أحمد شوبير يكتب: حكايتى مع ثابت البطل

الفجر الرياضي



■ كان يتدرب كأصغر لاعب فى الفريق.. وظل يعشق الأهلى حتى النفس الأخير فى حياته

قد تكون هى الحكاية الأصعب على الإطلاق ففصولها لا تبدو سعيدة ولكنها مهمة للغاية، فالتنافس فى كرة القدم هو الأقوى ولكن تنافس حراس المرمى لا مثيل له لأنه مركز واحد وغالبا أو دائما ما تكون العلاقة بين حراس المرمى هى الأسوأ على الإطلاق. فأنا عاشق لإكرامى منذ الصغر أشترى صوره وأضعها فى كتاب المدرسة.. لا أرى حارسا أمامى سوى إكرامى أغضب وأنفعل بشدة إذا دخل مرماه هدف وحمّله أحد مسئولية هذا الهدف، تعجبنى شياكته واستايله أى طريقته فى اللعب طريقة إضاعته للوقت، لذلك لم أشعر بوجود ثابت البطل كحارس لمرمى الأهلى لأن زاوية الرؤية كانت مغلقة على حارس واحد هو إكرامى، وحتى عندما انضممت للأهلى قادما من طنطا كنت أبحث فى كل أرجاء النادى عن إكرامى هذا الحارس الأسطورى من وجهة نظرى، وكنت صغيرا لا يتجاوز عمرى 17 سنة ويوم أن صافحنى إكرامى لم أصدق نفسى وجريت إلى طنطا لأخبر زملائى أننى صافحت إكرامى، وكان ودودا ولطيفا معى. ولم تبدأ أبدا قصتى مع ثابت البطل إلا بعد وقت بالتحديد عام 79 وكنا فى معسكر إعداد الفريق الأول بمرسى مطروح ويومها بدأت علاقتى بالنجوم الكبار تصبح أكثر مباشرة، فأنا معهم فى معسكر أتدرب وأجلس على مائدة الطعام فانكسر حاجز الخوف وإن ظل حاجز الاحترام كما هو، وعلى مدى ثلاثة أسابيع تقريبا لم يتحدث معى ثابت البطل تقريبا إلا مرة أو مرتين ولثوانٍ معدودة، على العكس من إكرامى فقد كان ظريفا مع الجميع يضحك ويهزر ويتبادل معنا الحوار، فارتبطت بإكرامى أكثر وأكثر وظل الأمر طويلا هكذا بينى وبين ثابت البطل حارس مرمى كبير لا يعرف الهزار أو الضحك بل الجدية المفرطة معنا كشباب فى الفريق عكس تعامله مع الكبار ولم أكن أهتم كثيرا، فإكرامى يحبنى ويتكلم معى وهو مثلى الأعلى ولسوء حظى لم انتظم كثيرا فى البداية فى التدريبات بسبب ظروف الثانوية العامة أحيانا والمرض أحيانا، إلى أن جاءت الفرصة وأصبحت رسميا على قوة الفريق الأول وأصبح وجهى فى وجهه يوميا وكنا نتبادل التحية بالعافية، والغريب وهذه أول مفاجأة أننى اكتشفت أن العلاقة بينه وبين إكرامى مقطوعة تماما.. لا سلام ولا كلام ولا حتى تحية.. وكنت محسوبا على إكرامى لذلك كان حواره معى قليلاً للغاية، والغريب أننى كنت أشكو لإكرامى من هذه المعاملة الجافة جدا وكان هذا الأمر يقربنى منه أكثر نظرا للمنافسة العنيفة بين الاثنين ولكن بمرور الأيام بدأت الأمور تسير للأفضل، فالحوار أصبح أفضل كثيرا والتدريبات صارت بمعدل مرتين فى اليوم واكتشفت أمرًا مهمًا فثابت البطل لا يعرف سوى التدريب والجدية والالتزام ويعرف تماما أن إكرامى له جماهيرية عريضة وهو يشعر داخل نفسه أنه الحارس الأفضل وأنه مظلوم إعلاميا وجماهيريا بسبب إكرامى، لذلك كان يبدو عليه الضيق والغضب دائما سواء فى التدريب أو المباريات ولكن ومع مرور الوقت بدأت اكتشف أن البطل حارس كبير جدا وأن لكل منهما طريقته الخاصة وأسلوبه فى التدريب والمباريات بل حتى فى طريقة اللعب، فإكرامى يهتم بأناقته وشياكته طبعا إلى جوار مستواه أما ثابت فلا هم له سوى الملعب لذلك لم يكن يظهر بمظهر الحارس الشيك الأنيق وثابت البطل حارس بخيل لا يرتجى كثيرا عكس إكرامى تماما وثابت يعشق أن يكون لاعب كرة يلعب برأسه أكثر من يده له مدرسة وأسلوب خاص به فى الملعب، لذلك وجدت نفسى ودون أن أدرى ورغم عشقى الشديد لإكرامى إلا أن اسلوب ثابت وجدته قريبا جدا منى ويتناسب مع قدراتى، لذلك قررت أن أقترب أكثر منه دون المساس بعلاقتى بإكرامى ووجدت أننى من الممكن أن أستفيد من الاثنين على أن تكون لى شخصيتى المستقلة داخل الملعب وخارجه ولعل هذا ما جعل العلاقة بينى وبينه تتحسن قليلا ولكن ليست أبدا بدرجة العلاقة مع إكرامى. وأذكر مرة ولم أكن أمتلك سيارة أن وجدنى أمام النادى انتظر تاكسى لإيصالى للمنزل فإذا به يطلب منى الركوب لإيصالى وكانت مفاجأة، وبالفعل كان أول حوار مباشر بينى وبينه ويومها سألته عن سر العلاقة المتوترة بينه وبين إكرامى فأرجعها إلى الإعلام الذى يميزه كثيرا عنه وأيضا انتقد مدرب حراس المرمى الذى لا يعطيه حقه من وجهة نظره، وتكلم كثيرا عن فنيات حراسة المرمى وكيف أنه لا يحب الاستعراض أو المنظرة على حد قوله وأن حراسة المرمى فن وذكاء أكثر منها رمى وحركات، ولما سألته عن رأيه فى مستواى فاجأنى بقوله إننى لست فى رأسه على الإطلاق فلا خوف منى لأن المنافسة تنحصر بينه وبين إكرامى فقط، واستفزتنى الكلمة جدا فلا يمكن أن أكون خارج حساباته إلى هذه الدرجة ولكنى لم استطع الرد عليه وزادتنى كلماته تصميما وإصرارا على أن أثبت له أننى حارس جيد وأننى قادر على منافسته، خصوصا أن حوارا شبيها دار بينى وبين إكرامى عندما طلب منى البحث عن ناد آخر بدعوى أننى لن أجد فرصة أبدا فى الأهلى فى ظل وجوده هو وثابت البطل فى فريق واحد، ورغم أنها كانت على شكل النصيحة إلا أننى غضبت جدا واستمت فى التدريبات وأصبح يومى كله فى النادى تدريباً مع كل الفرق ومشاركة فى كل المباريات الودية مع فرق الناشئين والشباب. وللأمانة فقد كان ثابت البطل يتابعنى وكنت ألحظ فى عينه اهتمامًا بتدريبى حتى أنه وقف معى فى أحد الأيام بعد مباراة أديتها بشكل جيد وأخذ يعطينى توجيهات وفى اليوم الثانى كان له موقف جميل فى التدريب عندما وجهنى لكيفية الوقوف فى الكرات العرضية وقال لى بالحرف الواحد اتعلم من ثابت البطل دى فرصة مش حتتكرر، وكان محقا فى كلامه وانتظرت بفارغ الصبر الحصول على فرصة حتى جاءت فى 16/5/1984 مباراة الأهلى والأوليمبى ويومها قرر محمود الجوهرى إشراكى فى المباراة وقامت القيامة كيف يجرؤ الجوهرى على إشراكى رغم وجود ثابت البطل وإكرامى ولكن لولا ستر الله وتوفيقه لكانت هى مباراة اعتزالى فقد فزنا 3/صفر ولم أختبر يومها جديا، ولكن استبشر بى الجمهور خيرا لأن الأهلى كان يخسر قبلها، وبدأت أولى خطوات المنافسة بينى وبينهما ولحسن الحظ أصيب الاثنان فأصبحت الحارس الأول فى الفريق وتوالت الانتصارات وبدأت ثقة الجماهير تزداد فى مستواى واستمرت الإصابات مع إكرامى حتى اعتزل مبكرا وأصبحت أنا والبطل وجها لوجه ما بين تنافس وخلافات وصلت أحيانا إلى حد القطيعة ثم تعود مرة أخرى.. فهو غير مصدق أن يصل الصغير الذى لم يكن يعمل له حسابًا أصبح حارسا وله جماهيرية جيدة بل وتم اختيارى للمنتخب لأكون منافسا شرسا له وكسب منى الجولة الأولى فى بطولة أمم أفريقيا 86 عندما لعب أساسيا وكنت احتياطيا له وكدت أن أترك معسكر المنتخب لأننى كنت أساسيا فى الأهلى لكن المدرب مايكل سميث فضله علىَّ وبالفعل غادرت معسكر المنتخب لولا تدخل الراحل د. خطاب وإقناعى بالعودة، والحقيقة أنه لعب دورا جيدا فى فوز مصر بالبطولة، ثم أعلن اعتزاله اللعب الدولى بعدها وفرحت جدا لأنه لم يكن أمامى سواه منافس إلا أن المدرب تمسك به ورفض اعتزاله فعاد للمنتخب حتى جاءت بطولة الألعاب الإفريقية عام 87 بكينيا ولعب هو أساسى كالعادة، ولكنه لم يكن موفقا فشاركت منذ الدور نصف النهائى أمام الكاميرون ويومها غضب غضبا شديدا ولكنى لعبت مباراة العمر وأنقذت ضربتى جزاء وصعدنا للنهائى وفزنا 1/ صفر على كينيا وأحرزنا البطولة ومن يومها لم أجلس أبدا احتياطيا فى حراسة مرمي المنتخب وظل الصراع على أشده بينى وبينه فى صفوف الأهلى، فقد كان مقاتلا من الدرجة الأولى ولكن أصبحت الحارس الأساسى فى معظم المباريات إلا أن عناده وإصراره اللا محدود عاد به من جديد، فقد حدث أن تولى تدريب الأهلى مدربا ألمانيا اسمه فاتيسا وقرر الرجل أن أكون الحارس الأول للفريق ويومها غضب ثابت البطل بشدة إلا أنه وبذكاء شديد لم ينقطع عن التدريبات بل تدرب تدريبا منفردا حتى حدثت لى إصابة، فلعب أساسيا وبعد عودتى كافحت بشدة أمام إصراره وعناده حتى أعادنى فاتيسا إلى التشكيل الأساسى وغضب البطل وأعلن اعتزاله إلا أن فاتيسا رفض قراره وصمم على استمراره فى الملعب فى مفاجأة غريبة لى ولكن الرجل اجتمع معى وقال لى «ثابت البطل حارس ممتاز وهو يساعدك على التحدى والإصرار ووجوده فى الملعب يجعلك أكثر إصرارا على النجاح والمنافسة دائما لصالح الأهلى» واستمر الصراع الدائر بينى وبينه وعلى الرغم من أنه كان أكبر منى بسبع سنوات إلا أنه وللأمانة الشديدة كان يتدرب كأصغر لاعب فى الفريق، لذلك لم أكن أترك له الفرصة أبدا ليكون أساسيا على الرغم من إجادته فى معظم المباريات التى كان يشارك فيها إلا أن إصرارى كان أكبر وأيضا وجودى أساسيا بحراسة مرمى منتخب مصر كانت تعطينى الأفضلية لدرجة ما، ولكنه ظل منافسا شرسا حتى جاءت مرحلة كأس العالم فلعبت التصفيات كلها وساهمت مع زملائى فى الصعود لنهائيات كأس العالم 90 ولم يكن ثابت البطل فى صفوف المنتخب إلى أن فوجئت بعد خلاف حدث بينى وبين محمود الجوهرى بضمه لصفوف المنتخب فجن جنونى وطلبت من حازم كرم مدرب الحراس الرحيل عن المنتخب إلا أنه طلب منى الهدوء وقال لى «الرد يكون فى الملعب وليس بترك المنتخب فأنت الخاسر الأكبر، واقتنعت بوجهة نظره وظللت الحارس الأول فى كل مباريات كأس العالم وبعدها قرر ثابت الاعتزال فظننت أننى ارتحت من هذه المنافسة العنيفة إلى أن جاء اليوم الذى قرر فيه النادى الأهلى تعيينه مديرا للكرة وكانت صدمة لى فالعلاقات كان قد توترت إلى أقصى حد خصوصا بعد عدم مشاركته فى كأس العالم وخرج بتصريحات هاجمنى وهاجم الجوهرى فيها، وظللنا من بعدها لا نلتقى تقريبا حتى فوجئت به مديرا للكرة وكان إكرامى مدربا لحراس المرمى وسبحان الله فقد أصبح الغريمان اللدودان صديقين حميمين واستغربت جدا من هذا التقارب العجيب، فعلى مدى سنوات طويلة لم تكن بينهما أية علاقة وعرفت أن أمامى عامًا صعبًا جدا خصوصا أن إكرامى وإن ظل صديقا لى إلا أنه كان يحلم بأن يكون حارس الأهلى أحد الحراس الصاعدين ليكون هو صاحب الفضل عليه، وأذكر أن البطل طلب الاجتماع بى وهو لم يكن يجيد الحديث ففاجأنى بقوله إنه ليس بينى وبينه شىء على الإطلاق وأنه سيتعاون مع الجميع لإنجاح الفريق بل إنه من الممكن أن يتحالف مع الشيطان لمصلحة الفريق، وكنت كابتن الفريق فسألته وهل أنا الشيطان؟» فقال: «لا ولكن مصلحة فريقى فوق كل اعتبار» وبدأت العلاقة متوترة جدا بينى وبينه وكان الجميع يعرف ذلك ومن سوء حظى أن بداياتى معه كمدير للكرة كانت سيئة جدا فى البطولة العربية بتونس فوجدوها فرصة للتخلص منى وبالفعل جلست احتياطيا لأول مرة منذ فترة طويلة، ولكن لحسن حظى لم يوفق الحارس البديل فاضطروا إلى العودة لى من جديد واستمت من جديد فى التدريب وعدت حارسا أساسيا لمنتخب مصر بعد فترة خلاف مع محسن صالح مدرب المنتخب الذى رحل وحل بدلا منه فاروق جعفر فأعادنى أساسيا فى التشكيل وازدادت قوتى داخل الفريق، ولكن وبكل أسف ازدادت هوة الخلافات مع البطل دون سبب مفهوم فقد كان البعض يوشى له أننى أسحب سلطاته ككابتن للفريق وأننى أجلب مكافأة للفريق من الخارج دون علمه وأننى أعقد اجتماعات للفريق فى منزلى من دون إذنه، ودخلنا فى دوامة من المشاكل لم يقطعها سوى فوزنا ببطولة الدورى العام وكان لى دور بارز فيها، ورحل البطل من منصب مدير الكرة ثم عاد بعد عام وحدث وأصبت فى كتفى وكان الأهلى قد ضم عصام الحضرى فصمم البطل على إشراكه وعبثا حاولت العودة لحراسة مرمى الفريق إلا أننى وجدت الطريق مسدودًا تماما أمامى، فاضطررت إلى إعلان اعتزالى وأنا غاضب جدا ويومها كانت هناك لقطة شهيرة وأنا أصافح البدلاء على دكة البدلاء ولم يصافحنى فى مشهد غريب كان حديث الناس كلها وظلت العلاقة متوترة جدا إلى أن دخلت اتحاد الكرة وطلبوا ترشيح مدرب لحراس المرمى وكان قد ترك الأهلى فرشحت اسم ثابت البطل وفوجئ هو بهذا الترشيح وقابلنى فى النادى غير مصدق إلا أننى أكدت له أنه يستحق لأنه الأفضل وسبحان الله تغير الحال تماما من بعدها وأصبحنا أصدقاء على كل المستويات حتي جاء مرضه الأخير وسافر إلى باريس للعلاج، فكنت أتصل به يوميا مرتين للاطمئنان على صحته ثم ذهبت لزيارته أكثر من مرة وقضينا العام الأخير فى علاقة هى الأفضل على الإطلاق وكنا نضحك على الأيام والخلافات السابقة بيننا وكنت أوصيه بصحته والاهتمام بها رغم علمى المسبق من د. عماد بركات الطبيب المعالج له من أن أيامه أصبحت معدودة فى الدنيا لأن المرض كان قد انتشر فى كل أنحاء جسمه وظل على إصراره وعزيمته وحبه للنادى الأهلى حتى النفس الأخير فى حياته، فقد وافته المنية بعد حضوره مباراة للأهلى فى الملعب وعاد إلى المنزل لينتقل إلى رحمة الله تاركا خلفه رصيدا هائلا من الإصرار والعناد والنجاح له وللنادى الأهلى.