عادل حمودة يكتب: فضيحة المنشور الدورى إلى جميع السادة الوزراء

مقالات الرأي



■ كيف يكون لدينا قراران مختلفان للجنة واحدة رأسها شريف إسماعيل؟ لماذا لا يبدأ سامح شكرى بنفسه؟ وهل سيطبق باقى الوزراء القرار بعد أن شعروا بأنهم أقل أهمية؟ 

■ ميزانية وزارة الخارجية 8.3 مليار جنيه سنوياً تدفع الدولة معظمها بالدولار

■ الحكومة قررت تخفيض ميزانية بعثات التمثيل الخارجى وبدأت بالخارجية وفى اليوم التالى استثنتها من القرار

■ الخارجية تحصل على 94% من ميزانية التمثيل الخارجى جزء كبير منها بالدولار وخروجها من القرار يفقده أهميته

فى يوم 19 أكتوبر الجارى صدقت الحكومة فيما أعلنت عن نيتها فى التقشف ونبذ الترف والبهرجة تمشيا مع الأزمة الاقتصادية التى عجزت عن مواجهتها.. وفى اليوم التالى تدخل أصحاب المصالح من داخلها فرجعت فى نصف كلامها.. تمهيدا للرجوع فى كل كلامها.. لتعود بإنفاقها «كما كنت».

فى يوم 19 أكتوبر وقع اللواء أركان حرب عاطف عبد الفتاح عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء على كتاب دورى إلى جميع السادة الوزراء جاء فيه:

تحية طيبة وبعد..

فى إطار خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادى التى تستهدف رفع معدلات النمو وتحسين مستوى المعيشة لجميع المواطنين..

أرجو التفضل بالإحاطة أن اللجنة الوزارية الاقتصادية قد قررت بجلستها رقم (35) المنعقدة برئاسة السيد المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 19 / 10 / 2016 ما يلى:

ترشيد الإنفاق الحكومى على جميع بنود الإنفاق الواردة بموازنات جميع الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية والشركات ووحدات الجهاز الإدارى للدولة بنسبة 15- 20% وذلك فيما عدا ما يخص بند الأجور (الباب الأول) والموازنة الاستثمارية (الباب السادس).

خفض حجم التمثيل الخارجى فى البعثات الدبلوماسية بالخارج التابعة لوزارة الخارجية والوزارات الأخرى بنسبة 50% كحد أدنى وتتم الاستفادة من الكوادر الموجودة بوزارة الخارجية فى إنجاز جانب من أعمال هذه البعثات وتكون الأعداد والمقار التى يسمح لها بالتواجد بالخارج فى أضيق الحدود وللضرورة القصوى.

رفع كفاءة الأداء الحكومى بجميع وحدات الجهاز الإدارى للدولة والإسراع بتنفيذ جميع برامج ومشروعات وخطط الوزارات والجهات فى مواعيدها المقررة وإعطاء أولوية متقدمة لإنهاء المشروعات المتأخرة التى بدأ العمل فيها منذ فترات ولم تكتمل بعد.

برجاء التفضل بالنظر والتكرم بالتنبيه باتخاذ اللازم فيما يخص وزارتكم الموقرة والإفادة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

لكن.. فى اليوم التالى صدر كتاب دورى آخر بنفس التوقيع ويستند إلى نفس قرارات اللجنة الوزارية الاقتصادية بنفس رقم جلستها (35) وتحت نفس الرئاسة (المهندس شريف إسماعيل) لكن البند الثانى فيها تغير كالتالى:

خفض حجم التمثيل الخارجى فى البعثات الدبلوماسية لجميع الوزارات عدا وزارة الخارجية بنسبة 50% كحد أدنى وتتم الاستفادة من الكوادر الموجودة بوزارة الخارجية فى إنجاز جانب من أعمال هذه البعثات وتكون الأعداد والمقار التى يسمح لها بالتواجد فى الخارج فى أضيق الحدود وللضرورة القصوى.

جملة نفى واحدة من حرف وكلمة (ما عدا) أضيفت للقرار أفسدته وأهدرته وافقدته قيمته.. بدأ بند التقشف وتخفيض البعثات الخارجية للنصف (على الأقل) بوزارة الخارجية.. وفى اليوم التالى أصبح البند ما عدا وزارة الخارجية .

كيف تراجعت الحكومة عن تنفيذ قرارها قبل أن يجف حبره؟.. من صاحب النفوذ فى أمانة مجلس الوزراء (أو خارجها) الذى نجح فى تغييره؟.. وكيف يتغير قرار دون الرجوع للجنة التى أصدرته خاصة أن رئيس الحكومة هو الذى كان يرأسها؟

أتصور أن الرد الذى ستخرج به الحكومة معروف مسبقا: إنه خطأ السكرتارية التى كتبت الكتاب الدورى ونسيت جملة ما عدا .. ولا مانع أن يشيل أحد الخطأ ويقبل بخصم عدة أيام من حوافزه.. على أن يعوض فيما بعد بالطبع.

وبجملة ما عدا وزارة الخارجية فقد بند تخفيضات البعثات الخارجية معناه.. فميزانية الخارجية بلغت فى العام الحالى 6 مليارات جنيه.. وتمثل 94 % من إجمالى موازنة التمثيل الخارجى.. بجانب 2.3 مليار جنيه موازنة الهيئة العامة لصندوق مبانى وزارة الخارجية الذى يشرف على ترميم وصيانة السفارات والمكاتب الخارجية التابعة لها.. والجزء الأكبر من المليارات التى تحصل عليها الخارجية هو بالقطع بالعملة الصعبة التى نعانى من نقص شديد فيها يعد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها.

يعنى كل ما سيخفضه هذا البند هو نصف ما تبقى من موازنة التمثيل الخارجى والذى لا يزيد عن 6% أى 3% يعنى بصراحة لا داعى ولا مبرر له.

وربما لا يعرف كثيرون أن فى كل سفارة جيشا من الدبلوماسيين والموظفين الإداريين المصريين والمحلين بجانب موظفى الخدمات (سائقين وطباخين ورجال أمن ).

وكان من الممكن كما يحدث فى غالبية دول العالم أن تكون هناك سفارة لكل عدة دول متقاربة.. مما يعنى أن التخفيض يمكن أن يزيد على 50 %.. وكثيرا ما حدث ذلك لأسباب أمنية.. فسفيرنا فى الصومال يمكن أن يدير سفارتنا فى مقديشيو بسبب أخطار تهدده من عاصمة قريبة آمنة.

لكن.. السادة الدبوماسيين يعتبرون خدمتهم فى الخارج ميزة شخصية يستفيدون منها فى تكوين مدخراتهم.. أو فرصة للتمتع بحياتهم.. لذلك يتقاتلون حول الخدمة فى بلاد أوروبية مريحة.. ويكرهون الخدمة فى بلاد إفريقية مؤلمة.. مثلا.

وما يجبر الخارجية على أن تبدأ بنفسها فى تنفيذ قرار التشقف أنها أعلم من غيرها بحالة البلاد والموقف الخارجى المتربص بنا ويرسلون تفاصيله فى رسائلهم وتقاريرهم اليومية.. كما أنهم أدرى بأزمة العملة الصعبة فالدبوماسيون فى الخارج لم تحول لهم مخصصاتهم منذ ثلاثة شهور على الأقل كما سمعت من بعضهم.

ولست مقتنعا بأن فى الخارجية كفاءات يمكن أن تسد فراغات التمثيل التجارى والثقافى والعمالى فالدور الأساسى المكلفون به لا يلعبونه وهو إقناع الدول التى يخدمون فيها بحقيقة ما يجرى فى مصر.. فكثير من هذه الدول لا تزال تتصور متعمدة أن ما جرى فى يونيو ليس ثورة وإنما انقلاب.

بجانب أن استثناء الخارجية من القرار سيجعل باقى الوزارات تنفذه بتكاسل وعدم مبالاة.. مما يعانى أن القرار لم يعد مجديا.