On the Milky Road أمير كوستوريتسا يروى تاريخ بلاده

العدد الأسبوعي

مونيكا بيلوتشي وكوستوريتسا
مونيكا بيلوتشي وكوستوريتسا


تشعبت أنشطة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى كثيرًا فى السنوات القليلة الماضية، وبعد أن كانت المسابقة الرسمية هى الأهم والتى يرغب رواد المهرجان فى مشاهدة أفلامها أصبح هناك متسع لمتابعة أنشطة أخرى قادمة من برامج موازية، حتى المسابقة الرسمية نفسها أصبح بجوارها أقسام موازية تعرض أفلاما على نفس المستوى من القوة إن لم يكن أكثر لكن لائحة المهرجان منعتها من المنافسة.

المخرج الصربى أمير كوستوريتسا يعيد قراءة تاريخ بلاده مستخدمًا أسلوبه الذى يركز على الفانتازيا فى أحدث أفلامه On the Milky Road بداية من مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية مرورا باتحاد الجمهوريات اليوغسلافى وصولا للوقت الحالى، رحلة عبر عنها أمير مستخدما الفلكلور والحرب الأهلية وحمامات الدم التى شكلت الصيغة الحالية لحدود بلاده وما يجاورها من دول أخرى بعد تفكك يوغسلافيا.

الرموز هى أكثر ما يميز الفيلم الذى يمكن أيضا وصفه بالشاعرى، حيث يركز على شخصية كوستا (أمير) الرجل الذى يقطع خط النار على الجبهة يوميا حتى يوفر للجنود احتياجهم من الحليب، وهو ما يعنيه عنوان الفيلم حرفيا لكن بنظرة فلسفية متعمقة للفيلم يمكن إسقاط العنوان على رحلة كوستا خلال الفيلم ككل بكل ما تحمله من مشقة وصعوبات.

كوستا يرتدى زى الجيش الصربى وتقع فى غرامه فتاة (سلوبدا مايكلوفتش) أخوها جنرال كبير فى الجيش (بريدراج مانوجولافتش) ترغب فى أن تتزوج وأخوها فى ليلة واحدة لذلك تخطف بيرد (مونيكا بيلوتشى) لتكون عروس أخيها وتتزوج هى كوستا، لكن الأخير يقع فى غرام «بيرد» التى تبدو هى وأخت الجنرال كأنهما وجهان لعملة واحدة يمثلان روح هذه المنطقة الجبلية القاسية التى انهكتها حتى زمن قريب الحروب الأهلية، ويؤكد ذلك اقتراب الممثلتين فى الملامح الشكلية، والساعة القديمة التى تسببت لهما بنفس الإصابة فى اليد اليمنى وايضا كوستا وهو ينظر لكلتيهما وهما يتحضران للعرس.

لكن القدر لا يسمح للمخطط أن يستمر، خيانة تؤدى إلى مقتل الجنرال العائد وأخته، ودمار قريتهما بالكامل والناجون هم كوستا وبيرد اللذان يحاولان الهرب من المغيرين الجدد وقيمهم العسكرية الحديثة برحله طويلة تمثل جزءا كبيرا من الفلكلور الخاص بالمنطقة مدعومة بموسيقى شعبية يعزفها كوستا باستخدام أدوات بدائية، ومشاهد تبرز الطبيعة بشكل قوى للتأكيد على هوية المنطقة وطابعها الجبلى.

التالى يكشف نهاية الفيلم

كوستا يحاول طوال الوقت الحفاظ على بيرد باعتبارها كل ما يمثله تاريخه خاصة بعد مقتل أخت الجنرال، لذلك يدافع عنها حتى لو تأذى هو شخصيا ولا يعدم الحيل فى تنفيذ ذلك لكن القدر يغالبه كثيرا للدرجة التى ينفذ معها ما فى جعبته من حيل وعلى الرغم من مساعدة الحيوانات التى يقابلها فى رحلته الممتدة وعلى رأسهم الثعبان الضخم الذى يشرب اللبن وأنقذ حياته من قبل، والصقر الشاهين صديقه الذى رافق رحلته منذ البداية، إلا أن بيرد تموت والسبب حقل الغام أرضية، عند هذه النقطة يبدو واضحا التأثير المدمر للحرب الأهلية التى تسببت فى أن تشوه الطبيعة الساحرة التى تظهرها لقطات الفيلم بأداة قتل عنيفة هى الألغام وكأن الحروب الاهلية هى السبب الرئيسى فى ضياع الهوية والملمح الأساسى حسب الفيلم، لتقفز الأحداث 15 عاما بعد موت بيرد وقد تحول كوستا، أطلق لحيته وزين الصليب صدره، خلع ملابس الحرب وارتدى ملابس بسيطة وارتبط بالكنيسة أكثر وباستخدام أحجار المنازل المهدمة والتى يحمل منها كوستا ما يقدر على حمله ويبدأ رحلة صعبة حتى يعود لحقل الالغام التى ماتت فيه بيرد ليرص أحجاره وينتهى الفيلم باستخدام أمير زاوية كاميرا Brideeye ليبدو المشهد وكأن الصقر يشاهد كوستا وهو يرسم خريطة بلاده مستخدما الاحجار التى يدفن بها الالغام الأرضية.

It’s only the end of the World الشاعرية باستخدام الصورة السينمائية

يمكن تلخيص قصة هذا الفيلم فى سطر واحد على الأكثر، لكن هذا السطر تحول على يد المخرج الكندى إكزافيير دولان إلى ملحمة سينمائية مصاغة بشكل شاعرى باستخدام الصورة، وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ ذلك وما فرضته رؤية المخرج من عقبات إلا أنه تخطاها بذكاء ليصنع من كاتب شاب يواجه مرضا عضالا ويعود لأسرته بعد غياب سنوات ليخبرهم أنه سيموت إلى صورة شاعرية يشرح من خلالها قيم الأسرة.

اللقطات المقربة كانت وسيلة المخرج فى التركيز على خمسة أشخاص كل منهم يحمل مشاعر مختلفة، والحدث هو عودة الابن الأوسط لوى (جاسبارد اوليل) فى زيارة عائلية ليواجه مشاعر أمه (ناتالى باي) وأخته الصغرى سوزان (ليا سيدو) والأخ الأكبر أنطوان (فنسنت كاسل) وزوجة أخيه كاثرين (ماريون كوتيار) التى لم يرها من قبل لكن سرعان ما ينشأ بينهما تواصل روحى يجعلها أكثر من مقربة.

كيف استخدم دولان اللقطات المقربة؟ هذا هو السؤال خاصة أن تكنيك اللقطات المقربة على الرغم من أنه يضع الشخصيات فى حالة تماس وتقارب بينها وبين الجمهور، لكن هذا القرب لو لم يجد ممثلا قويا ليعبر عنه سيضيع جهد المخرج وهو الأمر الذى وضعه الكندى الشاب عين الاعتبار عند اختيار الممثلين الخمسة الذى يعد أربعة منهم ذوى شهرة عالمية بالإضافة لكونهم قادرين فقط على نقل المشاعر باستخدام تعبيرات الوجه دون الاعتماد لا على الحوار ولا الجسد كأداتين إضافيتين فى التعبير عند أى ممثل.

زوايا التصوير أيضًا كانت إحدى عقبات رؤية دولان، لأن الحوارات الثنائية بين الشخصيات تضعهم فى مواجهات، الأمر الذى يجعل شخصية تظهر من الخلف تعتم نصف الشاشة، والشخصية الاخرى تظهر بنصف وجه يملأ النصف الاخر من الشاشة، لكن الحرفية هنا فى استخدام هذا العائق لخدمة المعنى العام والمشاعر التى يرغب المخرج فى التركيز عليها، حيث اصبح نصف الوجه هو التعبير الصريح باستخدام لغة سينمائية عن الجانب المظلم الموجود عن البشر جميعًا، يعبر عن الاسرار والرغبات الدفية التى لا تظهر فى المحادثات العامة، وما يؤكد على ذلك هو لجوء دولان فى النهاية للقطات المتوسطة التى تظهر الوجوه كاملة بعد أن خرجت مشاعرها فقط لوى دخل وخرج وهو يحمل أعباءه إن لم تكن زادت.