د.دينا أنور تكتب: شعب "متعصب" بطبعه لا "متدين" بطبعه..!

مقالات الرأي

الدكتورة دينا أنور
الدكتورة دينا أنور - أرشيفية


اعتقدنا في الماضي أن التعصب الكروي الأعمى ما هو إلا إنعكاس للفراغ الفكري والسياسي والتعليمي الذي يعاني منه غالبية الشباب، بل ومعظم أفراد الشعب في مصر، وبعد إندلاع ثورتي ٢٥ يناير و ٣٠ يونيو ظننا أن الشعب المصري بدأ في تكوين وعي سياسي ورؤية مجتمعية وشراكة حقيقية في صنع القرارات التي تهدف إلى التغيير، ولكن استمرار مشاهد الفرقة بين أطياف الشعب المختلفة  والتي تعتنق مدارس متباينة في وجهات النظر السياسية والدينية والفكرية  وحتى الرياضية، تجزم مع كل أسف أننا أصبحنا في حالة من العنصرية والطائفية والتعصب تجاه فكرنا ومن يؤيد أفكارنا فقط، غالبيتنا يشن هجوماً ضارياً على كل من يخالفه في أي وجهة نظر يؤمن بها، بل إن الأدهى والأمر هو بركان الشتائم والسباب والتطاول والتجريح والإهانات الذي ينفجر من الكثيرين من عديمي الخلق في وجه من خالفهم، وساعد على ذلك كثيراً الحرية غير المشروطة التي تعطيها مواقع التواصل الإجتماعي  لمن لا يضعون لأنفسهم أية معايير أخلاقية من الممكن أن تردعهم أو تقوم سلوكهم..!

من فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين تارة بفعل السلفيين وأجندتهم الوهابية، إلى فتنة مذهبية بين السنة والشيعة بفعل السلفيين أيضاً بفضل تجنيدهم من قبل النظام السعودي الذي يحارب المد الشيعي ويعتبره خطراً على الفكر الوهابي الذي تنتهجه شبه الجزيرة، إلى تعصب كروي أعمى بين البعض من جمهور النادي الأهلي والبعض من جمهور نادي الزمالك، تعصب غريب يظهر دائما وأبدا بين هؤلاء وهؤلاء في أعقاب كل مباراة هامة لأي فريق منهم وتزداد وتيرتها في المواجهات المباشرة بين الفريقين، وظهرت بوضوح خلال مباراة الزمالك الأخيرة التي خسر فيها بطولة دوري أبطال إفريقيا، بكم هائل من التعصب والتراشق بالألفاظ والإتهامات، ما كل هذه الشماتة في فريق مصري خسر أمام فريق أجنبي، ما هذه الكراهية المبيتة تجاه مصري مثلك لمجرد أنه يشجع الفريق المنافس لفريقك داخل وطنك؟ هل تستحق كرة القدم كل هذا القدر من الفرقة والكراهية والتعصب بين أبناء شعب واحد؟

ولنأتي لصورة مشجعة الزمالك الحسناء التي ظهرت باكية في اللحظات النهائية للمباراة قبل إعلان خسارة الزمالك، ما كل هذه السطحية والهراء؟ ألن يكتب على المرأة المصرية أن يتم النظر إليها من منظور إنساني أبداً، هل دموع مشجعة تحب فريقها وتدعمه وتفقد السيطرة على مشاعرها حد البكاء ليس بالأهمية لدى أي أحد كما هو مهم إذا ما كانت جميلة أم لا، تشبه صافينار أولا، لا تستحق البكاء فقط لأنها جميلة، أما إن كانت قبيحة أو باللفظ الدارج "مش مزة" فلتبكي كما أرادت أو فلتذهب للجحيم حتى..!

حتى التحليلات الجماهيرية على مواقع التواصل الإجتماعي لأسباب الهزيمة لم تكن منطقية أو قائمة على رؤية رياضية صحيحة، بقدر ما كانت تحمل لوماً كبيراً وعتاباً شديداً لفريق الزمالك الذي تشجعه كل هؤلاء الحسناوات اللواتي ظهرن على شاشات التلفاز ولم يستطع أن يرسم الإبتسامة على وجوههن ويعود لهن بالكأس، فقط لأنهن فتيات  جميلات، وليس لأنهن جمهور وفي ومخلص يستحق التقدير..!

ولاحظ أن من نشروا صور المشجعة الزملكاوية الباكية وتعاطفوا مع دموعها الرقيقة وتمنوا لو كانوا مكان تيشيرت الزمالك الذي ترتديه، هم أيضاً ذات الجمهور الذي يمنع أخته من الخروج بملابس يراها ضيقة، ويفرض الحجاب على زوجته قهراً حتى لا يعجب أحد بجمالها، ويتحكم في ملابس طفلته ويحدد لها علاقاتها ويمنعها من الإختلاط بزملائها الذكور، وهو أيضاً من يقضي ليلته على جهاز الكمبيوتر أمام المواقع الإباحية وأمام كاميرات الويب ثم يستيقظ صباحاً للإغتسال واللحاق بصلاة الجمعة قبل إنتهاء الخطيب من الخطبة..!

نحن حقاً أصبحنا مجتمعاً يحمل في ثنياته قدراً كبيراً من المسخ والتشوه والعنف والعنصرية والتشدد والطائفية والتعصب، نخلق أسباباً واهية حتى نختلف ونتشاجر ونتبادل الإتهامات وربما السباب والإهانات أحياناً، ولا أمل في مجتمع يحيا بالكراهية وبالبلدي كده "بينكش عليها بمنكاش"، نحن نحتاج إلى نشر مفاهيم المحبة والتسامح وقبول الآخر وتفهم الإختلافات و الإرتقاء عن المعارك الوهمية التي لا يعوزها الوطن في شيء، إذا أردنا أن نقيم أنقاض هذا الوطن يجب أولاً أن نهدم حصون التعصب في دواخلنا لنسمو عن المعارك الجانبية والصراعات الفئوية ونتعلم إحترام العقائد المخالفة والإنتماءات المتباينة حتى نستطيع بناء الوطن واللحاق بقطار الأمم الذي تخلفنا عنه لعقود طويلة إنشغلنا فيها بمواجهة بعضنا ومحاولة توحيد للعقيدة والذوق والفكر والأنتماءات في كون جبل على الإختلاف وأراد الله من فوق سبع سماوات أن يجعله مختلفاً، ولكن يبدو أن تعصبنا جعلنا نتجرأ حتى في أن نخالف إرادة الله في كونه..!