قصر "فؤاد سراج الدين".. تراث مصر الذي اشترته "الشيخة موزة" بـ 108 مليون جنيه (تحقيق بالصور)

تقارير وحوارات

قصر فؤاد باشا سراج
قصر فؤاد باشا سراج الدين



أنشأه اقتصادي ألماني توفي بعد أسبوع من إستلامه..واشتراه "سراج الدين" ليهديه لزوجته
بعد أن تغنت فيه أم كلثوم وزاره عبدالناصر.. الإفلاس يقود أحفاد "سراج الدين" لبيعه
مفاتيح القصر تخفيها "موزة".. وأحفاد "سراج الدين" يتناوبون عليه لاسترجاع ذكرياتهم 
أمن القصر: الشيخة موزة لم تزور القصر نهائياً... وتباشر ممتلكاتها من خلال السفارة القطرية




شامخًا متمسكًا بماضيه وتاريخه، يقبع قصر الباشا «فؤاد سراج الدين»،  في منطقة جاردن سيتي، والذي يعد من أقدم القصور التاريخية، الذي يحوي تحفًا ونوادر، مر عليها أكثر من 100 عام،  تقف أشجاره العتيقة والناجية من مجازر الإزالة، لتشهد على ما وصل إليه من حالة مؤسفة.  
 

قصر فؤاد باشا سراج الدين..القصر الذي غنّت فيه أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وزاره الرئيسين «عبد الناصر والسادات»، وصُوِر فيه أفلام سينمائية كـ«غروب وشروق»، وسارعت «الشيخة موزة» والدة أميرة قطر الكل لشرائه، تلك التحفة المعمارية التي اقتطعت جزء من تاريخ وتراث مصر، والتي يسعى حزب الوفد لاسترجاعها من جديد.







تاريخ القصر
يرجع تاريخ القصر الذي تجاوز عمره الـ100 عام عندّما شيده «كارل بيرليه»، الاقتصادى الألماني ذو الأصول الفرنسية، مؤسس بنك «كريدي ايجيبسيان» أول بنك للتمويل العقاري في مصر، والذي لعبت أصوله الألمانية دوراً في بنائه لقصر بناه على هيئة تحفة فنية، حيث شيد القصر على طراز «الجوتيك» الذي كان سائد حينها في كنائس ألمانيا القديمة.


قام كارل بيرليه بشراء أرضاً من شركة النيل للأراضي والزراعة في عام 1905 ولم يستطع إستكمال بنائه فقام بتكليف المهندس الإيطالي الجنسية «كارلو برامبوليني» بتصميم منزلاً ترى شرفاته النيل مكون من طابقين عدا البدروم، على هذه قطعة الأرض.


استعان وقتها كارلو بالحرفيين المهرة من الأرمن واليونان وإيطاليا لمعاونة العمال المصريين، واستجلب للقصر أفخر أنواع الرخام الإيطالي، وزَيّن نوافذه  بالزجاج المُعشّق، وبه مصعد أثري، ومدفأة من الرخام.







بعدما انتهى المهندس الإيطالي من تشييد القصر، سلمه لـ«كارل بيرليه» عام 1908، الذي مكث فيه أسبوعًا واحدًا حتى توفي نتيجة سكتة قلبية، لتستأجر ابنتاه القصر للسفارة الألمانية، فأصبحَ مهدًا لزيارات إمبراطور ألمانيا إلى مصر.


وفي عام 1914 أعلنت الحرب العالمية الأولى، ووضعت الحكومة «القصر» تحت الحراسة الجبرية، وبالتزامن مع خروج الألمان من مصر، ومع توقيع معاهدة «فرساي» عام 1919، رُفعت الحراسه عنه وتم بيعه لعائلة سويدية، حولتهُ فيما بعد إلى مدرسة داخلية لتنافس مدارس الميرديديية وهي المدارس المفضلة في وقتها لأبناء الطبقة العُليا في مصر، ولكن المشروع فشل.


وبعدها أثناء محاولة «سراج الدين باشا» شراء قصر ليهديه لزوجته «زكية هانم البدراوي» وقع إختياره على القصر وقام بشرائه عام 1930، وعاش فيه الإبن، «فؤاد سراج الدين» الذي قام بتغيير أثاث المنزل عندما تزوج وبدلها بمفروشات وموبيليات من محلات «كريجر» أشهر محلات الأثاث بالعاصمة الفرنسية باريس.


ولمن لا يعرف «فؤاد سراج الدين» هو القياديّ الحزبي الشهير بحزب الوفد، الذي تولىَ رئاسة وزارة الزراعة فى مارس 1942، والداخلية بعدها، ثم وزيرًا للاتصالات والمالية، وظل فؤاد قابع بالقصر حتى وفاته سنة 2000.


وبعدها حسب تصريحات أحفاد وأبناء سراج الدين أن القصر كان بيتاً للعائلة، يجتمعون فيه في المناسبات فقط، إلى أن تم بيعه للشيخة «موزة» منذ عام 2013.







حكايات من داخل القصر

لقد عاصر القصر حقبة تاريخية، ففيه تقاضت سيدة الغناء العربي «أم كلثوم» 30 جنيهاً مقابل غنائها بأحد حفلات العائلة، كما غنى فيه الكثير من المطربين كـ«عبد الحليم حافظ وعبد المطلب».

ويُعد القصر شاهد على العديد من الاجتماعات السياسية السرية الخاصة بتشكيل الحكومات في الفترة من 1940 إلى عام 1952، والشاهد على زيارات شخصيات بارزة على رأسها الزعيم سعد زغلول والنقراشى باشا ومصطفى النحاس باشا والملك فاروق لحضور اجتماعات سياسية.


وظهر القصر مرات عديدة على شاشات التليفزيون، حيث أن فؤاد باشا لم يمانع تصوير الأفلام السينمائية به، والتي كانت أشهرها فيلم غروب وشروق، وكتب أيضاً رواية عن القصر بقلم «سامية سراج الدين» حفيدة العائلة وهي رواية «بيت العائلة» التي تصف فيه الحياة في القصر. 






بيع جزء من التاريخ لـ«قطر»

وبحسب رواية مصطفى سراج الدين، أن العائلة كانت تعاني من ضيق مادي، حتى أنهم كانوا يواجهون صعوبة الحياة ببيع الأطقم الصيني الموجودة في القصر.

وبعد مرورهم بضائقة مادية قررت عائلة «فؤاد سراج الدين» بيع القصر، بالرغم من سوء العلاقات المصرية القطرية، استطاعت الشيخة «موزة» والدة أمير قطر أن تفوز بمعركة الحصول القصر الذي شهد على تاريخ مصر  بمبلغ 108 ملايين جنيه.




أغراض «قطر» من شراء القصر

«الفجر» ذهبت  إلى القصر التاريخي لمحاولة التوصل لأي معلومة حول سر إصرار الشيخة «موزة» على شراء القصر، لنكشف حجم الإهمال الذي يعاني منه.



عند وصولنا للقصر في شارع النباتات بجاردن سيتي، بمنطقة وسط البلد، وجدنا مبنًا كبيرًا ذو أبواب مغلقة تكسوه الأتربة وخيوط "العنكبوت".
 


 وبسؤال أفراد الأمن الموجودون بالمنطقة المليئة بالسفارات، أكدوا لنا أنه لا يمكن الدخول للقصر وأنه مؤمن بحراسة شابين وعجوزين تابعين لأحد شركات الأمن، بالتناوب فيما بينهم صباحاً ومساءاً.


وبالنظر إلى الحال الذي وصل له القصر من الخارج، وجدنا أشجارًا مقطوعة عمرها مئات السنين، ونوافذ معظمها متهالك، والقمامة تحيط به.



وأثناء محاولاتنا لدخول القصر، رفض المكلفين بحراسة القصر في فترة الصباح دخولنا، حيث قال عم إبراهيم: «إحنا منقدرش نفتح البوابة السفارة القطرية بين الحين والآخر ترسل مناديب للإطمنئان على حالة القصر».


وبسؤاله عن زيارة الشيخة موزة للقصر أو أي مسئولين قطريين، قال: «الشيخة موزة عمرها ما زارت القصر ولا أي مسئول قطري بخلاف مندوبين من السفارة».

وعن نواياهم يقول عم إبراهيم: منذ وجودنا بالحراسة من 3 سنوات ولم تظهر أي نوايا بهدم أو بيع القصر، فنحن نستيقظ وننام على حراسته، ومن يأتي من السفارة يطمئن على الأبواب والنوافذ من الخارج ويرحل، ولم يأتي أحد لشرائه أو ما خلاف ذلك.


وأشار أحمد، الشاب المكلف بالحراسة، إلى أن  أحفاد «فؤاد سراج الدين» كانوا قبل بيع القصر يتوافدون عليه يومياً من الخارج، بالتناوب فيما بينهم، للإطمئنان عليه، وبعد بيعه كل فترة يمر أحدهم لاسترجاع ذكرياتهم بالقصر.


وبسؤالهم عن محتويات القصر، أكدوا أن جميع الأثاث الذي كان موجود بالقصر انتقل مع أحفاد سراج الدين بعد بيعهم القصر للشيخة موزة، قائلين: «القصر فارغ من الأثاث، و من يوم بيعه ولم يفتح، ونحن ومندوبي السفارة لا نملك مفاتيح القصر من الداخل، فالمفاتيح مع الشيخة موزة حسب كلام مندوبي السفارة».






لماذا لم يسجل بـ"الآثار"؟

وبعد بيع القصر إنطلقت العديد من الدعوات التي طالبت وزارة الآثار بتسجيله ضمن القصور الأثرية لإسترجاعه من الشيخة موزة، ولكن الوزارة حاولت التملص من تلك الدعوات.

قال محمد عبد العزيز، معاون وزير الآثار بشئون الآثار الإسلامية والقبطية، إن القصر لم يتم تسجيله كأثر، حيث إن المباني التى يتم تسجيلها فى الآثار يكون لها معايير معينة، مضيفًا أنه إذا تم تسجيل أى مبنى فى الآثار، ثم بيع بعد ذلك أمر لا يخص الوزارة، ولكن ما يخصها هو عدم المساس بالمبنى على الإطلاق.

وأوضح معاون الوزير، فى تصريحات صحفية أن هناك فرقًا بين المباني الأثرية والتاريخية حيث تخضع الأخيرة لجهاز التنسيق الحضارى، الذى يخضع لقانون حماية المبانى الخاصة به، مثله مثل قانون حماية الآثار الخاص بالوزارة.

وأكد محمد عبد العزيز، أن من يقومم ببيع مبنى يخضع للآثار أو جهاز التنسيق الحضارى يبلغ الجهات المختصة بمالك المبنى الجديد، مشيرًا إلى أن كل من يمتلك مبنى يخضع لإحدى الجهتين لا يستطيع أن يقوم بهدمه أو بإضافة ملحق له أو البناء.


رفضت عائلة "سراج الدين" التعليق على ما سبق، حيث تهرب "فؤاد بدراوي" حفيده من الحديث، وتتساءل "الفجر" عن دور الحكومة ومسؤولي وزارة الآثار في الحفاظ على تاريخ الدولة.