عادل حمودة يكتب: حبارة من البلطجة إلى المشنقة

مقالات الرأي



فشل فى الجزارة ونجح فى المجزرة

■ تلقى 10 آلاف دولار من داعش ليعترف بأبو بكر البغدادى

■ مكالمات تليفونه المحمول دليل على ارتكابه جريمة جنود رفح ودليل آخر على تعاونه مع التنظيمات المسلحة فى سيناء وسوريا والسودان!


لم تحيرنى شخصية «أبو عيشة».. وشهرته عادل حبارة.. وجدت مثله كثيرا فى التنظيمات الإرهابية المجنونة بالتكفير والتفجير.. دون تفكير.

شاب فقير فى أسرة مفككة.. لم يكمل تعليمه.. فشل فى مهن الجزارة والمحارة.. رفضته الفتاة التى أحبها.. أمسك أول الطريق فى دروس محمد حسان.. لكنه.. واصل السير فيه حتى انتهى إلى حبل المشنقة.

بدأ مشوار الدم بقتل شابين يعزفان الموسيقى فى فرح هما محمد مصطفى حسن سالم وحسن مصطفى حسن سالم.. وقتل مخبرا سعى للتحرى عنه هو ربيع عبد الله.. وهرب من سجن الوادى الجديد فى أعقاب تظاهرات 25 يناير 2011.. واتجه إلى سيناء.. لينصب نفسه أميرا جهاديا بعد أن كان لصا بلطجيا.

وهناك فتحت أمامه السبل للاتصال بالقاعدة فى السودان وحماس فى فلسطين وتنظيم الدولة فى سوريا.. وليكون على مستوى القمة كان لابد من تنفيذ عملية مدوية.. فكانت مذبحة رفح التى قتل فيها 25 جنديا كانوا سيعودون إلى الحياة المدنية لولا حظر التجوال الذى أجبرهم على النوم فى موقف الأتوبيسات العامة.

قبض على حبارة فى محل بويات فى العريش وهو يشترى دهانا يغطى به السيارة التى استخدمت فى الجريمة، وكان ذلك فى 31 أغسطس 2013 بعد 12 يوما من الحادث.

بدت التحقيقات الأولية فى القضية ــ التى استقرت عند رقم 118 لسنة 2013 جنايات أمن دولة عليا ــ غير قادرة على إجبار حبارة وخليته على الاعتراف بالمجزرة.. وتوقع المحامون أن يخرجوا من قاعة المحكمة وهم يحملون البراءة.. لكن.. رئيس الدائرة المستشار محمد شيرين فهمى قرر تحقيق الواقعة بموهبته القانونية التى اشتهر بها بحثا عن الأدلة غير المباشرة فى غياب الأدلة المباشرة.. ونجح فى ذلك حتى نال اعترافا مباشرا وصريحا.

كان تليفون حبارة «01016826739» الموضوع تحت المراقبة بأمر النيابة العامة هو طرف الخيط الذى أمسكت به المحكمة حتى تحول فى يديها إلى حبل سميك يصلح للمشنقة.

فجر يوم الحادث «19 أغسطس» تلقى حبارة مكالمة من تليفون شخص مجهول يخبره فيها بمكان الجنود: «أيوه يا أبو عيشة عند اللفة اللى قبل السدود».. ويرد حبارة: «اللفة اللى قبل السدود ماشى يا حبيبى جزاكم الله خيراً».

كمنت مجموعة التنفيذ عند المنحنى المحدد حتى جاءت سيارتى المجنى عليهم الذين أجبروا على الانبطاح أرضا على وجوههم وراحوا يوسعونهم ضربا وركلا بالأحذية قبل أن يمطروهم بوابل من الأعيرة النارية.

فى ليلة الجريمة بالتحديد فى الساعة الثامنة و28 دقيقة رصدت مكالمة بين حبارة وشخص مجهول يخبره فيها بعزمه ارتكاب شىء ما قائلا: «الواحد بيفكر فى حاجة عسى الله يرزقنا الجنة».. مضيفا: «فيه شغلة كده مية مية... أأأ».. إلا أن محدثه قاطعه حتى لا يسترسل فيما يورطه جنائيا.

ووردت لـ حبارة ثلاث مكالمات بعد تنفيذ الجريمة تحذره بالبقاء فى مكان الجريمة وتنبهه لتوافد المدرعات لكنه رد عليها قائلا: «إحنا خلاص».

كان ذلك فى الساعة السابعة صباحا.. لكنه.. فى منتصف النهار اتصل حبارة بواحد من مساعديه هو إسماعيل عبد القادر قائلا:

أنت سمعت أخبار الصبح ولا حاجة؟

آه آه آه.

الله أكبر.

خمسة وعشرين شمعة ربنا يتقبل منكم.

شد من أزر إخوانك وشغل الناس مفيش نوم.

وجاءت التهانى من غزة لكن حبارة أبدى انزعاجه من طائرات الأباتشى التى تزأر فوق بيته وفى الوقت نفسه يقرر أن يأخذ رجاله ليختبئوا بعيدا عن عيون الأمن.

وكان من بين هؤلاء عمرو زكريا شوقى شطا «أبو سهيل» التحق بتنظيم الدولة فى العراق والشام وبايع أميره أبو بكر البغدادى وطلب أبو سهيل من حبارة أن يبايعه هو أيضا فى شريط فيديو يظهر فيه وهو يحمل السلاح.. وفى المقابل تلقى حبارة 10 آلاف دولار من البغدادى.

وفى مكالمة بينه وبين حبارة قال أبو سهيل:

«بس أنا عايز اتكلم معاك كلمتين.. الأول الشيخ أبو بكر البغدادى كنت قاعد معاه والشيخ الشيشانى وهم عايزين يفتحوا شغل عندكوا.. ويدعموا الشباب اللى عندك».

«طيب يا عم ياريت أقسم بالله يا ريت».

«هو إدانى عشرة آلاف دولار قالى تسافر للشباب تشوف هم عايزين إيه تتواصل معاهم وإديهم العشرة آلاف دولار دول ويشتغلوا ويورونا ويعملوا فيديو ويبايعوا فيه أبو بكر ويبايعوا الدولة فيه نبعتلهم اللى هم عايزينه».

«إحنا عملنا».

«مش كفاية.. دبحوهم يا شيخ.. دبحوهم دبحوهم.. عبوات.. شغل العبوات.. وشغل الألغام.. واحرقوهم حرق يا شيخ».

«أنت عارف يا أخى أنت عارف بفضل الله عز وجل اللهم لك الحمد ولك الشكر يا رب أنا هقولك على خبر رهيب رهيب.. بس لما اقعد معاك على النت.. دا أخوك بفضل الله عز وجل هو اللى عمله بفضل الله عز وجل.. بفضل الله».

«تمام تمام دلوقت أنت تبايع ابو بكر ولا متبايعش أبو بكر؟».

«أنا أبايع أبو بكر ومستعد كل الأخوة اللى معايا بفضل الله عز وجل».

«تبايع دولة الإسلام ؟».

«أيوه أيوه أيوه ايوه دولتنا اللى بناها أبو مصعب الزرقاوى».

«أنا حابعت لك الدولارات بواسطة أمير جيش محمد عندنا وهو إسكندرانى وكان مع الشيخ أيمن الظواهرى».

«عموما الفلوس جت فى وقتها أنا لسه شارى بالف وخمسمية جنيه ذخيرة مكملتش ثلاث أو أربع أيام».

«اسأل الشباب بتاعك.. أربيجهات وظبط حالك.. هابعتلك اللى انت عايزه.. ممكن أبعتلك جواز سفر من عندنا هنا أظبطك.. اصبر اصبر يا أبو عيشة.. أهم حاجة الشغل.. عايز الشغل يشتغل عندكوا ولعوها عندكوا ولعوها».

«حاضر حاضر ونحن من داخل أرض الكنانة نعلنها مبايعتنا لأبو بكر البغدادى.. إن شاء الله عز وجل.. كتبة.. اسمع.. جماعة جماعة المجاهدين والأنصار».

ولم يملك حبارة سوى الاعتراف بصحة هذه المكالمات التى تثبت تنفيذه عملية قتل الجنود وتثبت تعاونه مع تنظيمات مسلحة أخرى تعمل فى شمال سيناء ومنها «جيش الإسلام» الفلسطينى وتنظيم «أنصار جند الله» وتنظيم «بيت المقدس».

لكن.. الأهم أن هذه التنظيمات ترتبط بشبكة واحدة مع تنظيمات أخرى مثل تنظيم الدولة فى العراق والشام وبينها تعاون وثيق فى التخطيط والتسليح والتمويل.

ولم يكن رجال حبارة بأفضل منه فكبيرهم محمود محمد مغاورى وشهرته أبو سليمان المصرى سبق القبض عليه فى سرقة قبل أن يسعى إلى تكوين الجماعة واختيار أعضائها فى لقاءات كانت تجرى فى مسجد أبو حجازى فى أبو كبير.

والقى القبض على العضو عبد الحميد الشبراوى فى ميناء القاهرة قبل هروبه إلى السودان.. وقبض على عضوين هما أشرف محمود أبو طالب وصبرى محمود أحمد أبو الروس فى مطار برج العرب إثر عودتهما من سوريا بعد أن تلقيا تدريبات عسكرية هناك على القتال فى المدن.. وقبض على عضو آخر كان عائدا من قطر.

ودعم دليل المكالمات التليفونية شهادة الجنود الناجين من المذبحة وهم عبد الله الصيفى، ومحمد حمدى الضوى ومينا ممدوح روفائيل ومحمد سالم سلمى وسلامة نصر على رشيد.

وكشفت شهادات ضباط الأمن الوطنى»الرائد تامر سليمان والنقيب محمود غنيم والنقيب هانئ عطية والنقيب عمر يوسف عمار والرائد حسام ملثم والنقيب أحمد عمر هاشم والنقيب محمد عنتر عدلى» عن طبيعة التنظيم وكيفية التجنيد ووسائل التمويل والتسليح وتداخل التنظيمات المحلية بشبكات التنظيمات الإقليمية.

وتبين وجود 21 رسالة على تليفون حبارة وصلت إليه من تليفونات فلسطينية وقطرية وسورية ومصرية منها:

رسالة من صهيب: «اصبر يا ابو عيشة لا تتخذ قراراً فى حرقها أنا مش موافق» وكان يقصد السيارة التى استخدمت فى تنفيذ مذبحة الجنود.

رسالة من أبو عين: «وين يا طيب كيف حالك كاميرا لنا فى المرج بالقاهرة تواصل مع مصعب خليه يرسل راجل ياخد الكاميرا».

رسالة باسم سالم: «كيف الحال يا أبو عيشة أنا سالم الأرض التى حكيتلك عليها مطلوب فيها 70 ألف جنيه» وتؤكد هذه الرسالة أن حبارة المعدم أصبح ثريا إلى حد البحث عن أرض يشتريها.

رسالة باسم محمد كهربا: «الله يحبب خير خلقه فيك ومن حوض نبيه يسقيك وفى جنته يأويك» وتؤكد هذه الرسالة أن هناك من يرى فى حبارة وأمثاله مجاهدين يستحقون الجنة.

إن ملف قضية حبارة كما حققها المستشار محمد شيرين فهمى نموذج متكامل للتفكير والتكفير والتفجير فى التنظيمات الإرهابية.. هدية على طبق من كريستال للباحثين المهتمين بآخر ما وصلت إليه تلك التنظيمات.. لا مفر من دراسة كل سطر فى الملف لنكشف عن العدو الذى نحاربه.. لنعرف بدقة على من نطلق الرصاص؟.. والأهم أن نمنع مجموعات شابة من التورط فى العنف.. لنجد أنفسنا فى دائرة جهنمية لا تنكسر أبدا.