القصة الكاملة للطيار النبيل عباس حليم

منوعات

بوابة الفجر


النبيل عباس حليم ، حفيد الأمير محمد عبدالحليم، أحد أبناء محمد على باشا، مؤسس الأسرة العلوية، من مواليد الإسكندرية عام 1897، كان طياراً، وخدم خلال الحرب العالمية الأولى فى صفوف القوات التركية، ثم القوات الألمانية .

وللأمير الراحل 3 أبناء منهم ( نيفين وألفت ) من توحيدة مدحت يكن باشا ، مؤسس فكرة بنك مصر مع طلعت حرب، سليلة أسرة الخديو إسماعيل، أكبرهم الأميرة نيفين التى تعيش حالياً ما بين لوزان فى سويسرا والإسكندرية ، والأميرة ألفت التى رحلت منذ أعوام ، والأمير محمد على ، الذى يعيش فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ قيام الثورة ، وهو من زوجة إنجليزية للنبيل .

يقول المؤرخ السكندرى محب فهمى : إن النبيل عباس حليم كان يلقب بـنسر الإسكندرية، وكان حبه للعمال والفلاحين والغلابة لم يكن له حدود ، فقد كان من رواد العمل النقابى وأحد أبرز مؤسسى النقابات العمالية ، خاصة نقابات عمال سيارات الشحن والأتوبيس ، وفى 17 ديسمبر 1930 عقد مجلس الاتحاد العام لنقابات عمال القطر المصرى ، جلسة مستعجلة حضرها داوود راتب ، وفى هذا الاجتماع تحدث سيد عزمى ، وقال : إن الاتحاد فى حاجة إلى زعامة وطنية مخلصة ، وإنه يرشح النبيل عباس حليم ، وحدث هرج فى الاجتماع ، لكن غالبية الحاضرين تمكنوا من صياغة محضر وجمعت التوقيعات عليه ثم توجهوا بالمحضر فى الفجر إلى قصر عباس حليم فى جاردن سيتى ، وهو حى الباشوات والسفارات وأثرياء مصر ، قابل عباس حليم وفد العمال وهم محمد إبراهيم زين الدين وسيد عزمى وكامل عزالدين ، وعرضوا عليه قرار توليه رئاسة الاتحاد  لم يفكر الرجل وكأنه كان فى انتظار أن يقود الاتحاد ،  فقبل رئاسة الاتحاد قائلاً : إن العمال أولى بهذه المساعدة .

هذا الأمر لم يعجب الملك فؤاد ، فأمر بوضعه فى السجن لأنه اعتبر ما يقوم به النبيل اشتغالاً بالسياسة ، وهو ما كان خارجاً على تقاليد العائلة الملكية ومخالفاً للقانون رقم 55 لسنة 1923 ، الذى يمنع انضمام النبلاء إلى أى تجمع معارض للنظام الملكى ، ولذلك جرده من لقب ( نبيل ) وأخرج من السجن بعد إضرابه عن الطعام ، لكنه ظل ( أفندى ) دون لقب ( النبيل ) حتى أعاده إليه الملك فاروق ، ورغم ذلك ظل يدافع عن العمال سراً ، وطالب الحكومة بزيادة رواتب ومعاشات العسكر وأفراد الشرطة ، التى كانت ضعيفة جداً آنذاك لكن الحكومة رفضت .

ويضيف ( محب ) : أن هذا الخلاف بين عباس حليم والملك فؤاد ، لم يكن الوحيد ، بل كانت هناك خلافات كثيرة ، منها أن النبيل عباس فى أكتوبر عام 1930 نشر بياناً طالب فيه الملك فؤاد بإعادة حزب الوفد إلى الوزارة حتى لا يدفع مصر إلى هاوية حرب أهلية ، ودفع النبيل ثمن اختلافه مع الملك فؤاد غالياً ، وألقى القبض عليه وحبس 14 يوماً بأمر القاضى ، بعد تحقيق دام 4 ساعات ، دخل سجن الأجانب ، لكنه اكتسب شعبية كبيرة وسط الشعب والعمال والبسطاء ، وبادر الوفد بإعلان تأييد عباس حليم بشكل عملى ، حيث طلب مكرم عبيد ، سكرتير عام الوفد ، مقابلة عباس فى السجن ، فأذنت له النيابة ، وتحولت المناسبة إلى مظاهرة وطنية ، أما العمال فقد تعددت مظاهراتهم وإضراباتهم احتجاجاً على اعتقال النبيل ، وكان أهمها إضراب سائقى سيارات الأجرة فى القاهرة ، واستمرت الاحتجاجات العمالية بدرجة أو بأخرى طوال فترة احتجاز عباس حليم فى السجن .

قرر له الرئيس جمال عبدالناصر معاشاً قدره خمسون جنيهاً ، فقال له الأمير :
( أنا متبرع بها للشعب ) ، ورفض صرفها ، لأنه اعتبر ذلك مهيناً له ليس فى قيمته بقدر أن تسلمه كان من البوستة، وعندما تولى الرئيس السادات الحكم لم ينس أن عباس حليم هو الذى أواه عندما كان هارباً أو سجيناً، حيث منحه المال والملبس، فقام برد الجميل لأولاده عندما توفى الأمير، فمكن الرئيس الراحل أنور السادات أولاده من دخول القصر بقرار جمهورى أيضاً، وعندما حاكمت الثورة عباس حليم بتهمة الخيانة كان الرئيس السادات فى المحاكمة فصدر ضد النبيل حكم بعشر سنوات مع إيقاف التنفيذ بفضل السادات، وبعد تولى السادات خصص له 350 جنيهاً شهرياً يصرفها بشيك وليس من البوستة مثل أيام عبدالناصر، وربما يفسر ذلك سر كراهيته لعبدالناصر وحبه للسادات الذى كان صديقاً له.

ورياضياً كان النبيل عباس ملاكماً وسباحاً ولاعب تنس ، كانت له جهود واضحة فى رعاية الرياضة فى مصر ، واستمر حتى أكتوبر 1930 رئيساً لنادى السيارات المصرى ، وكان يحب الصيد بشغف ، حيث كان يحتفظ فى قصره بمجموعة كبيرة من البنادق ، وكذلك الحيوانات المفترسة التى كان يصطادها محنطة بحجمها الكامل ، ويظهر دائماً بجوار الأسود فى الصور التى نشرت له ، لكن رغم هذا الحب الشديد للصيد توقف عن ممارسته بعد الثورة ، والذى لا يعرفه الكثيرون أن النبيل عباس حليم رأس نادى النجمة الحمراء ، الذى يعرف حالياً باسم النادى الأوليمبى ورأس اتحادات رياضية كثيرة .

توفيت زوجته الأولى ، الإنجليزية الأصل ، فى ظروف درامية ، وتزوج بعدها من ابنة مدحت يكن باشا ، وقد مكنته ثروتها من الاستغناء عن المبلغ السنوى الذى كان يدفعه له الملك فؤاد .