منال لاشين تكتب: أسرار وحكايات من السياسة للاقتصاد

مقالات الرأي



■ تفتيش وزير الاتصالات قبل دخوله مدينة الإنتاج الإعلامى 
■ الوكيل لرئيس الوزراء: مفيش حاجة اسمها تحديد هامش ربح للسلع وشريف إسماعيل يتراجع

مفاجأة: خمسة وزراء يعترضون رسميا على مشروع قانون الاستثمار

الخناقات والخلافات هو العنوان الكبير لحكومة المهندس شريف إسماعيل فى أسبوع، والخلافات فى حكومة المهندس شريف إسماعيل ليست من النوع الصحى أو الإيجابى أو اختلاف وجهات النظر الذى لا يفسد للود قضية. هذا النوع من الخلافات والخناقات يدخل تحت إطار الفوضى الخلاقة. وطبعا احنا عارفين أن أى فوضى خلاقة نهايتها سوداء. لأن الخلافات والتراجعات تنم عن سوء تخطيط وعشوائية فى التفكير وفى اتخاذ القرار. وحين تتابع أداء الحكومة تشعر أننا أمام جزر متحاربة وهذا أخطر من ظاهرة الجزر المنعزلة فى أى حكومة. لأن معظم الوزارات وتحت ضغط الأزمة ترفع شعارات من نوع «لىَّ نفسى» و«أنا ومن بعدى الطوفان». هذه الأسرار والقصص تكشف أن الهارمونى أو التناسق والتعاون بين الوزارات داخل الحكومة الواحدة غائب ومغيب وفيه نقص شديد ينافس بقوة نقص السكر فى السوق المصرية.

1- صدمة داليا

اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضى شهد عرض النسخة الأولى من قانون الاستثمار الجديد. وخلال الاجتماع أبدى خمسة وزراء رسميا اعتراضهم على مشروع القانون. ولذلك فإن وزيرة الاستثمار داليا خورشيد لديها الآن معركتان إحداهما مع المستثمرين حول القانون، والأخرى وهى الأخطر مع زملائها من الوزراء. على رأس المعترضين على مشروع القانون أو توجهات القانون تأتى وزارة المالية. فوزير المالية أبدى اعتراضه على عودة الإعفاءات الضريبية فى مشروع القانون. المالية ترى أن عودة الإعفاءات سيؤثر على حصيلة الضرائب بالسلب. وأن الإعفاءات قد لا تكون الأسلوب الوحيد لجذب الاستثمارات. واعتراضات بقية الوزارات «الإدارة المحلية والسياحة والصناعة والزراعة» جاءت بسبب تركز كل الصلاحيات فى وزارة وهى الاستثمار وهيئة الاستثمار وعدم وضوح صلاحيات الوزارات الأخرى فى طريق الاستثمار. وهى نفس المشكلة أو بالأحرى الاعتراض الذى قابل وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان. ولكن اعتراض المالية هو الأخطر لأن مصر كانت قد ألغت الإعفاءات وفى مقابل الإلغاء قامت -المالية- بتخفيض سعر أعلى الضريبة لكبار المستثمرين ورجال الأعمال، ولذلك ترفض المالية من حيث المبدأ فكرة الإعفاء الضريبى على إطلاقه، وكانت وزارة المالية قد اعترضت بالمثل على منح إعفاء ضريبى لمشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ولذلك فإن مهمة وزيرة الاستثمار داليا خورشيد لم تكن سهلة لتمرير القانون بهذه التوجهات.

2- مكالمة تهديد

يوم الخميس الماضى أجرى رئيس الغرف التجارية أحمد الوكيل اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل. مضمون المكالمة الهادئة كان تهديداً واضحاً بإرباك الأسواق وخلق المشاكل. والسبب هو أن شريف إسماعيل تجرأ وفكر فى تكوين لجنة -مجرد لجنة- لبحث  هامش الربح للسلع الاستراتيجية. وهو الأمر الذى اعتبره رجال الأعمال خطاً أحمر تجاوزه رئيس الحكومة. المثير أن الحكومة قالت فى بيانها عن هذا الموضوع: إن اللجنة ستبحث الأمر مع اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات. ولكن أهل البيزنس ذبحوا القطة للحكومة ورفضوا حتى مجرد الجلوس معاها لمناقشة الموضوع. والحجة أو الشماعة التى قدمها الوكيل ورجال الأعمال أن اللجنة تعنى العودة للتسعيرة الجبرية. وإلغاء اقتصاد السوق. وبالطبع الحكومة تراجعت نتيجة التهديدات. وأسلوب الحكومة فى التراجع هو نسيان الموضوع وعدم فتح الملف مرة أخرى، وذلك اعتمادا على أن المصريين ينسون بسرعة وذاكرتهم مثل السمك.

المثير فى تراجع الحكومة أن موقفها كان صحيحاً قانونيا واقتصاديا. فكل قوانين منع الاحتكار وتنظيم المنافسة فى العالم الرأسمالى تتيح للدولة أو الحكومات سلطة استثنائية فى حالة الطوارئ. وهذه السلطة هى تدخل الحكومة لتحديد أسعار السلع الاستراتيجية لبعض الوقت فى حالة الأزمات. الأكثر إثارة أن قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار المصرى يمنح الحكومة هذا الحق وذلك فى المادة العاشرة من القانون. ولكن حكومتنا اعتادت على أخذ قرارات للاستهلاك الإعلامى والتراجع عن القرار ارضاءً لأهل البيزنس.

3- خناقة السكر

فى إطار إرضاء رجال الأعمال شهد الأسبوع الماضى خناقة بين وزارتين على خلفية أزمة السكر. فقد قامت وزارة التموين بالتفتيش على مصانع القطاع الخاص الذى يتعامل مع السكر. مثل مصانع الحلويات والعصائر. وبالمثل قامت وزارة التموين بالتفتيش على محلات الحلويات الشهيرة للبحث عن سكر التموين المدعم فى تلك المصانع والمحلات. وقد أسفرت حملات وزارة التموين فى «معظم الحالات» عن ضبط سكر مدعم فى هذه المصانع. ولكن أصحاب المصانع شنوا حملة ضخمة على وزارة التموين واشتكوا لوزير التجارة والصناعة. وعلى الرغم من حق وزارة التموين فى التفتيش فإن وزير التجارة والصناعة يطالبهم بعدم إزعاج المصانع. رئيس الحكومة يؤيد موقف وزارة التموين حتى الآن. ويارب يارب يثبت على موقفه.

4- نميمة ميرى

بعيدا عن الخناقات لا يخلو الأمر من حكايات النميمة التى تداولت فى كواليس الحكومة. وزير الاتصالات الدكتور ياسر القاضى فوجئ لدى دخوله مدينة الإنتاج الإعلامى برفض الأمن دخوله لأنهم لم يتعرفوا عليه. وكان تصريحه الصادر من القناة التى استضافته قد تأخر. وأصر الأمن على تفتيش سيارته وأصر القاضى على أنه وزير ولا يجب أن يتعرض للتفتيش وانتهت الأزمة بوصول تصريح الوزير.

الحكاية الثانية تخص وزير من المجموعة الخدمية. الوزيراً باع زملاءه الوزراء وقال لمجموعة من النواب إنه الوزير الوحيد الذى يقدر طلبات السادة النواب. وأنه لا يفعل مثل وزراء آخرين. ويقوم بالتوقيع على طلباتهم بتأشيرات مضروبة. الوزير أكد للنواب: إنه يرفض أساليب زملائه فى تجاهل النواب. وأضاف الوزير أنه هدد الموظفين بالإحالة للتحقيق فى حالة تجاهل طلبات النواب.

آخر «نماية» تخص وزير التعليم العالى الدكتور أشرف الشيحى. فقد طلب رئيس الجامعة الأمريكية الجديد مقابلة مع وزير التعليم العالى. ولكن الوزير اندهش من الطلب ورفضه. لأن هناك مسئولاً بالوزارة أو قيادة بالوزارة مسئول عن التعليم الجامعى الخاص. والوزير لا يقابل رئيس جامعة خاصة. حتى الآن القصة عادية والوزير حر فى مقابلة من يريد. ولكن الصدمة أو الإثارة بدأت عندما فوجئ الوزير ووزارته كلها بأن الرئيس السيسى سيلتقى رئيس الجامعة الأمريكية وعدداً من أعضاء مجلس الأمناء للجامعة وبينهم مصريون وأساتذة وخبراء أمريكيون. وذلك بمناسبة الاجتماعات السنوية للجامعة والتى تستمر أسبوعاً. ويتردد أن رئيس الجامعة طلب المقابلة مع الرئيس من خلال الدكتور عمرو سلامة ممثل الحكومة المصرية فى مجلس أمناء الجامعة، وقد حضر الدكتور شيحة اللقاء.

نظرية رئيس الحكومة للطبقة الوسطى لا تكفى لرفع الأعباء عنها وإعادتها لقيادة المجتمع

شريف إسماعيل وولاد الأصول

للمرة الثانية يتحدث رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل فى حوار تليفزيونى. للمرة الثانية يواجه الجماهير العريضة من خلال حواره مساء الاثنين الماضى مع الإعلامية لميس الحديدى. وللمرة الأولى يتحدث عن الطبقة الوسطى أو بالأحرى يرد على سؤال لميس ماذا سيقدم للطبقة الوسطى بعد ارتفاع الأسعار وضيق الحال؟.

وربما يكون شريف إسماعيل رغم ميله للصمت والعزلة هو المسئول الوحيد فى مصر الذى تحدث باستفاضة عما تقدمه الدولة للطبقة الوسطى. وقد اندهشت أن الرجل كان جاهزا بإجابته ولديه رؤية واضحة فى ذهنه وأمام عينيه عن الطبقة المهضوم حقها والتى تسقط من اهتمام الحكومات المصرية حكومة تلو الأخرى.

وقد بدا المهندس شريف إسماعيل مطمئنا لما تقدمه حكومة لهذه الطبقة المطحونة بين مقتضيات الستر ومتطلبات العيش. قال رئيس الحكومة إن هذه الطبقة تستفيد من دعم الكهرباء والبنزين وبقية المواد البترولية. وأنها تستفيد من الإسكان الاجتماعى وزيادة الرواتب فى القطاع الحكومى. وأنها تستفيد من السلع المخفضة. ورئيس الوزراء يتصور أن هذه الأشياء أو أشكال الدعم قادرة على تخفيف العبء على الطبقة الوسطى. وأعتقد أنه كان صادقا فى إيمانه بأنه فعل ما بوسعه لهذه الطبقة. وأنه مضطر إلى تحميلها بعض الأعباء. وهى أعباء مرتبطة بموجات ارتفاع الأسعار بعد تخفيض الجنيه أمام الدولار وخفض دعم البنزين وأخواته. وهى الإجراءات المتوقعة لحصول مصر على قرض الصندوق.

ولكن ثمة مشكلة خطيرة فى كلام رئيس الحكومة الحالى ومن باب الموضوعية فهذه مشكلة موروثة من عهود الدكاترة كمال الجنزورى وعاطف صدقى وعاطف عبيد وأحمد نظيف وحازم الببلاوى والمهندس إبراهيم محلب، باختصار وعلى بلاطة هذه مشكلة تخص رؤية كل رؤساء الوزراء فى عهد مبارك وبعد الثورتين.

المشكلة الرئيسية أن كل رئيس حكومة يتجاهل رفع المعاناة الرئيسية عن كاهل الطبقة الوسطى. المعاناة التى تقصم ظهر كل أسر هذه الطبقة. وتبتلع أى زيادة فى الأجور أو دعم عينى مقدم لهذه الطبقة. والمعاناة التى تزيد من وطأة ارتفاع الأسعار، وهى معاناة سابقة ولاحقة على ارتفاع الأسعار.

وأقصد بهذه المعاناة ملفى التعليم والصحة لأسر الطبقة الوسطى. فكل أسرة تدفع دم قلبها على تعليم أولادها معظم الأسر فى هذه الطبقة تبحث عن مستوى تعليمى لائق لأبنائها ولضمان حد أدنى من التعليم الكفء والمحترم والآدمى. ولذلك تلجأ إلى التعليم الخاص بكل مستوياته أبوألف جنيه وأبوخمسين ألف جنيه. ويضاف لهذه المصروفات الكتب الخارجية والدروس الخصوصية. وتذهب من 30 إلى 35% من دخل الأسرة للتعليم فى موسم الدراسة. ولذلك فإنه لا يمكن استهداف تخفيف العبء عن الطبقة الوسطى باستبعاد ملف إصلاح التعليم أو تأجيله بحجة أن الإصلاح يحتاج إلى خمس أو عشر سنوات. ولا يمكن للحكومة أن تتقاعس عن بعض الحلول الإبداعية فى مجال إصلاح التعليم لتخفيف العبء عن الطبقة الوسطى. وأقل جهاد يجب أن تقوم به الحكومة لهذه الطبقة هو خصم نسبة من مصروفات المدارس من الضرائب التى تدفعها الطبقة الوسطى. خاصة أن هذه الطبقة ترفع عن الحكومة عبء تمويل تعليم أبنائها فى المدارس الحكومية.

أما الملف الآخر الذى يمثل هما وهاجسا وكابوسا للطبقة الوسطى فهو الصحة أو العلاج. وهذا الملف تتجاهله الحكومة. فمعظم أبناء الطبقة الوسطى يتلقون علاجهم فى العيادات والمستشفيات الخاصة أو الجامعية. وكلاهما يكلف الأسرة دم قلبها. وليس من المقبول أن تبلغ تكلفة مرض البرد أو الإنفلونزا مئات الجنيهات نتيجة لارتفاع أسعار الدواء. ومع الأزمة الاقتصادية بدأت وزارات ومؤسسات حكومية وخاصة فى تقليص بند عدم العلاج للموظفين وأسرهم. أما الكابوس الأسوأ فهو إجراء عملية جراحية والبقاء بالمستشفى أسبوعاً أو عشرة أيام. فمثل هذا الحادث الكارثى يدمر ميزانية الأسرة لأكثر من عام. وتمتد آثاره الكارثية على ميزانيتها لأشهر طويلة. ولا أعرف إذا كان الدكتور شريف إسماعيل يدرك أن أقصى كوابيس الطبقة الوسطى ليست موت أحد أفراد الأسرة فى المستشفى، ولكن أقصى وأسوأ كابوس هو الحجز على جثته إذا عجزت الأسرة عن دفع فاتورة المستشفى. أما أقصى ذل الطبقة الوسطى وعذابها، فهو حين تضطر إلى إخراج مريضها من المستشفى قبل إتمام الشفاء لأنها لا تستطيع دفع فاتورة علاجه هذه ولذلك فإن اهتمام الحكومة الفعلى والحقيقى والجاد والحاسم برفع كفاءة الخدمة الطبية فى مستشفيات الحكومة يمكن أن يقلل من الضغوط الهائلة على الطبقة الوسطى. ومرة أخرى فمصر من ضمن الدول التى لا تعترف بأعباء المرض والعمليات الجراحية بالنسبة للخصم من أعباء الضرائب. وذلك على الرغم من أن الدولة لم تتحمل عبء علاج هذه الطبقة الوسطى التى ترك نسبة منها المستشفيات الحكومية للفقراء ومحدودى الدخل.

وبمناسبة بدء عجلة قرض الصندوق الدولى وشروطه وأعبائه فإن أقل دعم للطبقة الوسطى يجب أن يتمثل فى رفع حد الإعفاء الضريبى. ليصل إلى عشرة آلاف جنيه أو خمسة عشر ألف جنيه على أقل تقدير. خاصة أن حكومة المهندس شريف إسماعيل تتجه إلى تقديم إعفاء ضريبى للمستثمرين فى قانون الاستثمار الجديد. كما أن حكومته صارت على منوال حكومة محلب فى تجميد أو تأجيل الضرائب على البورصة (ضرائب الأرباح الرأسمالية). ولذلك فمن العدل تقديم حوافز ضريبية للطبقة الوسطى على تضحياتها بإنفاق معظم ثرواتها ودخلها على التعليم الخاص والعلاج الخاص. وقد استخدمت كلمة حوافز ضريبية لأن الحكومة لا تفهم إلا لغة البيزنس. وإن كانت ستمنح حوافز ضريبية وإعفاءات ضريبية للمستثمرين بحجة أنهم يستثمرون أموالهم فى مصر ويشغلون أيدى عمال. فإن الطبقة الوسطى تستثمر أموالها فى أهم مجالين فى مصر وتوفر فرص عمل للملايين من المصريين.

وإذا أراد شريف إسماعيل تخليد اسمه بين رؤساء الحكومات فى مصر، فعليه ألا يختار طريق رفع الدعم لحل المشكلة الاقتصادية فقط. أفضل طريق لدخول التاريخ أن تقدم حكومته حلولا عاجلة وإبداعية لحماية الطبقة الوسطى من الوقوع فى بئر الفقر. وأن يذكر التاريخ لشريف إسماعيل أنه حل مشكلات وأزمات الطبقة الوسطى فى أهم ملفات الاستثمار الحقيقى. الاستثمار فى التعليم والاستثمار فى الصحة. خير إنجاز لشريف إسماعيل أن تزيد الطبقة الوسطى فى عهد حكومته. فليس هناك إصلاح اقتصادى بدون إصلاح اجتماعى. ولا يمكن إحداث إصلاح اجتماعى دون مساندة ودعم الطبقة الوسطى.

وفى حواره مع لميس الحديدى تحدث رئيس الحكومة شريف إسماعيل عن قضايا عديدة وغطى كل الموضوعات. وأعتقد أن الرجل كان صادقا فى الإيمان بما قاله. لكننى توقفت عند حديثه عند الطبقة الوسطى لأن هذه الطبقة مفتاح التقدم والأمان لمصر. ومع اختلافى الكامل مع آرائه فى قضية الطبقة الوسطى. فقد كان شريف إسماعيل موفقا فى إجاباته حاضر البديهة لديه تصميم وعزم على المضى فى طريق أختلف معه فيه. ولكنه تصميم يحترم على أى حال.

مرة ثانية وثالثة. الطبقة الوسطى هى مفتاح حل أزمات. مرة ثالثة وعاشرة يجب أن يهتم شريف إسماعيل وحكومته بأولاد الأصول بالناس الطيبين.