الجنيه المصري.. من "التخفيض" إلى "التعويم"

الاقتصاد

الجنيه المصري
الجنيه المصري


يعاني الاقتصاد المصري مؤخرًا حالة من التدهور وعدم الاستقرار، خاصة بعد الموجات الثورية المتتالية التي شهدتها البلاد؛ ما ترتب عليه غلاء أسعار معظم السلع وارتفاع معدلات التضخم لتصل إلى 15.5 % عام 2016 بدلاً من 10 % عام 2015.

بدأت الأزمة تتفاقم بعد تزايد عجز الموازنة العامة، والدين العام الخارجي ليصل إلى 93.7% من الناتج المحلى الإجمالى، فضلًا عن العجز الكبير في ميزان المدفوعات؛ جراء تراجع عائدات التصدير، وقطاع السياحة، والاستثمارات الأجنبية، وتحويلات المصريين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، لتنهار بذلك مصادر النقد الأجنبى الأساسية للدولة.. كل ما سبق تصب آثاره النهائية فى معدل النمو الاقتصادى المصري الذى بلغ 4.3% للعام 2015- 2016.

وفى ظل هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة، أعلن البنك المركزى 3 في نوفمبر المنصرم تعويم الجنيه المصرى، ليترك بذلك الحرية الكاملة للبنوك في تسعير العملة وفقًا لآليات العرض والطلب لديها.. جاء ذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات أهمها: تراجع العملة المحلية بشكل ملحوظ والفجوة الكبيرة بين العرض والطلب وتوحش المضاربات على العملة في السوق السوداء ما جعلها أشبه باقتصاد موازي للدولة، وتستعرض"الفجر" خلال في ملف كامل ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية على كافة المستويات بعد مرور 30 يومًا على قرار تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه":

علمياً.. تعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب فى إدارة السياسة النقدية، و يعنى أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب فى السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطنى وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجى.

وتضم سياسة التعويم نوعان، الأول هو "التعويم الحر" ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير فى سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.

ويتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأمريكى والجنيه الاسترلينى والفرنك السويسرى، لكن لا يكون مجدياً أو يمكن الاعتماد عليه في الحالة المصري التي يعاني اقتصادها من العديد من الأزمات ولم تتحول بعد إلى دولة منتجة ترتفع صادراتها عن وارداتها.

والنوع الثانى من التعويم هو "التعويم المدار"، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزى كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب فى سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات فى أسواق سعر الصرف الموازية.

قبل قرار التعويم، كان البنك المركزي يعمل على إدارة سعر الصرف باستخدام أدوات من بينها عطاءات دورية لبيع الدولار للبنوك يتم من خلالها ضبط سعر الصرف.

لكن بمقتضى التعويم يتخلى البنك المركزي تمامًا عن هذه السياسة ويترك تحديد سعر العملة لقوى العرض والطلب في السوق، ومن المتوقع أن تظهر الأيام المقبلة إلى أي مدى سيتخلى البنك المركزي عن إدارة سعر الصرف.

وتحرير سعر الصرف هو أحد المطالب الرئيسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي حتى يوافق بشكل نهائي على إقراض مصر 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.

وتزامنًا مع تحرير سعر الصرف، ألغى قائمة أولويات الاستيراد، ما يعني أنه لن يعمل على تسهيل توفير النقد الأجنبي للشركات المصرية التي تستورد سلعا أساسية ذات أولوية كما جرت العادة.

كما قرر أيضًا رفع سعري فائدة الإيداع والإقراض لأجل ليلة واحدة بمقدار ثلاث نقاط مئوية ليصل الأول إلى 14.75%، والثاني إلى 15.75%.

وتعود سياسية تعويم الجنيه في مصر إلى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي نفذها بطريقة غير مباشرة، من خلال السماح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء الاقتراض من الغرب.  

وظهر مصطلح "تعويم الجنيه" للمرة الأولى في 2003، عندما أعلنه عاطف عبيد، رئيس الوزراء وقتها، وهو ما تسبب في ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 50 %، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيه إلى 5.35 جنيه.

أهداف مصر من التعويم:

تبدأ أهداف التعويم بخفض عجز الموازنة والدين العام، حيث سجلت نسبة العجز في الحساب الختامي لموازنة 2015-2016 نحو 12.2%، مقارنة مع 11.5% في السنة المالية السابقة، كما تستهدف أيضاً خفض الدين العام الذي ارتفع بنسب كبيرة خلال الفترات الماضية.

أما الهدف الثاني من تحرير سعر الصرف فيتمثل في استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنفيذ أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي، حتى يتسنى للحكومة المصرية الحصول على ثقة الصندوق وموافقته على القرض الذي أعلن عنه أخيراً بقيمة 12 مليار دولار.

ويتركز الهدف الثالث في خفض الواردات ووقف الاستيراد العشوائي، حيث تشير الأرقام والبيانات المتاحة إلى أن فاتورة الاستيراد بمصر تتراوح ما بين 70 و80 مليار دولار سنوياً، ما يضغط على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.

أما الهدف الرابع من تعويم عملة الجنيه فيتمثل في زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، خاصة أنه لا يمكن عودة الاستثمارات الأجنبية في ظل وجود سعرين للدولار في السوق، ووصول الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء إلى أكثر من 100% خلال الأيام الماضية.

مشكلات التعويم:
 ظهر عدد من المشكلات بعد قرار تحرير سعر الصرف تمثل أبرزها في ارتفاع أسعار العديد من السلع على رأسها الأدوية، بالإضافة إلى رفع الدعم جزئيًا عن الوقود مما تسبب في زيادة الأعباء على كاهل المواطن، فضلًا عن ارتفاع الدين الخارجي والداخلي، وزيادة معدلات التضخم.


في هذا الصدد قال الخبير الاقتصادى رشاد عبده، إن ما تشهده مصر في الفترة الحالية من موجة ارتفاع الأسعار ومشكلات الأدوية والاستيراد وغيرها، هي نتيجة طبيعية لقرارات الحكومة الإصلاحية، والتى تظهر أثارها على المدى البعيد، موضحًا أن الأمر في حاجة إلى بعض الصبر، للعبور بمصر من هذا النفق المظلم وتخطى هذه المرحلة الحرجة، بحسب تعبيره.