"الشيحي" عن المسؤول الراقص في سيارته: كلنا ذاك الرجل

السعودية

بوابة الفجر


 يروي كاتبان صحفيان حكايتين؛ إحداهما من التاريخ بالأدلة والمراجع، عن وصول "المغرورين العرب" إلى أمريكا قبل كولومبس؛ أما الثانية فهي من الحاضر، عن المسؤول الذي تناقل الناس صورته وهو يرقص في سيارته؛ ليؤكد الكاتب من خلالها على أننا جميعاً نفعل ذلك في خلوتنا، وعلى الآخرين احترام خصوصيتنا بعدم النشر.

 

اكتشاف العرب لأمريكا
وفي مقاله "رحلة المغرورين" بصحيفة "الرياض"، يبدأ الكاتب الصحفي فهد عامر الأحمدي، بسرد المراجع التي استند إليها في رواية قصة وصول العرب إلى أمريكا قبل كولومبس، وهي ما ظل الناس يرددونه دون أدلة وأسانيد، يقول "الأحمدي": "القصة التي سأخبركم عنها اليوم تحدّث عنها المؤرخ الأندلسي أبو حامد الغرناطي والمستشرق الروسي كراتشكوفسكي، واستعرضتها أنا بسرعة في مقال نُشر عام 2005 بعنوان "أول مسلم اكتشف أمريكا لم يأتِ من الصين"؛ ففي الوقت الذي كانت فيه شبه جزيرة أيبيريا ملكاً للعرب عاشت في البرتغال عائلة عربية كبيرة عُرفت بالثراء وحب أفرادها للمغامرات وركوب البحر.. ويبدو أن تَرَفّع هذه العائلة وعلو منزلتها جعل الناس يصفونها بعائلة "المغرورين"، ولهم -حتى اليوم- حي يدعى درب المغرورين في لشبونة". كما جاء بصحيفة "سبق"

 

المحيط الأطلسي أو "بحر الظلمات"
ويمضي "الأحمدي" قائلاً: "حدث أن قرر ثمانية شباب من أفراد هذه العائلة -وكلهم أبناء عمومة- أن يركبوا بحر الظلمات (أو المحيط الأطلسي حالياً)؛ ليتأكدوا من السمعة السيئة التي يتناقلها الناس عنه؛ ففي ذلك الوقت كان الناس يعتقدون أنه لا يوجد باتجاه الغرب غير نهاية الأرض؛ حيث الظلام الدامس والوحوش الهائلة وبحار الزفت الكريهة.. وبرغم هذه المزاعم قرروا خوض المغامرة فأخفوا خطتهم عن أهاليهم، وبنوا في السر مركباً شديد الاحتمال، وتزودوا بمؤونة تكفيهم لعدة أسابيع.. وفي ليلة لم يلاحظهم فيها أحد انطلقوا نحو المجهول.. نحو الهنود الحمر ونهاية العالم واحتمال السقوط من حافة الأرض!!".

 

من جزيرة لأخرى
ويضيف "الأحمدي": "بعد أن قضوا في البحر أسابيع طويلة أنهكهم التعب، وبدأ ينفد منهم الزاد، وحين أخذ اللوم والشجار يدبّ بينهم رأوا جزيرة صخرية يمموا نحوها واستقروا فيها (أعتقد شخصياً أنها جزر الأزر).. غير أنهم سرعان ما لا حظوا أنها خالية من السكان؛ فغادروها إلى جزيرة قريبة فيها الكثير من الأغنام الشاردة (والاحتمال الأقرب أن تكون برمودا).. وبعد أن ذبحوا الأولى، ذبحوا الثانية فالثالثة فالرابعة؛ ولكن جميعها كان لها طعم مُر لا يُستساغ!!.. وبعد يومين استقلوا مركبهم مرة أخرى واتجهوا جنوباً لاثني عشر يوماً؛ فوجدوا جزيرة كبيرة فيها سكان وعمران وزرع (والاحتمال الأقرب أن تكون كوبا أو الدومينكان).. وما إن نزلوا حتى أحاط بهم رجال شبة عراه أخذوهم أسرى.. وفي السجن قضوا أياماً طويلة لم يتناولوا خلالها سوى الماء، لم يقابلهم فيها أحد حتى دبّ الشجار بينهم وبدأوا يتلاومون من جديد".

 

البحار المغربي
ثم يروي الكاتب كيف أنقذ بحار مغربي هؤلاء المغامرين، ويقول: "في اليوم التاسع دخل عليهم مَن يتحدث العربية، وأخبرهم أنه بحار مغربي تاه قبل سنين، وأنه رسول الملك إليهم.. وبعد أن عَلِم بخبرهم ضحك من قصتهم ووعدهم خيراً.. وما هي إلا أيام حتى استُدعوا لمقابلة الملك الذي راقه ذكاؤهم وحبهم للمغامرة؛ فترك لهم حرية التنقل، ووعدهم بإعادتهم لبلادهم عند هبوب الرياح الشرقية (أو ربما تيار الخليج الدافئ الذي يتجه شرقاً وتستغله السفن التجارية حتى اليوم للوصول بسرعة).. وبعد عدة أيام أُنزلوا إلى البحر بمركبهم وقد عُصبت أعينهم ورُبطت أيديهم.. وبعكس رحلتهم السابقة لم يقضوا في البحر إلا أياماً قليلة حتى وصلوا لجزر الكناري؛ ومنها للمغرب، ثم براً إلى البرتغال".

 

المزيد من الأدلة
ويُنهي "الأحمدي" بتقديم المزيد من الأدلة والأسانيد على صحة رواية اكتشاف العرب لأمريكا قبل كولومبس، ويقول: "هذه الرحلة العجيبة حدد مسارها بدقة المؤرخ كراتشكوفسكي في القرن التاسع عشر، وأيدها تقرير مطوّل صدر من جامعة ستراند البرازيلية في عقد الخمسينيات.. وقد استنتج الأمير مصطفى الشهابي أن المغرورين اكتشفوا جزر الكاريبي شرق أمريكا، ثم عادوا إلى المغرب حيث قيل لهم إنهم لا يزالون على بُعد شهرين من البرتغال؛ فصاح أكبرهم: "يا أسفي"؛ فسمي ذلك المكان "أسفي" وهو حالياً ميناء مهم في المغرب!.. والآن.. مَن يخبر كولومبس بواحدة من أجمل مغامراتنا العربية!!".

 

حكاية المسؤول الذي رقص في سيارته
وفي مقاله "كلنا ذاك الرجل" في صحيفة "الوطن"، يبدأ الكاتب الصحفي صالح الشيحي بالتأكيد على مبدأ الخصوصية لدى كل إنسان، ووجوب احترام تلك الخصوصية، يقول الشيحي: "كل إنسان في العالم له حياته الخاصة، يمارس فيها ما لا يستطيع ممارسته في الحياة العامة.. هنا أمامك تَقابلية شديدة الوضوح: من حقك في حالات محددة محاسبة الإنسان على تصرفاته العلنية؛ سواء أمام الناس أو في مقر عمله.. وليس من حقك محاسبته على ما يفعله خارج هذه الدائرة طالما لم يتخلل ممارسته ضرر بنفسه أو بالآخرين".

 

طبيخ الموظفين
في واقعة "طبيخ الموظفين"، يقدم "الشيحي" مثالاً لفعل مخالف يرتكبه موظف في مكان عمله علانية؛ مما يوجب المحاسبة، ويقول: "هل تتذكر حينما قام مجموعة من الموظفين بالطبخ داخل إدارتهم، كيف أن الناس طالبوا بمحاسبتهم.. وهو ما تم بالفعل.. بالضبط هو ما تُفكر فيه الآن؛ هذا مكان عمل عام وله شخصيته وقيمته!".

 

الرقص في السيار
ثم يقدم الكاتب مثالاً مضاداً لشخص مسؤول ولكن في خلوته، يقول "الشيحي": "يشنع صديقي العزيز على أحد المسؤولين لأن مقطعاً مسرباً -لا متسرباً- كشفه وهو يمارس عفويته ويرقص في سيارة، بصورة إنسانية بحتة!".

 

احترام الخصوصية
ويعلق "الشيحي" قائلاً: "يا صديقي العزيز، حينما يتجلى الإنسان في حياته الخاصة ويمارس حريته سواء بالرقص أو الغناء أو اللعب ليس من حقنا منعه.. كلنا ذاك الرجل، وكلنا لنا حياتنا الخاصة التي لا نسمح لأحد بالتدخل فيها ومحاسبتنا عليها.. حياة الإنسان الخاصة له رب يحاسبه عليها، ولست وصياً على أحد.. لا تتجسس، ولا تتلصص، ولا تنظر من ثقب الباب أو الجوال!".

 

من كان منكم بلا خطيئة
ويعود "الشيحي" إلى التاريخ وسيرة المسيح عليه السلام وهو يقول: "يُروى أن اليهود جاؤوا للمسيح عليه السلام بامرأة مخطئة؛ فلم يردّ عليهم وانحنى يكتب على الأرض.. ولما ألحوا عليه بالسؤال -قيل ليحرجوه- اعتدل، وقال لهم: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر".. ثم انحنى برأسه مرة أخرى وعاد يكتب على الأرض.. أما هم فقد انسحبوا من المكان واحداً تلو الآخر والمرأة واقفة في مكانها.. ثم اعتدل مرة أخرى وقال: "أين هم أيتها المرأة.. ألم يحكم عليك أحد منهم"؟!

 

فقالت: "لا أحد يا سيد".
فقال عليه السلام: "وأنا لا أحكم عليك، اذهبي، ولا تعودي تخطئين".

 

حاسبوا المتلصص
ويخلص "الشيحي" في النهاية إلى أنه "لا لوم ولا مؤاخذة تجاه المسؤول الذي تناقَلَ الناس صورته وهو يمارس عفويته -التي يمارسها أغلب منتقديه- وإن كان ثمة لوم وعتاب ومحاسبة فيوجه للشخص الذي انتهك خصوصية الآخرين، وقام بالتصوير وتسريب الفيديو".