عادل حمودة يكتب: كبائر المقامر والعجوز الشمطاء فى الانتخابات الأمريكية

مقالات الرأي



■ ترامب يتصرف مع المرأة كعاهرة وكلينتون متهمة بتهديد عشيقات زوجها بالفضيحة

كلينتون:
■ تعرضت لانهيارات نفسية خلال رئاسة زوجها ضاعفت من تكرار حالات الإغماء عليها
■ مارست ضغوطاً أمنية ضد بولا جونز التى اتهمت زوجها بالتحرش وممارسة الجنس الشفوى

ترامب:
■ شركات السلاح وراء تصنيع دمية ترامب لتحقيق أرباح إضافية من سياسة تخفيض الضرائب التى يتبناها
■ أعلن الحرب على 5 ملايين مسلم فى أمريكا وتقليص عدد المساجد إلى الربع


فى لعبة البوكر.. يلجأ اللاعب المحترف الذى لا يملك كروتا رابحة إلى نوع من الغش يسمى البلف.. بأن يضاعف الرهان بجرأة وثبات إلى الحد الذى يشعر خصومه بقوة مدمرة فى أوراقه.. فينسحبون من أمامه خشية التورط فى مزيد من الخسارة .. دون أن يحق لهم كشف الخدعة.

وأكثر من يعرف هذه الحقيقة ملوك القمار فى العالم.. وعلى رأسهم دونالد ترامب.. فهم يمارسونها ليل نهار داخل قاعات اللعب وخارجها حتى أصبحت جزءا من شخصيتهم وسببا مباشرا لتكوين الثروات التى حققوها فى حياتهم.

يمتلك ترامب كازينو للقمار فى فندق يحمل اسم عائلته.. يناطح سحاب لاس فيجاس .. ويبرق من انعكاس شمسها الحارقة على مساحات الذهب التى تغطى واجهته.. ويمتلك أكبر كازينو للقمار فى مدينة أتلانتك القريبة من نيويورك.. أطلق عليه اسم تاج محل .

وقد انتقلت خبرته فى البوكر من اللعب على موائد الكازينوهات إلى اللعب على موائد الانتخابات.. وبتعوده على البلف أصبح بارعا فى استخدامه دون أن تضطرب ملامحه أو ينكشف ستره.. وبنفس الطريقة التى كسب بها الثروة والشهرة والجرأة يسعى للفوز بالسلطة.

لا ينتمى ترامب إلى عائلة عريقة مثل جون كيندى أو جورج بوش.. ولم يتخرج فى جامعة هارفارد مثل باراك أوباما.. ولم يكن حاكما لولاية مثل بيل كلينتون.. ولم يكن وزيرا سابقا مثل منافسته فى الانتخابات الرئاسية هيلارى ديان رودهام وشهرتها هيلارى كلينتون التى حملت حقيبة الخارجية وسبق أن مثلت نيويورك فى مجلس الشيوخ تسع سنوات.. وعرفت خبايا البيت الأبيض ثمانى سنوات، كانت فيها السيدة الأولى .. وقبل ذلك حصلت على الدكتوراة فى القانون من جامعة ييل.. وصنفت واحدة من أقوى 100 محام فى الولايات المتحدة.. وإن وظفت خبرتها فى صياغة تشريعات جديدة لحماية الصغار.

صفر فى التاريخ.. وصفر فى الجغرافيا.. وصفر فى السياسة.. وصفر فى الثقافة.. ولكن.. ترامب ولد فى عائلة ثرية.. منحته حياة مريحة.. ومنحها المزيد من الثروة.. وما إن أنهى دراسته العسكرية فى نيويورك حتى التحق بكلية وارتون التى ساعدته على تنمية بيزنس العقارات والمطاعم والكازينوهات الذى ورثه عن عائلته.

لكن.. المؤكد أن ترامب يحصل دائما على امتياز فى استغلال الفرص وتنميتها.. ولو بـ بلف البوكر.

استغل الكساد الكبير الذى ضرب سوق العقارات فى عام 2008 واشترى برخص التراب فنادق وتجمعات سكنية متهالكة وجددها وباعها بسعر الذهب.. لتزيد من ثروته التى تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار.

بنفس الموهبة استغل عواصف الإرهاب التى شنتها جماعات وتنظيمات إسلامية متشددة على عواصم غربية مختلفة آخرها باريس وبروكسل وبرلين ونيويورك ليعلن الحرب على الجاليات الإسلامية المتعددة فى بلاده 3 -5 ملايين شخص بأن يحجم من حرية أعضائها فى الاجتماع والتنقل والسفر والتعبير.. وتقليص عدد مساجدهم 2500 مسجد إلى الربع.. وزيادة مراقبة الخطب التى تلقى فوق منابرها.

والواقع أن عملاء المباحث الفيدرالية يتواجدون علنا فى غرف جانبية تخصصها المساجد لهم ليراقبوا ما يقال فيها ويجبروا أئمتها على إلقاء الخطب باللغة الإنجليزية قبل العربية.

بل.. أكثر من ذلك يراقبون حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعى وما ينشرونه عليها.

يوم الأحد أول أكتوبر الجارى كانت قصة الصفحة الأولى لصحيفة نيويورك تايمز تتحدث عن تورط إمام مسجد فى ميرلاند هو سليمان أنور بن جارسيا 59 سنة فى وضع فيديوهات لعمليات تنظيم داعش على فيسبوك.. ورغم أنه كان من بين الشيوخ الذين التقى بهم أوباما أكثر من مرة فإنه اعترف بصداقته لعدد من الأشخاص قبض عليهم بتنفيذ عمليات إرهابية مولت من أموال للزكاة قدمها إليهم ابن جارسيا.

ونشرت حملة ترامب على مواقعها الإلكترونية التفاصيل الكاملة ونبهت إلى أن الإمام المثير للشبهات لم يقبض عليه ولا يزال يلقى بكلماته المتفجرة من فوق المنبر.. حسب وصفها.

وقبل الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة بساعات قليلة فجر شاب أمريكى مسلم من أصل أفغانى اسمه رحيم قنبلة فى أحد أحياء نيويورك المتواضعة.. وتجاوز اهتمام الشبكات الإخبارية بالحادث حزنها على طلاق إنجلينا جولى.. ما سجل صعودا فى شعبية ترامب.. وتابعت ذلك بالتواصل إلكترونيا مع حملته الانتخابية.

ولا شك أن تصاعد هجوم ترامب على المسلمين سهل تمرير قانون جاستا أو قانون العدالة ضد الإرهاب الذى يتيح لضحايا هجمات سبتمبر مقاضاة الدول التى جاء منها الجناة.. بما يكلفها مليارات من الدولارات.. وقد فشل فيتو أوباما فى عدم تمرير القانون.. فالحالة العامة التى خلقتها حملة ترامب كانت أكبر من قدرات رئيس لم يعد أمامه سوى جمع متعلقاته الشخصية قبل أن يغادر البيت الأبيض فى نهاية هذا العام.

وما يلفت النظر أن حملة ترامب ليس فيها سوى أربعة أشخاص مهتمين بالعرب والإسلام والشرق الأوسط دون تحديد تخصص بعينه لكل منهم، رغم أنه عرف كثير من الحكام العرب مثل معمر القذافى وصدام حسين ولا ينكر إعجابه بهما.. كما أنه شارك كثيرا من رجال أعمال عرب فى استثمارات سياحية وعقارية منهم الوليد بن طلال الذى استنكر تصريحاته المعادية للمسلمين.

لكن.. حملة هيلارى كلينتون تضم 70 خبيرا فى الشرق الأوسط.. خصصت أربعة منهم لمصر.. وهم يعرفون مصر جيدا.. وبعضهم خدم فيها دبلوماسيا وأمنيا.. وهو اهتمام رفيع المستوى بمصر التى عرفتها هى نفسها وقت أن كانت وزيرة للخارجية وشاركت فى الأحداث التى مرت بها بعد ثورة يناير مباشرة.. بما فى ذلك التخلص من مبارك.. ودعوة خليفته المشير طنطاوى للتقاعد.

ولا تتوقف عنصرية ترامب عند المسلمين وحدهم وإنما تتسع لتشمل 11 مليون مهاجر من الملونين جاء أغلبهم من المكسيك وجمايكا وفنزويلا وكوبا وإفريقيا.

وما يلفت النظر أن المسلمين كانوا يميلون إلى الحزب الجمهورى الذى يمثله ترامب إعجابا بمواقف الحزب المتشددة ضد الحرية الجنسية والإجهاض وزواج المثليين.. لكن.. بالعنصرية العمياء التى أعادها ترامب للمجتمع الأمريكى سيصوت المسلمون لمرشحة الحزب الديمقراطى.. فعندما يتعلق الأمر بلقمة العيش فالكل يستسلم لمشيئتها ولو كان الثمن ما يؤمن به من مبادئ.

وامتد الغضب من ترامب إلى النساء بكل الألوان والأعمار والطبقات بعد أن بثت صحيفة واشنطن بوست فيديو عمره 11 سنة لترامب وهو يتحدث فيه عن مطاردة امرأة متزوجة ليمارس معها الجنس، مؤكدا أن لا امرأة تقاوم رجلا مشهورا إذا ما دعاها إلى فراشه.. ولم يتردد ترامب فى التفاخر بخبرته فى الإمساك بالمناطق الحساسة فى جسد المرأة التى تسهل المهمة.

نشر الفيديو قبل أيام من المناظرة الرئاسية الأولى ما أغضب الجمهوريين قبل الديمقراطيين وعلى رأسهم بول راين رئيس مجلس النواب أكثر الجمهوريين شعبية الذى انسحب من مشاركة ترامب فى تجمع انتخابى لهما فى ويسكنسن .. ولم يفلح اعتذار ترامب للنساء فى تجميل صورته.. ولم يصدق أحد تعهده بأنه سيكون رجلا مختلفا.

وفى ليلتها.. خرجت برامج التعليقات الساخرة لتربط بين القمار الذى يحترفه وكلماته السوقية التى لا تستنكرها شبكات الدعارة التى تجد نفسها إلى جانب الكازينوهات.. ومنها: إن ترامب حاول إثناء الشيطان ألا يغادر الولايات المتحدة فهو فى أشد الحاجة إليه.. لكن.. الشيطان رد قائلا: ليس لى عيش فى بلد رشحك للرئاسة.. لم يعد أحد هنا فى حاجة لوجودى.. وجودك يكفى.

وحتى الآن لا يملك أكثر المحللين نفاذا لمؤسسات الحكم تفسيرا لترشح ترامب.. والأصعب تحديد سر تفوقه.. وصعوده غير المستوعب حتى من قيادات حزبه.. وعكست تلك الدهشة نفسها فى المؤتمر الذى أعلن فيه الحزب ترشحه فى الانتخابات الرئاسية.. فلا شخصية جمهورية مؤثرة رئيساً أو وزيراً أو سيناتوراً حضرت المؤتمر.

لكن.. أصواتًا ضعيفة راحت تعلو فى الفضائيات الليلية تنسب إلى المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى أنه وراء صناعة ترامب.. تلك الدمية المنتفخة بالقش التى يسهل التحكم فيها لتحقيق مصالح شركات السلاح التى تعانى من الكساد بعد أن انخفضت مبيعاتها السنوية بنحو نصف تريليون دولار التريليون واحد وأمامه 12 صفرا.

وكان أول من حذر من هذا المجمع وتأثيره على الانتخابات الرئاسية دوايت أيزنهاور فى خطابه الوداعى للأمة فى 17 يناير 1961.. ووصفه بأنه دولة خفية تدير الدولة العلنية.. تسيطر على قرارات البيت الأبيض وتشريعات الكونجرس وتوجهات الميديا.

وفى أضعف الأحوال فإن ترامب سيوفر أرباحًا إضافية لشركات السلاح بتخفيض الضرائب بما لا يقل عن 15% إذا لم يكن لعبة سهلة فى يدها.

والحقيقة أن الضرائب هى دائما القضية المفتاح فى الانتخابات الأمريكية.. الجمهوريون يسعون لتخفيضها متصورين أن ذلك سيشجع الأغنياء على مزيد من الاستثمارات ما يخلق فرص عمل جديدة.. والديمقراطيون يرون فى ارتفاعها ما يغنى عن توفير الخدمات بشكل أفضل بتوظيف أعداد أكبر.

وفى المناظرة الأولى بين المتنافسين تصور ترامب أن ارتفاع الضرائب أدى إلى هروب المستثمرين الأمريكيين بأموالهم إلى دول خارجية.. أهمها الصين.. والحقيقة أن العكس هو الصحيح.. فقد أدى خفض الضرائب فى سنوات حكم الرئيس رونالد ريجان إلى وجود فائض مالى دفع المستثمرين لتوظيفه فى اقتصاديات أجنبية تتمتع بأسواق كبيرة وعمالة رخيصة وإعفاءات ضريبية واضحة.

ولكن.. على الجانب الآخر لا تبدو هيلارى كلينتون خالصة السمعة بما يسهل عليها الوصول إلى البيت الأبيض دون مقاومة.. ففى ملفاتها القديمة أنها كسبت 100 ألف دولار من تجارة فى بضائع لم تدفع فيها أكثر من ألف دولار.. ولم تفصح عنها فى إقرارها الضريبى عام 1978 وهى سيدة أولى.

كما أنها مارست ضغوطا أمنية خفية ضد بولا جونز التى اتهمت زوجها بالتحرش وممارسة الجنس الشفوى حتى لا تلجأ إلى القضاء.. وفى كتابه امرأة فى السلطة يكشف كارل برنشتين أن كلينتون غضب من وصف زوجته بـ«النصابة والشمطاء».

وفى الكتاب نفسه: إنها بتكرار الصدمات التى تعرضت لها أصبحت أكثر هشاشة وأصبح السؤال الذى يسيطر على واشنطن : هل استشارت طبيبا نفسيا؟ ورغم أن لا أحد حسم الجواب فإنها كثيرا ما عانت من نوبات اكئتاب شديدة وصلت بها إلى حد الانهيار.

وما دعم ذلك نوبة الإغماء التى تعرضت لها خلال حملتها الانتخابية الأخيرة.. ولم تكن إلا عارضا من أعراض متاعبها النفسية.. ما شكك فى قدرتها على تلقى الصدمات.

ولا يتشابه ترامب وكلينتون فى فضائحهما الشخصية والعائلية فقط وإنما يتشابهان فى نسبة التأييد لكل منهما.. أربعون فى المئة هنا ومثلها هناك.. ويبقى الصراع على عشرين فى المائة من الناخبين حائرة بينهما.. دون جدوى.. ودون أمل حقيقى فى اختيار رئيس جديد قوى.. مؤثر.. قادر على التغيير.. وإن كانت البلاد ستعيش أربع سنوات من النميمة المسلية التى تعوض الكساد والتضخم والبطالة والضعف الذى تعانى منه فى الخارج.

ولا أجد ما يلخص ذلك سوى المثل المصرى الشائع : ما اسخم من ستى إلا سيدى!.