محمد حسن عبد الله يكتب: ( جرة ربابة ) وداع وحنين

ركن القراء

محمد حسن عبد الله
محمد حسن عبد الله


ورحل محمد أبو المعاطي أبو النجا دون أن يحدث جلبة من أي نوع أو درجة، رحل في سلام وكانت حياته كذلك، قرأت النبأ في الصحف مع أن بيته (في المعادي) ليس بعيداً عن بيتي، كما أن مسقط رأسه الريفي (قرية الحصاينة) لم تكن بعيدة عن قريتي (تمي الإنديد) أول معرفتي باسمه حين نشرت له مجلة الآداب البيروتية قصته التي فازت بمسابقتها، لفتني إليها بلدياته محمود العزب زميلي بالرابعة الثانوية بمعهد المنصورة الديني. العزب من قرية (ديو) المجاورة للحصاينة. أعجبتني القصة كان موضوعها عن سباق سباحة في النيل تعرفت على أهم جوانب حرفيته في الكتابة.

 سبقت أبو المعاطي إلى الكويت ببضعة أعوام، كان مدرساً بمدرسة المثنى المتوسطة حين كانت في شارع الجهراء فسعيت في أن ينقل إلى ديوان الوزارة فألحق بمكتب الوكيل المساعد، ثم قدمته إلى الدكتور محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي وزميلي في الجامعة فأعجب به وضمه إلى المجلة فأضاف إليها محمد المخزنجي ومحمد مستجاب وملحقاً عن الطفل.

 كان أبو المعاطي محسوباً على اليسار المصري. من ثم كان على مقربة من الدكتور عبد المحسن بدر وصديقاً لسليمان فياض، ومحفوظ عبد الرحمن، وحين كان فاروق شوشة يمر بالكويت فإن أول "عزومة" لفاروق كانت تجمعنا في بيت أبو المعاطي.

 كان أبو المعاطي وادعاً عازفاً عن العراك الفعلي أو الثقافي مع استنارة تذكرك بالماء العذب والنسيم البليل وبهذه الروح كتبت عنه ويكفي أن يعنون إحدى قصصه بـ: "الجميع يربحون الجائزة" !! 

 لم تكن وداعة أبو المعاطي تحول دون صرامة أحكامه وشناعة بعض تعبيراته، وأذكر أن ثروت أباظة حدثني عن رأي غير طيب لأبو المعاطي في كتابته (لا أعرف كيف) فكان تعليق الأباظي قاسياً جداً، وبالطبع احتفظت به لنفسي وما كان لي أن أبلغه إياه.

 حين كتبت مسرحية "حادثة خط الاستواء" - وكنا في الكويت- أعطيت نسختها الخطية لأبو المعاطي أستطلع رأيه. بعد يومين جاء يحمل النسخة ويسألني كيف كتبت هذا العمل؟- رأيت في طرح هذا السؤال ما يحمل دلالة ضمنية أنه لم يكن شديد الثقة أو كامل الرضا عن قدراتي في التأليف- فقلت له ببساطة: كتبته وأنا في السرير تحت البطانية هرباً من البرد!! قال أبو المعاطي ببساطة الصوفي الزاهد وصدقه: إن كل ما كتبته أنا – يقصد نفسه – هو عندي بمثابة بري القلم استعداداً لأن أنجز عملاً مثل هذه المسرحية!! هكذا لم يتردد أو يتحفظ في إبداء إعجابه وهذا لا يحدث إلا من نفس صافية حقاً.

 أما النادرة المتداولة في الشلة التي كان أبو المعاطي متواشجاً معها أن الجماعة المشار إليها افترضت في جلسة استرخاء أن فاروق شوشة يريد أن يرسل أخته من القاهرة إلى دمياط، فمن الذي يأتمنه فاروق عليها؟ أجمع أعضاء الشلة على أن أبو المعاطي هو الجدير بأداء هذا الواجب في صورته الصحيحة !! مضت هنيهة قلب فيها أبو المعاطي الاحتمالات في ذهنه فأدرك المغزى البعيد وهنا قام غاضباً موجهاً حديثه إليهم: منعول أبوكم يا ولاد ... 
 رحم الله أبو المعاطي الصديق النبيل، وزمانه الجميل.