أحمد سامي يكتب: نجاح تعويم الجنيه مرهون بثلاث.. شر لابد منه

مقالات الرأي

أحمد سامي
أحمد سامي


لم أفاجأ كالكثيرين من الناس بقرار البنك المركزي بتعويم الجنيه، وتحرير سعره، ولم أندهش من التعليقات التي انهالت شكرًا في القرار، فتلك التعليقات التي خرجت من المحللين الاقتصاديين، أو من الجمهور "الفتاي"، اعتدت عليها كـ"قنطرة" لتمرير أي قرار صعب على المواطن في الفترة الأخيرة، كالخدمة المدنية أو الضريبة المضافة أو أو أو أو أو..

 

فتعامل الدولة وصمتها في الفترة الأخيرة، حيال التصاعد الرهيب جدًا لسعر الدولار أمام الجنيه المصري، بدون رد رسمي أو تصريح إيجابي لوقف هذه المهزلة، يؤكد أن الأمر كان مفتعلًا، رضوخًا لشروط صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على القرض، الذي سيكوي ظهر الشعب الذي يئن من غلاء الأسعار وما زال.

 

على كل، لست في وضع الاعتراض على قرار البنك بتحرير سعر الصرف، الآن، وتخفيض قيمة الجنيه إلى 48% مقابل الدولار، فهو "شر لا بد منه"، وخطوة في طريق السيطرة على الوضع المذري لقيمة العملة المصرية، كما هو ظاهر، ولن أفترض نوايا سيئة، لتلك الخطوة، ولكن ما يهمني هو لفت الانتباه إلى عدة أمور، ليس من منطلق أني خبير اقتصادي أو محلل، ولكن كمواطن عادي يشعر بالغيرة والحزن على بلده ويتمنى أن تفيق وتخرج من كبوتها.

 

نسأل ونريد الإجابة بشفافية: ما الأمر الذي أوصلنا إلى هذا الحال؟ ما الذي جعلنا نقع تحت رحمة صندوق النقد الدولي؟ علمًا بأن كل البلاد التي اقترضت عانت وما زالت، ولم تنجح في الوقوف على أرض صلبة حتى الآن.

 

كما أريد الإجابة على السؤال الأهم، على أي شيء سينفق قرض الصندوق؟ هل على المصانع المتوقفة لتشغيلها؟ أم على إنشاء أخرى لتوظيف الشباب وتحريك عجلة الإنتاج؟ أم على مشروعات لا تثمن ولا تغني من جوع، لن تدر دخلًا لتخفيف الآلام التي يعاني منها المواطن؟


نحتاج على الأقل إلى مصارحة ومكاشفة من الحكومة للشعب، حتى نتقبل مثل تلك القرارات، بصدر رحب وقلوب مطمئة أو حتى بنفس مغلوب على أمرها ومضطرة إلى تقبلها.

 

الكثير من المحللين رأوا في القرار، خطوة جيدة ولكنها جاءت متأخرة، وضربة قاضية للسوق السوداء، التي أصبحت مرتعًا للمضاربة بالعملة، وآخرون رأوه خطوة صعبة ستزيد من أنين المواطنين، وسترفع الأسعار بأضعاف ما هي عليه الآن، وتزيد من التضخم والدين الخارجي.

 

أراها خطوة خطرة، ومغامرة مجبرة عليها الحكومة، مرهونة بتوخي الحذر فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة الدولار، خلال الفترة المقبلة، ومرهونة بثلاث:


1- عليها العمل بشكل كبير وبذل مجهود أكبر، من أجل إنعاش حركة السياحة، لجلب العملة الصعبة التي ستساهم بشكل كبير جدًا في عودة الأمور إلى نصابها.

 

2- أيضًا عليها إيجاد حلول، لاستعادة دور قناة السويس في الحصول على العملات الأجنبية، بأفكار غير نمطية وحلول عبقرية جديدة، تجعلها في موضع المنافسة مع قناة بنما، التي باتت تستحوذ الآن، على نسبة كبيرة من حركة التجارة العالمية.

 

3- هدف ثالث ينبغي للحكومة العمل عليه، وهو كيفية استغلال تحويلات المصريين في الخارج، والاستفادة منها في إنعاش خزينة الدولة من العملة الصعبة، فهي أمور مهمة ينبغي استغلالها، حتى يمكن أن نسدد فاتورة القرض.

 

كم أن الحكومة عليها توفير كمية كبيرة من العملة الأجنبية لتغطية احتياجات البنوك والمؤسسات ذات الحاجة إلى الدولار، وإلا فسيكون قرار تعويم الجنيه "القشة التي قصمت ظهر البعير".


وحين وصول قرض الصندوق يبنغي للحكومة، استخدامه في إنشاء مصانع جديدة، منها تشغيل نسبة كبيرة من الشباب وقضاء على البطالة، ومنها الحصول على أموال وتحريك عجلة الإنتاج


وقبل الختام، أتمنى من الأجهزة الرقابية والمعنية بضبط الأسعار ومحاربة جشع التجار، أن تباشر عملها وتنفذ القانون وتضرب بيد من حديد على يد المحتجرين والتجار الجشعين، الذين جاءتهم الفرصة على طبق من ذهب لينهشوا في أجساد المواطنين البسطاء، وأن يغلظوا العقوبة على كل من يستغل القرار لرفع سعر سلعة ما، ليست مرتبطة بسعر الدولار، وتوفير احتياجات وسلع المواطنين الأساسية يوميًا بأسعار مخفضة، وهذا أعلم أنه لن يحدث.


وفي النهاية.. هي خطوة خطرة لجأت إليها الحكومة مضطرة؛ لتحجيم السوق السوداء، ومحاولة للسيطرة على الصعود الرهيب لسعر الدولار، وشر لا بد منه الآن، ونتمنى أن يحالفها النجاح، حتى يشعر الشعب بتحسن ولو قليل.