاء المهاجرين وإنقاذهم تخضع لطبيعة العلاقات السياسية بين البلدان، دون النظر لحماية أرواح المهاجرين فى المقام الأول.

وحذرت الدراسة من وضع مصر ضمن القائمة السوداءللدول الراعية للهجرة غير المشروعة لدول أوروبا، مع تزايد أعداد المهاجرين من مصر لتلك الدول، وإقامة دعاوى قضائية بالمحاكم الدولية ضد القاهرة تسمى «دعوى مسئولية دولية» بتهم الإضرار بأمن وسلامة تلك الدول، بسبب عدم وجود نص بالدستور والقانون المصرى لمنع وتجريم الهجرة غير المشروعة.

ما انتقده «الإمام» فى رسالة الدكتوراه أكده - مصدر قضائي- بانتقاده عدم وجود نص قانونى يجرم محاولة الهجرة غير الشرعية، حيث يتحول المهاجر إلى شاهد ضد السمسار والوسيط إذا تم إلقاء القبض عليه، ثم يتم إخلاء سبيله، أما إذا عاد لمصر «مرحلاً» عقب سفره بشكل غير مشروع، فيدفع غرامة 100 جنيه، لمخالفته قانون الجوازات المصرى-فيما يعاقب الوسيط والسمسار بعقوبتى «النصب والاحتيال» والتى تصل للحبس من سنة لثلاث سنوات، وبناء على أقوال الضحايا، وإذا مات بعض الضحايا أثناء محاولة الهجرة، توجه له تهمة الشروع فى القتل الخطأ، وهى «جنحة» أيضا ونادراً ما تدرج «جناية» بسبب ألاعيب المحامين والقصور فى نصوص القانون نفسه.

الكارثة أن القانون المصرى لم ينص على مصادرة أموال سماسرة ووسطاء الهجرة غير الشرعية، رغم تضخم ثرواتهم، لأنهم ليسوا موظفين عموميين ولا ينطبق عليهم قانون الكسب غير المشروع حتى محاولة تطبيق قانون جريمة «غسيل الأموال» عليهم يصعب تطبيقها، رغم قيامهم بغسيل أموال تجارتهم فى مجالات البناء والمقاولات والتجارة للتهرب من مصادرة أموالهم.