«حسم».. تفخيخ القضاة بـ «تكتيكات» داعش

العدد الأسبوعي

سيارة مفخخة - أرشيفية
سيارة مفخخة - أرشيفية


«رأس حربة» تنظيمات الدم الإخوانية

■ تصف بياناتها بـ«العسكرية» وتمنحها أرقاماً مسلسلة.. وتشكيلها التنظيمى يضم فرقاً لـ«الرصد» و«التفجير» و«الاغتيالات»

■ تحاكى «الدولة الإسلامية» فى توثيق عملياتها.. وتمتلك موقعا إلكترونيا وصفحات على «فيس بوك» و«تويتر» و«تليجرام»


نقلة جديدة «خطرة» فى «نوعية الأهداف» و»مستوى العمليات»، وصلت إليها حركة سواعد مصر «حسم» الإخوانية، بمحاولة الاغتيال الفاشلة الأخيرة للمستشار أحمد أبوالفتوح عضو اليسار فى محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى بقضية «أحداث الاتحادية» التى انتهت بإدانته بحكم نهائى بات بالسجن المشدد 20 عاماً.

تنفيذ العملية تم باستخدام سيارة مفخخة، وبآلية التحكم عن بعد، حيث انفجرت السيارة على بعد مترين فقط من سيارة المستشار أبوالفتوح، وعلى بعد 200 متر من منزله فى مدينة نصر، وذلك أثناء عودته من صلاة الجمعة.

عملية استهداف أبوالفتوح الفاشلة يفصلها شهر واحد فقط، عن عملية أخرى لـ»حسم»، لم تكن أقل إزعاجاً، وهى محاولة اغتيال فاشلة للنائب العام المساعد، ومدير التفتيش القضائى بالنيابة العامة، المستشار زكريا عبدالعزيز، وأيضًا على بعد أمتار من فيللته بالتجمع الخامس، والتى جرت بنفس نمط عملية اغتيال النائب العام الراحل، المستشار هشام بركات بالقرب من منزله فى حى مصر الجديدة نهاية يونيو 2015.

وفيما كانت محاولة اغتيال النائب العام المساعد، مؤشرا خطيراً لدى الخبراء الأمنيين -وفقا للعميد خالد عكاشة - على تحول «حسم»، بدورها، فى العمليات الأخيرة إلى استهداف رجال النيابة والقضاء، غير أن محاولة اغتيال المستشار أبوالفتوح كقاض لمحاكمات الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى تحديدا، أثبتت الأمرالأخطر، وهوعدم عشوائية الحركة فى اختيار الشخصيات القضائية المستهدفة فضلًا عن أهميتها.

وكانت حركة «حسم» هى المخطط والمنفذ أيضاً لمحاولة اغتيال المفتى السابق، الدكتور على جمعة فى مدينة 6 أكتوبر، بإطلاق النار عليه، أثناء ذهابه لأداء الصلاة فى مسجد فاضل القريب من منزله، غير أنها صاحبة الدعم الإعلامى، والدور الغامض كذلك، فى عمليات التنظيم الإرهابى الصاعد «لواء الثورة» الذى نفذ عملية اغتيال العميد عادل رجائى قائد الفرقة التاسعة مدرعات بالقوات المسلحة قرب منزله بمدينة العبور، حيث روجت الحركة إعلامياً للتنظيم على موقعها الإلكترونى، وكانت أول جهة إرهابية تسارع إلى إعلان التهنئة له فور تنفيذه عملية «لواء الثورة» الأولى فى كمين العجيزى بالفيوم.

صحيح أن جميع العمليات الإرهابية الأخيرة المنسوبة لحركة «حسم» الإرهابية، لم تصل إلى تحقيق هدفها الأقرب بـ»تصفية» الشخصيات المستهدفة، على قوائم اغتيالاتها، غير أن الحركة، ووفقاً لتقديرات جميع الخبراء الأمنيين و الباحثين فى شئون الإرهاب، استفادت بهذه العمليات فى تحقيق أهداف أبعد فى إطار المواجهة مع الدولة، وعلى طريق إنهاك الأجهزة الأمنية.

أهم تلك الأهداف الترويج لنفسها، ولإمكانياتها التنظيمية - تكتيكية ومعلوماتية - ولقدرة عناصرها على الوصول إلى شخصيات حساسة على أعلى درجة من الأهمية فى الدولة، والترويج لكفاءة هذه العناصر فى رصد الدائرة الأمنية المحيطة بالـ«الهدف» واختراقها، خاصة أن حركة «حسم» أيضاً تنتهج استراتيجية شديدة الذكاء فى اختيار«نوعية الهدف»، بحيث تحقق عملية اغتياله، أكبرقدر من الإيلام للدولة،وكذلك أكبر صدي إعلامى ممكن.

وفى هذا السياق، تبرز أهمية اهتمام الحركة، بالناحية الإعلامية كركيزة أساسية لديها، وكذلك فى محاكاتها للسياسة الدعائية للتنظيمات الكبرى مثل داعش، من ناحية الترويج لنفسه، وإضفاء هالة إعلامية على عملياته، الأمر الذى يزيد من أهميته ويضخم من خطورته وإمكانياته التنظيمية.

وبالتالى اهتمت الحركة بتأسيس موقع إلكتروني خاص بها على شبكة الإنترنت، وتأسيس صفحات باسمها على مواقع «فيس بوك» و«تويتر» و«تليجرام»، كما اعتمدت استراتيجية إعلامية تقوم على إصدار بيانات تطلق عليها «بيانات عسكرية»، وعلى عمليات التصوير والتوثيق لجميع العمليات، وعلى رأس هذه العمليات محاولة اغتيال المستشار أحمد أبوالفتوح فقامت الحركة عقب بثها ما أطلقت عليه « بلاغ عسكرى رقم 7» وأعلنت فيه مسئوليتها عن العملية، بنشر صورعلى موقعها الإلكترونى على الإنترنت، لكافة خطوات العملية، بدءا من رصد منزل المستشار وسيارته وحراسته الخاصة، وحتى لحظة تفجير السيارة المفخخة.

وقامت بتقسيم المنفذين فى كل مرحلة من مراحل العملية، وتصنيفهم تبعا لمجموعات «الرصد العملياتى» و«فرقة المتفجرات المركزية»، وهى مجموعات تعمل بالتوازى مع أقسام «المعلومات» و«التحريات» و«فرقة الاغتيالات»، مايترك انطباعا بأن الحركة هى تنظيم حقيقى متماسك، ويضفى مزيدًا من الهالة على إمكانيات ذلك التنظيم وقدراته. كل تلك المواقع والصفحات الإلكترونية، تحولت إلى أرشيف كامل موثق لنشاط حركة حسم، منذ أن أصدرت بيانها التأسيسى فى أكتوبر 2014، وأعلنت فيه شعاراتها الشهيرة «السلمية المبدعة» و«نحن قدر الله النافذ إليكم»، ثم الإعلان عن عملياتها الأولى التى صنفتها بعمليات الـ«كمين من النقطة صفر» مثل محاولتى اغتيال وكيل نيابة بورسعيد، وأيضا اغتيال المقدم محمود عبدالحميد، رئيس مباحث مركز طامية بمحافظة الفيوم وغيرهما. الحركة كانت قد أعلنت كذلك منذ بدء نشاطها قوائم سوداء ضمت عددًا من الإعلاميين وضباط الجيش، وبعضًا من ضباط الشرطة التى صنفتهم كمتورطين فى فض اعتصامات رابعة والنهضة، حيث عمدت إلى نشر عناوين منازلهم أو محال إقامتهم ودعت إلى قتلهم.

وتزامن ذلك مع «الحملة الهزلية» التى أطلقتها بإعلان وزارة الداخلية «منظمة إرهابية»، ودعوة ضباطها إلى «التوبة أو القصاص»، وفرض حظر على الضباط وسيارات الشرطة بعد العاشرة مساء، وتحريض أنصارها فى الإسكندرية لإشعال قسم شرطة الدخيلة يوم 27 يناير 2015 وكذا السيطرة عليه، بخلاف تحريضها على المسيحيين وعلى مقاطعة منتجاتهم واستهداف مصالحهم.

فى كل الأحوال وبصرف النظرعن المحاولات الذاتية من جانب الحركة للترويج لنفسها، وتضخيم إمكانياتها، والظهور إعلامياً بصورة التنظيم الضخم، الذى يستطيع إن لزم الأمر أن يتبنى غيره من التنظيمات والخلايا الصغيرة، ويقدم الدعم لها، على طريقة ما حدث مع «لواء الثورة»، فإن حسابات العمليات على الأرض، والبيانات الرسمية من وزارة الداخلية نفسها ترصد الآن بلا مواربة حالة نشاط ملحوظ للحركة، بعمليات إرهابية متكررة، وبفواصل زمنية قصيرة. الأمر الذى يعكس قدرة واضحة لدى الحركة على ضح دماء جديدة من الشباب المتطرف إلى معسكرها، ويشير إلى وفرة تمويلية واضحة تمكنها بالفعل من توفير كم ضخم من المتفجرات والسيارات والإمكانيات اللازمة لتنفيذ عمليات بتلك الخطورة، ويرشحها أيضاً إلى أن تصبح «الألفة» و«رأس الحربة» بين «تنظيمات الدم» ذات الهوية الإخوانية، التى تعمل بالتوازى معها على الأرض الآن، وفقا لاستراتيجية «الدوائر المغلقة» التى تعمل بمعزل عن بعضها البعض، وتنفذ عملياتها بشكل مستقل تماماً، فيما تخضع جميعاً لقيادة إخوانية عليا، كانت تتمثل فى عضو مكتب الإرشاد محمد كمال حتى مصرعه قبل شهر تقريبا.

فى الوقت الذى ما زالت فيه الهوية النهائية لعناصر «حسم» لم تحسم بشكل نهائى، فبينما يرى بعض الباحثين أن الحركة هى فى الحقيقة بقايا من عناصر تنظيم «أجناد مصر»، شأنها فى ذلك شأن تنظيم «لواء الثورة»، يرى البعض الآخر أنها عبارة عن مظلة تضم تحتها مجموعة من الهويات الإرهابية المختلفة، التى اجتمعت على هدف واحد هو مواجهة الدولة فى أعقاب عزل محمد مرسى وسقوط حكم الإخوان. وإن كانت الحركة قد حاولت بدورها فى بيانها السابع نفى أى رابط تنظيمى بينها وبين الإخوان قائلةً: «لا تعتمدوا كثيرًا على سلمية الإخوان لأننا لسنا من الإخوان»، وهو مايتناقض مع أن الحركة قد درجت ومنذ بيانها التأسيسى على إعلان دعمها للجماعة ورموزها الإعلامية التى تهاجم السلطة مثل آيات عرابى ومعتز مطر وهيثم أبو خليل وباسم خفاجى وغيرهم. ملمح آخر يتعلق بهوية «حسم» وأعضائها تثيره بيانات الحركة المناصرة لـ«داعش» والتنظيمات والفرق التى تعلن بيعتها لتنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابى، مايعكس إما هوى فكرى داعشى داخل الحركة أوحالة انبهار بدموية التنظيم واستراتيجياته على أقل تقدير، وهو ربما ما انعكس فى استخدام الحركة للسيارات المفخخة فى أحدث عملياتها.