عادل حمودة يكتب: قائمة المستحضرات الحيوية الناقصة فى المخازن والجمارك وليس فى نية الشركات استيرادها

مقالات الرأي



ننفرد بنشر ملف كارثة الدواء على مكتب وزير الصحة..

■ المستحضرات لا غنى عنها لمرضى السرطان والشيزوفرينيا والرعاية المركزة وبدونها تفقد الحامل الجنين

■ مسئولة الصيدلة تخضع لرغبات الشركات الأجنبية وتريد تأجيل مطالب الشركات المصرية ستة أشهر

■ الحكومة تدعم المستورد بمليارى جنيه سنويا وتكتفى باقتراح يخفض سعر المياه للشركات المصرية رغم أن التكاليف زادت عليها 65%

■ مخزون ستة أشهر استهلك فى شهر والصيدليات تبيعه بأضعاف سعره فى السوق السوداء


يفخر الدكتور أحمد عماد الدين بأنه لم يجر عملية جراحية لمريض قبل أن يتقاضى جميع أتعابه.. فى حالة من السمو الإنسانى لم يصل إليها ابن سينا شخصيا.. ربما كانت مبرر اختياره وزيرًا للصحة.. فالحكومة القائمة تؤمن بمبدأ لا سلعة تباع ولا خدمة تقدم أرخص من تكلفتها.. بما فى ذلك الحق فى العلاج المكفول دستوريا.

ورغم أن الحكومة كانت تعرف مقدما أنها ستعوم الجنيه ليفقد نصف قيمته فإن آخر ما فكرت فيه واستعدت له مواجهة كارثة نقص الأدوية المستوردة والمحلية بسبب ارتفاع سعر الدولار بما يقترب من الضعف.

وتحت يدى ملف سمين متخم بإخطارات النواقص مرفوعة من الدكتورة ولاء فاروق إبراهيم مدير الإدارة المختصة فى وزارة الصحة إلى الدكتورة رشا محمد زيادة رئيس الإدارة المركزية للصيدلة بتاريخ 15 نوفمبر الجارى وتحمل أرقاما كودية تبدأ من 3488 إلى 3528 بما يؤكد أن قائمة النواقص طويلة تتجاوز التصريحات الوردية لمعالى الوزير.. قدوة الأطباء فى التعامل مع المرضى.

خذ عندك عقار أنتى آر إتش الذى يجب على الحامل تناوله وإلا أجهضت مصابة بسيولة فى الدم.. رصيده الحالى صفر.. ولا توجد شحنات منه فى الجمارك.. وقررت إحدى الشركات المستوردة منذ شهر أغسطس الماضى التوقف عن جلبه لأنها غير قادرة على تسديد الشحنات السابقة بسبب تأخر البنك المركزى فى توفير قيمة الفواتير بالدولار لها كما أنها لن تقوم بالاستيراد فى الفترة المقبلة نظرا لما تتعرض له من خسائر كبيرة بسبب وضع العملة الحالى.. وهو ما قررته أيضا شركة أخرى تستورد المستحضر وإن أعلنت أن رصيدها الحالى لا يزيد على 7400 أمبول.

ولا يزيد رصيد مستحضر الدابومين المستخدم فى وحدات الرعاية لعلاج القصور الكلوى عن ألف عبوة بينما الاستهلاك الشهرى يصل إلى 1200 عبوة وليس فى الجمارك شحنات أخرى كما ليس فى نية الشركة الوكيل استيراده.

ويتكرر الموقف السيئ نفسه مع مستحضر هبابيج المزيد من المناعة خاصة لمرضى الكبد الوبائى «فيروس سى».. ومستحضر كيتو ستريل المستخدم فى الغسيل الكلوى ويقى من تدمير الكلى.. ومستحضر هيبتايس بى ايمونى جلوبولينى الذى يحصن العلاج من فيروس سى.. ولا يزيد معدل استهلاكه الشهرى على 250 أمبولا ولكن الرصيد صفر ولا نية لاستيراده.. ومستحضر آر إتش أو الخاص بأمراض المناعة ويتراوح معدل استهلاكه الشهرى ما بين 5-10 آلاف أمبول ولا يكفى رصيده سوى أسبوع ولا نية لاستيراده بسبب أزمة الدولار.

وهناك خمسة مستحضرات أخرى لزيادة المناعة منها اسباسفيك. اى. فيى. أيمونجلوبيلين رصيدها صفر وكميات الجمارك صفر وتوقعات الاستيراد صفر.

ويعد مستحضر هيومن أبلومين عنصر الحياة لمرضى الفشل الكلوى والاستسقاء وهناك ست شركات تأتى به من الخارج ليس لدى أربع منها رصيدا فى مخازنها ولا قيد الإفراج الجمركى.. وما تبقى لدى الشركتين الأخريين يقل عن استهلاك نصف شهر.. وبالطبع لا تفكر هذه الشركات فى استيراده للسبب نفسه.

ويتكرر الموقف ذاته مع 11 مستحضرا لعلاج السرطان أنتى كانسر أيفوسفاميد و أنتى كانسر سيسلوفوشميد.. وأربعة مستحضرات لعلاج الأمراض النفسية «الشيزوفرانيا ومضادات الإحباط» من مجموعة أنتى بيسهوتك.. وثلاثة مستحضرات لعلاج المصابين بتقيحات فى القولون من مجموعة: أولكراتفيل كولتيس.. وأربعة مستحضرات لعلاج ارتخاء العضلات مايستين جرافيس والسكر ديبيتس انسبيدوس.. وأربعة مستحضرات ضرورة للرعاية المركزة ليف سيفنج دراجز.. ومستحضر واحد أنتيبيوتك ويلسونس ديسيسى.

ولا نريد أن نزعج وزير الصحة بمزيد من الأمثلة فهو مسئول لا يطيق الحديث المؤلم ولو كان السبب فيه.. كما أنه جراح محترف لا يطيق قراءة التقارير المزعجة.. وإن فقد موهبته فى إدخال الأزمة غرفة العمليات وعلاجها دون تأخير.

ووصلت تقارير النقص للدكتورة رشا زيادة فأعدت تقريرا من ثلاث صفحات رفعته للوزير عن تأثير سعر الصرف على توفير الأدوية يعد نموذجا يحتذى به فى تجاوز الأزمات إن لم يكن فى تفاقهما.

قسمت سوق الدواء فى مصر إلى أدوية مستوردة وأدوية مصنعة محليا تعتمد على استيراد المواد الأولية «المادة الفعالة» والمواد الثانوية «الزجاج والكرتون والفلاتر وقطع غيار الماكينات» ما يعنى أن التغيير فى سعر العملة يؤثر على تكلفة تصنيع واستيراد الأدوية وحيث إنها السلعة الوحيدة المسعرة فإن الزيادة فى التكلفة تؤدى إلى نقص فى أرباح الشركات «والأدق أن تقول خسارة الشركات وتوقفها عن التصنيع والاستيراد فأرباحها لا تزيد على 10%» وحيث إن المريض المصرى أحواله الاقتصادية محدودة وإنفاقه الصحى من جيبه فيجب البحث عن حلول أخرى خلاف زيادة أسعار الأدوية الذى يمثل عبئا على المواطن ويضاعف من الإنفاق الصحى وتدهور الرعاية الصحية.

واعتادت الشركات منذ التسعينيات وحتى عام 2015 على عدم زيادة أسعار مستحضر لها بالرغم من زيادة معامل صرف الجنيه على مدى أكثر من عشرات السنين من 3 جنيهات إلى 5.85 جنيه ثم 7.35 إلى 8.98 فى شهر مارس 2016 وأخيرا تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.

خلال عام 2016 قرر مجلس الوزراء تحريك أسعار الأدوية لأقل من 30 جنيها ما أدى إلى زيادة عدد من أسعار الأدوية لجميع الشركات وصل إلى 7000 مستحضر ما حقق زيادة فى دخل الشركات المحلية والمستوردة التى تمتلك مستحضرات يقل سعرها عن 30 جنيها.

ويبلغ عدد المستحضرات المحلية 8401 تنتج الشركة القابضة منها 912 وتنتج الشركات الخاصة 6459 وتمتلك الشركات متعددة الجنسية 1941 سواء استيراد أو إنتاج لها فى مصر.

وبتحرير سعر الصرف ووصول الدولار أحيانا إلى 17 جنيها زادت التكلفة المباشرة للأدوية تامة الصنع بنسبة 70 % على الأقل بينما تراوحت الزيادة فى المستحضرات المنتجة محليا بنسب تتراوح ما بين 50 إلى 60%.

الأدوية التى ليس لها مثيل وتصل إلى 436 مستحضرا يمكن لشركاتها (الأجنبية) الضغط على الحكومة مما يهدد حياة المرضى ولذلك تجب دراستها بشكل مستفيض لمعرفة مدى عدم تحمل الشركات لتلك الزيادة من واقع التكلفة الفعلية.

وبدراسة تلك المستحضرات المنقذة للحياة والمعالجة للأمراض المستعصية (الأورام والمناعة وزرع الكلى ) وجد أنها 150 صنفا قيمتها 200 مليون يورو.

والباقى (475 مستحضرا) لها مثيل ولكن يسيطر المستورد أحيانا على النسبة الأعلى من السوق فلو لم يتوفر المستورد تحول السوق إلى المنتج المحلى ما يزيد من دخل الشركات المحلية المنافسة ويفتح فرصا أكبر للاستثمار فى صناعة الأدوية المحلية.

ونقترح : إصدار قرار من مجلس الوزراء بشراء الشركة المصرية لتجارة الأدوية، الأدوية الناقصة وعددها 147 وبما يمثل حوالى 200 مليون دولار والتى بدورها تقوم بتغطية فرق العملة قبل التعويم إلى سعر العملة بعد التعويم من خلال البنك المركزى أو من دعم نقدى من وزارة المالية.

وإذا كان الدولار يزيد حاليا بنسبة 100 % فإن حجم الدعم المطلوب هو حوالى مليارى جنيه سنويا.. وهو ما قررت الحكومة تنفيذه فيما بعد.. ولكن.. هل ستواصل الاستيراد بنفسها ؟.. وهل ستحافظ على أسعار الأدوية كما كانت بعد التعويم أم سترفعها كما فعلت عند استيراد السكر؟.. وكيف ستواجه الشركات الوكيلة التى لها وحدها حق الاستيراد؟.. هل ستدفع لها عمولتها؟.

أما الأدوية المحلية فتقترح الدكتورة رشا زيادة علاج آثار تعويم الجنيه بمساعدتها فى تخفيض التكلفة بدعم الماء والكهرباء للمصانع وتخفيض ضريبة المبيعات إلى أدنى مستوى (5%).

وهناك احتمال لنقص الإنتاج لمدة 6 شهور يمكن خلالها دراسة عدد قليل من الأدوية التى لا تمس علاج الأمراض المزمنة أو المستعصية (مثل الفيتامينات) التى يمكن للمواطن تحمل الزيادة فى أسعارها ولا تمس المريض.

ومنع فرض الضريبة المضافة على المواد الخام والتى تؤدى إلى رفع إضافى فى التكلفة تقدر بنحو 13 فى المائة.

وما أن تنتهى من قراءة التقرير حتى تؤمن بأن سوق الدواء فى مصر تسيطر عليه الفوضى والعشوائية.. لا أحد بمن فيهم الوزير نفسه يعرف فيه رأسه من قدميه.. ولو كانت التقديرات تشير رسميا إلى أنه يمكن مناقشة الأزمة بعد ستة شهور بدعوى وجود مخزون يكفى هذه المدة فهذا يعنى تأجيل المشكلة وليس حلها.. كما أن الشعور بوجود أزمة فى الدواء جعل المرضى «خاصة من يتناولون أدوية يومية لعلاج السكر والضغط وما شابه» يسارعون بشراء كميات مضاعفة منها خشية اختفائها أو ارتفاع أسعارها ما خفض استهلاك ستة شهور إلى شهر واحد لتبدأ الأزمة المتوقعة بعد ستة شهور الآن.. بجانب أن كثيرا من الصيدليات وجدتها فرصة لتحويل الدواء إلى سلعة فى السوق السوداء وجنت من وراء ذلك أرباحا غير متوقعة.

والمؤكد أن إغلاق مصنع دواء لعجز إدارته عن الاستمرار فى الخسائر لن يكون من السهل إعادته للإنتاج.. ولا تعويضه بسهولة.. كما أن أزمة الشركات الأجنبية جعلتها تحجم عن إدخال السوق المصرية الأدوية الحديثة لأنها لا تريد زيادة خسائرها.. بل.. ربما أغلقت مكاتبها العلمية ونقلت مصانعها إلى دول أخرى مثل الأردن أو المغرب كما حدث مع صناعات أخرى عديدة.