منال لاشين تكتب: توابع كارثة قانون الجمعيات

مقالات الرأي



■ جهة غامضة قررت الانقلاب على قانون غادة والى للقضاء على العمل الأهلى

■ تمثيلية «دعم مصر» لامتصاص الغضب الشعبى من القانون

■ الجمعيات الأهلية المهددة بالحل تقدم 30% من الخدمات الصحية بالقاهرة والجيزة

■ 60 نائبا يدرسون طلب إعادة مداولة لقانون «القصبى» ومجلس حقوق الإنسان لديه 30 ملاحظة على القانون


لم يمنحنى هذا التجمع أو اللقاء الكثير من الاقتصاد لا تحليلا ولا أسرارا، وذلك على الرغم من أن اللقاء جاء بدعوة من المركز المصرى للدراسات الاقتصادية. ربما لأننا نتكلم ونتجادل فى الاقتصاد ليل نهار. ولأن صدمة التعويم سيطرت على الإعلام واللقاءات والندوات. ومع ذلك فإن الاقتصاد ليس المرض الوحيد الذى نعانى منه. ولذلك فإن أفضل ما فى اللقاء أنه وضعنا وجها لوجه أمام كارثة قانون الجمعيات الأهلية. وهو القانون الذى مرره البرلمان فى يومين. كانت الجلسة الخاصة بقانون الجمعيات أشبه بمرآة رأيت فيها مدى قبح المشهد الآن.. صورة قاتمة.. جمعيات مهددة بالحل، ومناخ خانق وقبضة أمنية تتوغل فى كل شىء فى حياة المواطن.

خلال جلسة أخرى عن قانون الإعلام تكرر الحديث عن توغل وسيطرة النظرية الأمنية ومزاحمتها للنظرة والتصور السياسى. اللقاء الذى امتد ليومين فى الأقصر وضم النواب والمحررين الاقتصاديين ورجال أعمال وخبراء تناول أكثر من مشروع قانون، الاستثمار والإدارة المحلية والإعلام. وقانون الجمعيات الأهلية.


1- استهداف جماعى

توابع قانون الجمعيات الأهلية المشهور بقانون القصبى تضرب ملايين المصريين الفقراء فضلا عن حق المجتمع فى العمل الأهلى.

هذه الملاحظة المبدئية جاءت من الجلسة الأولى. وكانت هذه الجلسة مخصصة لمناقشة ما بعد الإجراءات الاقتصادية. وأخطرها بالطبع قرار تعويم أو اغتيال الجنيه.

قال الدكتور زياد بهاء الدين إن الحماية الاجتماعية للفقراء تتعارض مع التضييق على المجتمع المدنى. وإقرار قانون الجمعيات على هذا النحو. وأضاف: إن مصر بها نحو 45 ألف جمعية. فإذا كان هناك أزمة فى 50 أو 100 جمعية بها أزمات (يقصد الجمعيات الحقوقية) فلا يجب التضييق على آلاف الجمعيات التى تقدم خدمات الفقراء فى أمس الحاجة إليها.

الأرقام تثبت وتؤكد ما يقوله زياد، فى إحدى الدراسات أن 30% من الخدمات الصحية المقدمة فى القاهرة والجيزة تقدم عبر الجمعيات الأهلية. وبمعنى آخر أن 30% من سكان القاهرة والجيزة يحصلون على الخدمات الصحية من الجمعيات الأهلية بعيدا عن الحكومة. أو بالأحرى نتيجة فشلها فى توفير رعاية صحية لهم.

وفى الوقت الذى تعانى مصر من أزمة انفجار سكانى فإن القانون الجديد يهدد الجمعيات العاملة فى مجال تنظيم الأسرة بالشلل. وهذه الجمعيات تقدم خدمات تنظيم الأسرة مجانا للمواطنين، وكانت الحكومة توفر لهم أطباء وممرضين وذلك من خلال التكليف العام للأطباء. وجاء القانون الجديد ليحرم الجمعيات والمواطنين من هذه الخدمة.

بعيدا عن التفاصيل فإن فلسفة قانون الجمعيات تقوم على تغليظ العقوبات من حبس وسجن لأعضاء مجلس الإدارة وحل الجمعيات وزيادة الأعباء المالية عليها. باختصار وعلى بلاطة المطلوب خنق الجمعيات والمجتمع المدنى.

وقد جاء عرض رئيس اتحاد الجمعيات الدكتور محمد طلعت عبدالقوى جيدا جدا لكشف هذه المعوقات، بينما تكلف النائب هيثم الحريرى بمقارنة رائعة وكاشفة عن الفروق بين قانون القصبى وقانون وزيرة التضامن غادة والى. وهى مقارنة لصالح قانون غادة والى الذى تجاهله مجلس النواب فى سابقة هى الأولى من نوعها.

تبدأ المعوقات من اللحظة الأولى التى يفكر فيها المواطن فى إطلاق جمعية أهلية، يجب أن يعاقب على مجرد الإقدام على هذه الخطوة و«نكعبله» بالمعوقات. يجب أن يدفع 10 آلاف جنيه بدلا من ألف جنيه فى قانون غادة والى. و500 جنيه فى قانون الجمعيات القديم. ويجب أن يقدم ما يفيد أن مقر الجمعية مسجل وموثق فى الشهر العقارى. وهو إجراء لا يعرفه لا قانون غادة ولا القانون القديم. ويمثل عبئا ماليا على الجمعيات.

أما إذا مر المواطن من عقبة إنشاء الجمعية فيجب استمرار معاقبته. بشتى الطرق والسبل

إذا فتح مقرات للجمعية فى المحافظات فيجب أن يحصل على موافقة من الوزارة، وذلك على الرغم من أن إنشاء الجمعية الأم كان بالإخطار.

وإذا نقل مقر الجمعية دون إخطار الوزارة يتم حل الجمعية، وحبس رئيس مجلس الإدارة.

وإذا دعا مجلس الإدارة للجمعية العمومية ولم تجتمع لعدم اكتمال النصاب مرتين يتم حل الجمعية. ويتم حل الجمعية إذا لم تمارس نشاطا فعليا لمدة عام وذلك بدلا من حل مجلس الإدارة.

فالحل يطارد الجمعيات حتى نضمن غلق الجمعيات التى مرت خلسة من عقبات إنشاء الجمعيات.

والحبس ظاهرة متكررة فى القانون، وكأن من أهدافه حبس كل من تسول له نفسه للخروج من منزله والقيام بعمل تطوعى. قانون القصبى به مادة بحبس رئيس مجلس الإدارة إذا عطل مراقبة الوزارة على الجميع. وهى تهمة فضفاضة ويصعب إثباتها. ومن باب تضييق الخناق على الجمعيات أنها أصبحت مطالبة بالذهاب للمحاكم للاعتراض على وقف الوزارة أو الجهة الإدارية لأحد أنشطتها. وفى قانون غادة كانت الجهة الإدارية هى المطالبة بعرض اعتراضها على نشاط على المحكمة.


2- أزمة التمويل

كل هذه المعوقات السابقة تصيب كل الجمعيات التى تعمل فى توفير بطاطين الشتاء والتى تهدف إلى تقديم خدمات الصحة أو التعليم أو أى نشاط آخر.

ولكن الجمعيات الحقوقية لها بنود ومواد خاصة بها وتثير العجب. هناك مادة فى قانون القصبى تحظر على الجمعيات نشر نتائج استطلاعات الرأى إلا بعد العرض على الجهاز للتأكد من حيادية النتائج.

والجهاز نفسه حكايته حكاية. فقد ابتدع قانون القصبى جهازا اسمه «الجهاز القومى لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية». وهذا الجهاز رئيسه بدرجة وزير. وبه معظم الجهات الحكومية تقريبا. وزارات الدفاع والداخلية والعدل والتعاون الدولى ووزارة التضامن. بالإضافة إلى الرقابة الإدارية ووحدة غسيل الأموال بالبنك المركزى. وذلك لتمرير أو الموافقة على التمويل الأجنبى. الموافقة يجب أن تكون بأغلبية الثلثين. ولو لم تتوافر الأغلبية يتم رفض كل الموضوعات على جدول الأعمال. على بلاطة الرفض سيكون مصير التمويل. ولا أعرف السر وراء إنشاء جهاز موازٍ لوزارة التضامن صاحبة الحق الأصيل فى مراقبة التمويل. وهل المقصود سحب السجادة من تحت أقدام الوزارة. ولماذا لم يتم الاكتفاء بالرقابة الإدارية ووحدة غسيل الأموال وهما جهتان لديهما القدرة والخبرة لكشف أى فساد فى التمويل الأجنبى. وأن تشكل لجنة من ممثلى التضامن والتعاون الدولى وهاتان الجهتان بدلا من الزج بوزارات وجهات كثيرة.

وبالمثل لا أدرى السر وراء منع الجمعيات من نشر نتائج استطلاعات الرأى إلا بعد الرجوع للجهاز بحجة التأكد من الجدية، وذلك على الرغم من عدم وجود خبراء باستطلاعات الرأى فى هذا الجهاز. إلا إذا كان المقصود هو حجب نتائج الاستطلاعات إذا لم تعجب الجهاز. فتكون مهمة الجهاز حجب التمويل الأجنبى وحجب استطلاعات الرأى.

3- مواجهة وتمثيلية

بعد الرفض الواسع لقانون القصبى. بدأ ائتلاف دعم مصر تمثيلية لاحتواء الغضب ضد القانون. فبعد إقرار القانون تمت جلسات استماع للجمعيات الأهلية الكبرى. ولا أعرف لماذا لم يتم الاستماع لهم قبل تمرير القانون. بالإضافة إلى الاستماع اللاحق لإقرار القانون فإن مشاكل الجمعيات الكبرى (الأورمان مصر الخير تحيا مصر مستشفى 57357) تختلف كثيرا عن مشكلات الجمعيات الصغيرة والمتوسطة. هذه الجمعيات مهددة بالحل بسبب قانون القبصى. واتفق نواب من دعم مصر على طلب إجراء بعض التعديلات على القانون من خلال (إعادة المداولة) فى القانون. ولكن فى النهاية تم تمرير القانون كما هو.

وعلى الجانب الآخر كان نحو 60 نائبا يعتزمون طلب إعادة المداولة لعدد أكبر من المواد المحورية فى القانون. وهناك مطالبات بالطعن فى عدم دستورية القانون، كما أن المجلس القومى لحقوق الإنسان لديه أكثر من 30 ملاحظة على القانون. وكان مجلس النواب قد تجاهل دعوة المجلس القومى خلال جلسات استماع للقانون. وحتى لو حضر المجلس فإن القانون كان سيمرر بنفس مواده الخانقة. فقد استمع البرلمان لعدد من ممثلى المجتمع المدنى ووعدهم بأن يعرض عليهم مشروع القانون فى جلسة لاحقة. ولكنهم فوجئوا بالبرلمان يناقش ويمرر القانون فى 48 ساعة.

فهذا القانون بدأ كالشبح ظهر فجأة ودون أن تعرف الجهات التى تقف وراءه. الجهة المجهولة التى قررت أن تنقلب على الحكومة ومشروع قانون غادة والى. الجهة التى رأت فى قانون غادة تدليلا لمجتمع مدنى مطلوب خنقه وتأميمه. الجهة التى قررت أن «تجيب من الآخر» أقصد آخر العمل التطوعى والمجتمع المدنى.