قصر شامبليون.. تاريخ مصر المنهوب بأيدي ملياردير "الحزب الوطني".. (تحقيق بالصور)

تقارير وحوارات

قصر شامبليون
قصر شامبليون


 


 

أنشأه حفيد "محمد علي" ليهديه إلى زوجته.. ومفاجأة في رد فعلها

سرداب يصل إلى "نهر النيل" وآخر لـ"شارع قصر العيني"

ملياردير بـ"الحزب الوطني" يشتري القصر.. ووزير آثار النظام الأسبق يتواطأ معه

الحارس السابق للمبنى: رجل أعمال يقوم بـ"تسقيع" القصر لتحويله إلى مبنى استثماري


 

أبواب ونوافذ متهالكة، معظمها مفتوحًا ليطل الظلام الدامس المختبيء خلفها وعبق الماضي الذي يفوح شذاه، الأمر الذي يوحي للوهلة الأولى أنك أمام "بيتٌ للأشباح"، فتكون في حيرة لأمرك بين خوفك من ما قد تواجهه إذا اتخذت خطوة للدخول في هذا المكان المغلق بـ"السلاسل الحديدية"، أو المغامرة بالدخول فيه ومعرفة خباياه وأسراره.


 


 

وسط عشوائية القاهرة المعروفة وورش تصليح السيارات، تحديدًا في شارع شامبليون  بمنطقة وسط البلد، يختفي قصر سعيد حليم، حفيد محمد علي باشا المعروف بـ"شامبليون"، والذي يرجع تاريخ تشييده إلى أكثر من مائة عام حيث بني في عام 1896، على مساحة 445 مترًا تقريبًا.


 


 


 

حكاية القصر التاريخي

ولمن لم يعرف الأمير سعيد حليم، هو حفيد الأمير محمد عبد الحليم بن محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية بمصر، وتولى منصب رئاسة الوزراء في إسطنبول من عام 1913 إلى عام 1916، ثم اغتيل في روما سنة 1921.

وفي عام 1896 الأمير سعيد حليم، راودته فكرة تقديم هدية إلى زوجته، وبعد تفكير توصل إلى بناء قصر يليق أن يكون هدية لها، فعهد بتصميمه إلى المهندس المعمارى "أنطونيو لاشياك" الذي صمم عدداً كبيراً من القصور الملكية في مصر إضافة إلى تصميم منطقتي جاردن سيتي ووسط البلد.

بني القصر الذي رفضته زوجة الأمير، على الطراز الأوروبي، ليتكون من مبنى رئيسي وجناحين يضمان عدداً كبيراً من الغرف، ويربط بينهما سلم ضخم على كلا الجانبين و"كوبري علوي"، وفي أعلى القصر يوجد عدد من الغرف المصممة لإقامة الخدم، كما يشاع أنه يوجد به "سردابين" يصلان إلى كوبري قصر النيل ليخرج منه الأمير إلى النيل مباشرة لأخذ مركب والتنزه به، كما يصل الآخر إلى شارع قصر العيني.

وفى سنة 1914 أعلنت الحرب العالمية الأولى، وصادرت الحكومة أملاك الأمير باعتباره من رعايا دولة معادية، وفي رواية أخرى يقال أن الأمير سعيد وهب القصر إلى وزارة المعارف "التربية والتعليم حاليًا"،  التي حولته بدورها إلى مدرسة الناصرية، وفي الـ 10 سنوات الأخيرة تم إخلاء القصر بعد أن قام "ملياردير" بشرائه.


 


 

مغامرة تكشف المالك الحقيقي وأغراضه الخفية

"الفجر" ذهبت إلى القصر العملاق للوقوف على أسباب تشويهه ووصوله إلى هذه الحالة المُزرية، لنكشف أن القصر يمتلكه الآن رجل أعمال سكندري يدعى "رشاد عثمان"، وهو تاجر أخشاب يقيم بمحافظة الإسكندرية. 


 


 

ملياردير الحزب الوطني وتهديده لـ"حارس القصر"

بوصولنا في التاسعة صباحًا وجدنا الباب الرئيسي للقصر مغلقًا بـ"الجنزير"، وبسؤال أهالي المنطقة عن طريقة الدخول، قالوا إنه لابد أن ننتظر"عم بشير" حارس القصر، موضحين أن ميعاد وصوله يكون بعد الحادية عشر صباحًا.

انتظرنا عم "بشير" الذي جاء في الموعد وقام بفتح "القفل الحديدي" لباب القصر ودخل غرفة صغيرة بجانب الباب ليصطحب منها "كرسي حديدي" ويخرج به أمام بوابة القصر ليجلس عليه ويمارس  مهمته في حراسة القصر.

حاولنا الحديث مع عم بشير، الرجل الخمسيني ذو البشرة السمراء،  لنطلب منه الدخول إلى القصر ولكنه رفض بشكل شديد، قائلًا بلهجة حادة: "أنا لو دخلتكم هيتقطع عيشي.. قبل كده كنت بأدخل الناس وأسترزق لكن دلوقتي بقى فيها قطع عيش وأنا عندي عيال.. صاحب القصر اللي حذرني من دخول حد".

انقطع الأمل من دخولنا بوابة القصر بعد أن استأذنا "عم بشير" بالنهوض لأداء صلاة الظهر، ليذهب إلى البوابة ويغلق القفل مرة أخرى، وبعد تكرار الموقف مرة ثانية في يوم آخر ليكرر نفس الموقف بالنهوض إلى أداء الصلاة.


 


 

حكايات حول تاريخ القصر

وحينها لجأنا إلى أن نتجول في محيط القصر والتحدث مع جيرانه، حيث كشفوا أن صاحب القصر الحالي يقوم بـ"تسقيعه"، حيث أنه تركه مغلقًا منذ أكثر من 10 سنوات ليهيء للرأي العام والمسؤولين أنه "آيل للسقوط" ومن ثم يهدمه ليقوم ببناء مبنًا تجاريًا، مستغلاً موقعه الجغرافي.

ويقول أحمد رضا حسين، أحد سكان العمارة المواجهة للقصر، والذي يقيم في هذا المكان منذ عشرات السنين، إن المبنى تاريخيًا فبخلاف أنه يعود لأكثر من مائة عام إلا إنه كان مدرسًة تخرج منها عظماء من بينهم "مصطفى وعلي أمين"، وهي مدرسة "الناصرية الإعدادية".


 


 

كيف تبدل حال القصر؟

مع مرور الزمان أتت السنوات على كل ما يحتويه القصر من تماثيل وزخارف، فبالرغم من احتفاظها بنقوشها ودقتها، إلا أنّ جزءاً كبيراً منها قد سقط بفعل الإهمال وتراكم الأتربة على مرأى ومسمع من الجهات المعنية سواء كانت وزارة الآثار أو الحكومة بجهاتها المختلفة.


 


 

استكمال حالة الإنهيار

استغل أصحاب المحال التجارية وورش السيارات وحتى أصحاب "أكشاك البقالة" محيط القصر، فأصبحت تلتف حوله سلسلة من السيارات ليستغل أن يكون "جراج"، كما استغله البعض في إقامة "كشك" لبيع "الشيبسي والحاجة الساقعة"، فيما استغله أصحاب المقاهي لتوسيع نشاطهم، ووضع الكراسي والترابيزات بطول السور، وهذا بخلاف القمامة التي أدت إلى انهيار الباب المُطل على شارع شامبليون، وفي فترة الثورة استغله آخرين في وضع الملصقات الدعائية، مما شوه جدرانه بأكملها.


 


 


 

ملياردير الحزب الوطني و"تسقيع" القصر

ويقول "عم إبراهيم"، الحارس السابق للقصر حينما كان مدرسة، إن مبنى القصر كان مستشفى ثم تحول إلى مدرسة تابعة إلى وزارتي الآثار والتربية والتعليم، وبدوره اشتراه رجل الأعمال السكندري "رشاد عثمان" الملياردير وأحد رجال "الحزب الوطني"، لافتًا إلى أنه كان يستخدمه في بعض أنشطة الحزب.

وأضاف بأن السفارتين الأمريكية والألمانية تقدما بعرض لشرائه قيمته 200 مليون جنيه لإعادته كما كان ويستخدم كإستراحات لهما، إلا أنه رفض ذلك العرض الضخم، وهو بهدف "تسقيعه" وتحويله مشروعًا استثماريًا.

ونوه عم إبراهيم إلى أن أحد المباني أوشك على الانهيار لأنه مبني من الحجارة، بينما باقي المباني حالتها جيدة ولا تحتاج إلى اصلاحات كبيرة كما يروج البعض إلا أنها تحتاج فقط إلى بعض الاصلاحات الظاهرية كـ"الدهان"، مناشدًا وزارة الآثار بالاهتمام بالمبنى لقيمته التاريخية الكبيرة والحفاظ عليه.


 


 

رحلة نهب القصر بمساعدة "الآثار"

وحتى يستغل ملياردير الحزب الوطني السكندري القصر، وليتم إخلاء المدرسة قام بتسجيله كأثر، وهو ما تم بعد عامين من شرائه،  هذا ما كشفه عم إبراهيم.

وأضاف: "في 2005 بدأ المجلس الأعلى للآثار في اجراءات تحويل القصر إلى متحف أثري ليعد الأول من نوعه ليرصد تاريخ مدينة القاهرة على مر العصور.

ولفت إلى أنه في أثناء المفاوضات بين وزارة الثقافة والمالك الحالى لشرائه وتحويله إلى متحف، تدخلت وزارة الآثار ووضعت يدها على القصر باعتباره أثراً، لينتهي بذلك المشروع تماماً بعدما ربح رجل الأعمال السكندري القضية عام 2009 وأصبح المالك الرسمي للقصر.

واختتم بأن القصر سُجل بالمجلس الأعلى للآثار بناء على قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلستها في عام 2000 وعلى قرار مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بجلسته في العام نفسه بالموافقة على التسجيل.


 


 

مخالفة صريحة للقانون

يشير القانون إلى أن ترك المبنى على الحالة التى أصبح عليها يعد مخالفة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، حيث تنص المادة الأولى من القانون على: "يعد أثرًا كل عقار أو منقول متى توافرت فيه الشروط الآتية":

– أن يكون نتاجا للحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة أو نتاجا للفنون أو العلوم أو الآداب أو الأديان التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل مائة عام.

-أن يكون ذا قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارة المصرية أو غيرها من الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر.

-أن يكون الأثر قد أنتج أو نشأ على أرض مصر أو له صلة تاريخية بها.

كما نصت المادة الرابعة من القانون على أنه:

"المباني الأثرية، هي تلك التي سجلت بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة على العمل بهذا القانون أو التي يصدربتسجيلها قرار باعتبارها أثرا وفقا لأحكام هذا القانون".


 


 


 

"قصر شامبليون" من تحفة أثرية إلى خرابة و"بيت أشباح"