"شكري": التغيير المنظم هو الحل لبناء سوريا جديدة تتسع لكل أبنائها

أخبار مصر

سامح شكري وزير الخارجية
سامح شكري وزير الخارجية - أرشيفية


تنشر بوابة الفجر، نص كلمة سامح شكري وزير الخارجية، في الاجتماع الوزاري العربي - الأوروبي الرابع المنعقد في القاهرة.. وإلى نص الكلمة:_
 
معالي السيد/ خميس الجينهاوي، وزير خارجية الجمهورية التونسية،
معالي السيد/ أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية،
معالي السيدة/ "فيدريكا موجيريني"، نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي،
معالي السادة وزراء خارجية الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي،


السيدات والسادة،


يطيب لي بداية أن أرحب بكم جميعا في القاهرة، ويسعدني أن نلتقي اليوم في جامعة الدول العربية، بيت العرب، آملاً أن يُمثل هذا الاجتماع الرابع لوزراء خارجية دول الجامعة العربية مع نظرائهم من دول الاتحاد الأوروبي خطوة جديدة نحو تطوير سبل التعاون العربية الأوروبية، وهو المسعى الذي لا يستمد زخمه من حقائق الجوار الجغرافي بين العالم العربي وأوروبا فحسب، وإنما يتأسس على إرث تاريخي وحضاري، وعلى اقتناع قوي بأهمية تضافر جهودنا لمعالجة تحديات جسيمة في مسيرتنا نحو تحقيق أمن واستقرار وتقدم شعوبنا.


السيدات والسادة،

يهمني في هذا السياق أن أؤكد لكم جميعاً الاهتمام الكبير الذي توليه مصر لعلاقات الشراكة التي تربطها بالاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى الثنائي، أو في الإطار الأوسع للتعاون العربي- الأوروبي في المجالات ذات الاهتمام المشترك. ولعل اجتماعنا اليوم يعكس وبوضوح رغبتنا المشتركة في بناء شراكة عربية - أوروبية تعود بالنفع على الجانبين، وتسهم في تحقيق الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، لنقدم بذلك نموذجاً يُحتذى للتعاون والتكامل بين التجمعات والتكتلات الإقليمية، وذلك من خلال الحوار البناء، وتحديد مساحات الاتفاق في المصالح والأهداف.
 
إن نظرةً سريعة على التحديات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، كفيلة بأن تبرز وبوضوح حاجتنا لمزيد من التشاور والحوار العربي الأوروبي حول القضايا الإقليمية والدولية، والتي يأتي على رأسها تعاظم خطر الإرهاب والتطرف وما يرتبط بهما من انتقال الإرهابيين والمقاتلين الأجانب عبر الحدود لزعزعة أمن الدول العربية وأوروبا على حد سواء؛ وتأزم الوضع على الساحتين السورية والليبية بما بات يعصف بمقدرات هذين البلدين العربيين ويدفع الآلاف إلى هجر أوطانهم واللجوء إلى دول الجوار العربي أو أوروبا؛ فضلاً عن الركود الذي تشهده عملية السلام في الشرق الأوسط بما يسمح باستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني.

أصحاب المعالي والسعادة،

إن كلاً من هذه التحديات والقضايا الملحة التي لا شك أنها أعراض مؤلمة لعملية إعادة تشكل قاسية يخوضها النظام الإقليمي في منطقتنا، يتطلب منا استيعاب جذور واصل هذه التحديات، خاصة إذا ما كان الهدف هو أن تتضافر جهودنا من أجل استعادة التوازن والاستقرار في المنطقة، واحتواء تداعيات الأوضاع الحالية على أمن واستقرار العالم العربي أوروبا، بل والعالم بأسره.


وفي هذا السياق، فمن الأهمية بمكان أن نقوم بقراءة مدققة لطبيعة رياح التغيير التي هبت على المنطقة منذ عام 2011. فبقدر ما حملت دعوات التغيير التي عبرت عنها الشعوب من مطالب مشروعة لتأمين مستقبل أفضل تستحقه أجيالنا الشابة بكل تأكيد ... فقد أفضى المزيج الخطير من التدخلات الخارجية، واعتبار قوى رجعية أن موجة التغيير فرصة سانحة لتحقيق مكاسب سياسية أبعد ما تكون عن أهداف تحقيق الديمقراطية والتنمية العادلة ... أفضى هذا المزيج الخطير إلى نتيجة عكسية لم تعصف فقط بآمال التغيير والتقدم، بل حولتها في بعض أرجاء المنطقة لأهوال يئن لها ضمير الإنسانية، يدفع الأبرياء ممن كانوا يتطلعون إلى الحرية والتقدم ثمنها من أمنهم ومصائرهم. 
 
 
وفي إطار الحوار الصريح والبناء الذي نحتاج إليه، فليسمح لي شركاؤنا الأوروبيون بأن أدعوهم إلى وقفة تأني مع النفس تأخرت في تقديري بأكثر مما يجب، من أجل إعادة تقييم رؤيتهم بشأن التطورات التي شهدتها السنوات الماضية على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط، ولمدلولات هذه التطورات وتأثيراتها. ولعله بات جلياً بما لا يتحمل الاجتهاد بأن التحول المنشود نحو الديمقراطية والتقدم وتحقيق تطلعات 60% من سكان المنطقة ممن لم يتجاوزوا الـ30 عاماً ويحلمون بالحرية والتمكين الاقتصادي وجني ثمار التقدم الإنساني بشقيه المادي والقيمي، لا يمكن بأي حال أن يقوم على أنقاض تماسك الدول ووحدتها أو من خلال إضعاف مؤسسات الدولة الوطنية وخلق الفراغات السياسية التي تسمح بنشوء صيغ رجعية للسلطة تلعب فيها الميليشيات، وقوى الطائفية، بل والمنظمات الإرهابية دور البطولة الزائفة.
 
لقد بات درس التاريخ القريب جلياً لا يحتمل التأويل، فالتغيير والتقدم المنشودان لن يتحققا إلا من خلال الدولة الوطنية والحكم الرشيد، وبتدعيم صيغة محدثة ومتقدمة من دولة المؤسسات الوطنية ذات الرؤية والقدرة على تحقيق تطلعات مجتمعها للتقدم بتوظيف أدوات سيادتها تأسيساً على شرعية التفويض الممنوحة من شعبها.


السادة الوزراء، السيدات والسادة،

إن التدقيق في خصائص ما تعانيه المنطقة العربية اليوم من أزمات، والتي تمتد آثارها إلى أوروبا، يظهر يكشف بوضوح الآثار الكارثية لهذا التحلل والتفكك لسلطة الدولة في بعض أرجاء المنطقة. واسمحوا لي أن أبرهن على ذلك من خلال بعض الأمثلة:
 
 

فالإرهاب وجماعاته، لم تكن لتنتشر وتتغلغل بهذا الشكل المعقد لولا التقويض الذي تعرض له مفهوم الدولة الحديثة لصالح أيديولوجيات متطرفة وخطاب يحض على العنف وكراهية الآخر والهيمنة باسم الدين .... فما هي القوة التي تستطيع مواجهة ودحر الإرهاب إن لم تكن الدولة الرشيدة بمؤسساتها الأمنية الفاعلة لمواجهة مخططات الإرهابيين على المستوى العملياتي، ومؤسساتها الدبلوماسية التي تتدخل لخط مسار للحلول السياسية للأزمات المنتجة للإرهاب على المستوى الإقليمي، ومؤسساتها المدنية والدينية التي تنتج خطاباً دينياً مستنيراً يواجه التطرف الفكري ويرسخ قيم التسامح والاعتدال، ومؤسساتها المدنية والدستورية التي تحمي حقوق الإنسان، وتدفع بعملية التنمية الاقتصادية.
وإذا ما نظرنا للأزمة في سوريا من نفس الزاوية، سنجد أن أي حل سياسي يعيد الاستقرار ويرفع المعاناة الإنسانية عن الشعب السوري يتعين أن يمر عبر بوابة الحفاظ على وحدة الدولة السورية وتماسك مؤسساتها الوطنية وسلامة أراضيها.
 

إن مصر تتفهم وتؤيد الوفاء بمتطلبات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والإصلاح السياسي، وتؤكد على رفضها القاطع وإدانتها لكافة الأعمال الإجرامية التي ترتكبها مختلف أطراف الأزمة تجاه المدنيين في كافة أنحاء البلاد، كما تُدين كافة العمليات والجرائم الإرهابية المرتكبة من قبل التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية بحق ضد المدنيين فى مختلف المناطق السورية.
 
 ولكن درس السنوات الخمس الماضية –على قسوته وثمنه الإنساني الفادح- واضح ولا يحتاج سوى لاستيعابه إذ يحاول المجتمع الدولي خط مسار الخروج من هذه الأزمة، وهو أن التغيير المنظم والإصلاح والتحول السياسي المرتب هو الحل لبناء سوريا جديدة تتسع لكل أبنائها.
 
أما إذا نظرنا غرباً إلى ليبيا فإن الأضرار الكارثية للفراغ الناتج عن سقوط الدولة يتضح أكثر فأكثر. فقد أسفرت الإطاحة بالنظام السابق عن انهيار شبه كامل للدولة الوطنية الليبية، وبات مصير ليبيا ككيان سياسي موحد رهينة لمخططات الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التى تعرقل تنفيذ اتفاق الصخيرات الذي بذل المجتمع الدولي الكثير من الجهد والوقت لتسهيل التوصل إليه. وإذ تؤكد مصر دعمها لاتفاق الصخيرات ومحوريته، فإنها ملتزمة بالعمل بشكل مستمر حتى يتم التوصل لتوافق بين المجلس الرئاسي الليبى ومجلس النواب، والتنسيق بين كافة الأطراف الليبية لتقديم مصلحة ليبيا على ما عداها، سعياً إلى إقرار وتنفيذ تسوية سياسية شاملة وتشكيل حكومة وفاق وطنى ممثلة لجميع شرائح وأطياف المجتمع الليبي. إن بناء الدولة في ليبيا عملية معقدة وصعبة، ولكنها لا غنى عنها إذا ما أريد لهذا البلد أن يعود إلى خريطة العالم العربي كإطار وطني جامع لأبناء الشعب الليبي وأداة لتنفيذ تطلعاته إلى التقدم والحرية والرخاء.
السيدات والسادة،

إسمحوا لي أخيراً وليس آخراً أن أتطرق إلى أهمية ألا تشغلنا التحديات الجسيمة التي تواجه إقليمنا عن القضية التي كانت وستظل هي أصل التحديات الاستراتيجية في المنطقة، وهي قضية الشعب الفلسطيني وحقه المهدر حتى الآن في إقامة دولته المستقلة التي توفر إطاراً لتحقيق تطلعاته للحرية بعيداً عن قيود الاحتلال وممارساته غير الإنسانية. فلم يعد من المقبول أن يتغافل المجتمع الدولي عن محورية القضية الفلسطينية في القلب من أي مسعى جاد ومخلص لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الشرق الأوسط، وهو ما لن يتحقق أبداً طالما لم يتم التوصل لإطار للسلام العادل والشامل الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية، وتخرج معه الدولة الفلسطينية العتيدة وعاصمتها القدس الشرقية إلى النور.
 
 
السادة الوزراء، الحضور الكريم،    
    
ختاماً، أكرر ترحيبي بضيوف مصر وجامعة الدول العربية، وأؤكد على حرص مصر على استمرار الحوار بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، والتزامنا بالعمل المشترك من أجل تدعيم الاستقرار والأمن في منطقتنا وفي أوروبا، ولدعم السلم والأمن الدوليين، متمنياً لاجتماعنا اليوم التوفيق والسداد والخروج بنتائج تتناسب مع تحديات المستقبل، وتتسق مع آمال شعوبنا وتطلعاتها.