الدويقة.. "موت" على قوائم الانتظار ولا حياة لمن تنادي

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



يمتلكهم الرعب بمجرد قرب حلول فصل الشتاء، نظرا لما قد يخلفه من نتائج وخيمة  قد تكتب النهاية لحياة أسرة بأكملها،  يخلدون إلى نومهم يوميًا بصحبة أسلاك كهرباء عارية، ويرمقون لأسقف مساكنهم الخشبية  بنظرة يملؤها الذعر وكأن لسان حالهم ينطق "نهايتنا هتكون على إيدك وهنموت متكهربين"، ورغم كل هذه المناجاة نجدها يمتلكها "العجرفة" واللامبالاة ، وتضغط بكل ما أوتيت من عتاد  وتمضي بمبدأ  الطوفان "إللى يقف قصادي همحيه من الوجود"، هي معاناة نفسية يعيشها أهالى  "الدويقة ومنشية ناصر" بالتزامن مع فصل الشتاء وما يشهده من سقوط للأمطار.

تجولت "الفجر" ، داخل حي منشية ناصر، ومناطق  الوحايد، الاتنينات، التلاتات، بالدويقة في محافظة القاهرة ، لرصد  مأساة الأهالي  وتضررهم الموجع إثر معيشتهم  بـ " بلوكات " تفتقر للآدمية.

 الشروخ تنهش بجدران وأسقف منازلهم إلى أن جعلتهم يلجأون  لحيل تقيهم البرودة الموحشة،  فضيق اليد دفعهم لشراء ألواح خشبية وقاموا بتثبيتها بالأسقف تحت شعار  "ده الموجود"،  ولكن حيلولتهم تخاذلت عنهم  كثيرا وتركتهم فى مهب الريح، يلاقون مصيرهم المجهول،  ولن يبقى لهم سوى التضرع ومناجاة الله بأن يمر فصل الشتاء دون فقدان  ذويهم .

رعب من مصير الموت
في البداية  تقول رسمية راضي، ربة منزل، من سكان حي  منشية ناصر: "أمتلك من الأبناء ولدين وزوجي متوفى منذ 20 عاما، وأحصل على معاش شهري 300 جنيهًا، ونعيش جميعنا في هذا المسكن الذي يتكون من غرفتين منذ 40 عاما"، مشيرة إلى أن شروخ الحوائط والأسقف تضربه.

وأضافت "رسمية": "أولادى أرزقية  ولا نملك من المال سوى القليل، ولم يجد أبنائي حيلة لسد فراغات شروخ الحائط  سوى الأسمنت والخشب،  و لكن دون جدوى تذكر"، مضيفة أنهم طالبوا رئاسة  الحي مرارًا وتكرارا بـ "صب " الأسقف خشية من وقوعه في أي لحظة فوق رؤوسهم وقبض أرواحهم وصعودها للسماء، متابعة: "الحي  ودون من طين وودن من عجين.. احنا  بنتشاهد قبل ما ننام..  ومقدمناش غير ربنا بندعيله كل ليلة". 

مساكن كـ"بيوت الحيوانات"
ويصف رمضان حسين ، متقاعد بالمعاش، مسكنه الذي يعيش به في حي الاتنينات  بالدويقة، ويحوي غرفتين ودورة مياه،  بـ"بيت الحيوانات"، مشيرًا إلى أنه يعيش بمساكن  الإيواء  منذ 30 عاما، والتي استلمها من  الحكومة بعد زلزال 1992، كنوع من التعويض لمسكنه الذي هدم جراء الزلزال .

وأضاف حسين، ذو العقد السابع من عمره، والذي لديه ثلاث من الأبناء يعيشون جميعهم بعد زواجهم بالمساكن ذاتها في نفس المنطقة، أن سقف مسكنه يضربه الإهمال والشروخ بكافة أجزائه، مؤكدًا أن  نصف الحوائط  معرضة للسقوط في أي لحظة حال سقوط أمطار غزيرة أوسيول.

"لا مبالاة" المسئولين
وتقول أم منة، ربة منزل، من سكان حي الاتنينات بالدويقة : "ساكنة بمسكن الإيواء ده من 13 سنة.. عندى 3 بنات أكبر واحدة فيهم عندها 11 سنة، ساكنين فى أوضتين وصالة وحمام"،  مضيفة بوجع وحزن شديدين: "بخاف  على بنانتي يناموا لأحسن السقف يقع عليهم وصحى الصبح ملاقيهومش".

 وتابعت في استنكار شديد لظروفها الصعبة:  "سقف غرفة النوم المحارة بتاعته وقعت، واحنا دقينا قوالب خشب بداله"، مشيرة إلى أن رئاسة الحي تقابل شكواهم بـ"لامبالاة".

كارثة الماس الكهربائي
ولفت  دعبس عبد الراضي، 30  عاما، عاطل ، من سكان حي التلاتات  بالدويقة ، إلى أنه يعيش في مساكن الإيواء منذ ميلاده، كاشفًا كارثة أخرى تهدد حياتهم في حال سقوط الأمطار وهي سقوط قتلى بسبب الماس الكهربائي، موضحًا: "مأساة الصعق بالكهرباء للأطفال والأهالى تتكرر كل عام عند سقوط الأمطار.. والأهالي بتترعب  كل ليلة في الشتا".

وأشار إلى أن مساكن الإيواء أغلبها من الخشب، مما يجعلها عرضة لأي ماس كهربائي، لافتًا إلى أنهم خاطبوا رئاسة الحي  وطالبوها بإزاحة  تلك الأسلاك العارية جانبًا، تجنبا لمخاطرها الجسيمة ولكن "لا حياة لمن تنادي".

الموت 100 مرة
وأوضح عبد الستار مغاوري، 58 عامًا ، صاحب بقالة، بالدويقة ما يتعرضون له خلال فصل الشتاء: "سقف بيتنا خشب لما المطر بينزل علينا المايه بتغرقنا وبنطلع نمسحه ونفضيها في الجرادل لحد ما نفسنا بينقطع"، مشيرًا إلى أنه حينما استلم مسكنه من الحكومة كانت "محاره أي كلام".
واختتم: "تجرعنا شتى ألوان الأسى والبؤس.. وأهالي المنطقة بيموتوا في اليوم 100 مرة من حياة الذل والحسرة إللي عايشنها".