د.عبد الرازق محمد على يكتب: حسبة برما اسلام البحيرى...!!

ركن القراء

د.عبد الرازق محمد
د.عبد الرازق محمد على


هذا المقال ليس لتفنيد ما يقوله السيد (اسلام البحيرى) من الناحية الدينية أو الأصولية وإنما هو تحليل موضوعى لفكرته وطريقة عرضها والوقت الذى يعرضها فيه -فليس الأمر معه أو ضده- وليس المقال لنصرته أو نقده - انما هوفقط تحليل موضوعى لمجمل القضية التى حركت الرأى العام خلال العام المنصرم.
ذروة بل وحجر الزاوية فى القضية التى أثارها (اسلام البحيرى) انه لم (ينقد ) التراث الإسلامى بل إنه جاء (لينقض) التراث بأكمله ويسقط رموزا هم الرجال الذين نقلوا الدين (بالسند المتصل) وفى هذا إشكالية فكرية وثقافية  كبرى لعوام الناس قبل رجال الدين والمثقفين - ليس المقام يتسع لها ها هنا ..فقد سبقه الكثير من علماء واءمة المسلمين انفسهم الذين نقحوا ونقدوا احاديث فى البخارى ومسلم بل وضعفوا أحاديث شهيرة  فى امهات الكتب  ..فليس الامر اذن بجديد ولكن الجديد كان فى طريقة (النقض وليس النقد) والهجوم بالفاظ جارحة لا تستقيم مع حرية الراى والراى الاخر وهو أبعد ما يكون عن جمال الاختلاف والنقد البناء - ومع قراءات الاستاذ إسلام البحيرى المستفيضة وتعمقه فى بواطن المذاهب الإسلامية وثقته فى نفسه بصورة طاغية  إذ أنه  محاور ذكى وله أسلوب ماكر فى الجدال ناهيك عن الالتفاف بالافكار والمراوغات المنطقية والإجابات المعدة آنفاً للاشكاليات.... ومع فشل تجربة الإخوان وافتضاح الاسلاميين السياسيين . .. ظن السيد اسلام البحيرى بأن الأمر لن يأخذ فى يديه شهورا معدودة حتى يقضى على التراث الإسلامي بالضربة القاضية !!! فالوقت كان مهيئا لذلك من وجهة نظره , إلا أن الرياح قد تأتى بما لا تشتهيه السفن...!! فقد تسرع السيد اسلام فى العرض والاسلوب وعدم اختيار الوقت المناسب...وفى وجهة نظرى فان اسلام هو من اجهض مشروعه لتعجله الشديد.. فكما يقولون فى الحكم (من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه) وفشل مشروعه أيضاَ  للأسباب التالية :
اولا اللغة الجسدية المتاصلة أثناء الجدال مع الآخرين اذ تبدو فى حركة يده الخاطفة وهو يتباهى قاءلا (الملايين التى تشاهدنا) و التشنج العنقي أحياناً ناحية الكتف الأيمن وعلو الصوت مع استباق الهجوم فى الكلام للرد ولعق اللسان للشفتين قبل تفنيد اى أطروحة فى النقاش- دل سيكلوجيا على أن السيد اسلام البحيرى ليس لديه ثبات انفعالى قويم لمثل تلك القضايا الكبيرة التى يقوم بخوضها..ناهيك عن سهولة استفزازه, مما أفقده جانبا كبيرا من الصواب أثناء الحوار وهذا ما ظهر جلياً فى حواره مع ممثل الازهر فى ضيافة أسامة كمال -بل وأربكه بشدة وأضعف من موقفه فى مداخلته مع إيمان الحصرى على قناة المحور, فعلو الصوت دليل قاطع على الهزيمة والفشل..كما أنه يقع فريسة دائما لوقود إعلاء الذات المتاصلة فى الحديث المسترسل- فيناقض ما قاله بعد أن أبهرته نفسه بالقوة الكلامية وهذا قد تكرر كثيرا وعلى سبيل المثال لا الحصر تجد فى بداية كلامه مع معتز الدمرداش فى أول ظهور له بعد خروجه من السجن كيف قد أبدى وبشدة مرارة السجن وكيف أنه هوَّن على نفسه الفترة بأن قسطها حتى تهون عليه الايام القاسية بل إن فكرة السجن فى حد ذاتها  فكرة مؤلمة (على حد قوله) . .تجده بعد نصف ساعة  من الحديث يصرح بان الأحد عشرشهرا الذى قضاها فى السجن لا تمثل له اى عبيء ولا تعنى عنده شيء  .!!..حدث ذلك لأنه وصل لمرحلة من الانتشاء الكلامى ,ذروة خروج الاندورفين ومشتقات المورفين ..فى الجسم( هرمونات الانتشاء ) مما دفعه  لكى يطلق عنان الألفاظ  دون حاكم أو ضابط وهو ما يفقده المصداقية مع الكثير من علماء النفس المتمرسين فى لغة الكلام والجسد  ولو انه سمع لفرج فودة أو نصر ابو زيد بتركيز شديد  لراى فى نفسه عوارا نفسيا بجانب اتزانهما النفسى فى عرض القضايا فى هدوء وإتقان  فقد كانا يسيطران على انتشاء النفس بخبرة عتيدة.. إلا أن السيد اسلام خالجه إحساس دفينٌ بأنه  أفضل من الآخرين وهذا ما كشفت عنه الأحداث وهو يقتحم المعركة عنتريا منفردا !!! وهكذا تقهره نفسه فلا يضبطها فيقع فى الخطأ بعد الخطأ ثم يمارى ويكابر ويعلو صوته وتتشنج أفكاره بغية  أن يصلح ما أفسد !!  ولكن للأسف يوصله كبره إلى تخبط شديد وتشغيب مرتهل  ينقل احساسا لدى المشاهد وان كان بسيطا بعدم المصداقية.. ..كما أنه بارع في المراوغة الفكرية لإثبات ادلته وهو أمر متمرس فيه أغلب المصريين- فتتضح حيله ويخور اسلوبه بخلاف سيد القمنى مثلا فإنه يثبت على رأيه ولا يراوغ وان كانت فاطمة ناعوت ليست بقوة وحجة إسلام البحيرى الا ان انسحابها واحيانا اعتذارها يعطى لها مزية عن البحيرى وان كان البحيرى أشد مكرا ودهاءً.. إلا أن الانسحاب أو الاعتذار يعد انتصارا فى كثير من الأحيان وهو أمر لا أراه فى شخصية البحيرى البتة لأن عقليته عنيدة - . .الامر الذى يهز من ثقة المشاهد فيه ولو بعد حين ! 
عقبة كؤود تقف أمام البحيرى تتمثل في شخص شيخ الأزهر الشريف الحالى الدكتور (أحمد الطيب) فالرجل له باع طويل في الفلسفة المعاصرة والقديمة على حد سواء -فبجانب قريحته الدينية الاصولية , فان الرجل قد    حصل على الدكتوراة من فرنسا فى الفلسفة الاسلامية بل إنه  يجيد الفرنسية ببراعة منقطعة النظير ما أهله أن يترجم العديد من كتب الفلسفة الفرنسية - وما ينشده السيد اسلام البحيرى من تراهات فلسفية بالنسبة لعقلية ومنطقية رجل مثل (أحمد الطيب) كان قد درسَّه وفنَّده ومحصَّه بل ومحضَّه بل ورد عليه بالفرنسية قبل العربية منذ أربعين عاما تقريبا وقت ان كان السيد اسلام البحيرى يتعلم حروف هجاء اللغة العربية وليس الفرنسية  لأكبر دليل على سهولة  تفنيد أفكاره والرد عليها  ليس بالدين فقط بل بالمنطق الحضارى الحديث والفلسفة المعاصرة...  وليس هذا انتقاصا فى حق (اسلام البحيرى) بل هو تذكير له بأن رأس الأزهر الشريف أسطورة فلسفية تنويرية فى الفكر الحر والفلسفة الحديثة لذا فإن الهجوم على ثوابت الدين فى وجود رجل بقامة أحمد الطيب يذكرني بقول الشافعى 
واعجب لعصفور يزاحم باشقا ....إلا لطيشته أو خفة عقله !
أضف إلى فلسفة أحمد الطيب الدينية والمعاصرة , براعة (أسامة الأزهرى) العقلية والعلمية وداهية (خالد الجندى) الاجتماعية والحوارية وبصيرة  على الجفرى القلبية والروحانية -والكثير من العلماء الأفذاذ الذين لا يتسع المقام لذكرهم- فإن هزيمة البحيرى متأتية لا محالة . .وليس هذا انتقاصا من الرجل ولكن المنطق الرشيد يقول هذا والقوة العقلية ترجح كفة الأزهر . ..ولا تاخذنّ السيد اسلام البحيرى العنترية فإن الوطن الان فى اشد حاجة للاتحاد لا الخلاف وخصوصا في قضايا  تمس الأمن القومى فى الصميم فقضية الدين فى مصر لها جوانب شائكة ربما تقضى على أركان الدولة وهذا ما يراهن عليه أعداء مصر والأمة العربية.. وان كان السيد اسلام البحيرى وأصدقاؤه التنويريون حريصين على وطنهم الغالى مصر, وهذا مما لاشك فيه- فليؤجلوا معركتهم حتى تضع الحرب الشنعاء على مصر من أجل هزيمتها وخرابها وتمزيقها من أوزارها .
أمر أخير أذكر به السيد اسلام فهو ينتشى كثيرا  بالشهرة والسيط والكلام الكثير عنه سواء بالإيجاب أو بالسلب إلا أن هذا اكبر أعداءه. ..(نفسه) التى بين جنيبه هى عدوه اللدود لأنها تعظم له من عبقريته وقوة حجته وغلبته الكلامية... .فبدا أن مرآة نفسه قد إزدادت من تقعرها فرأى نفسه على خلاف الواقع الرشيد والحق السديد وان كان قارئا متمرسا ومتحدثا قوياً . ..فرأس الحكمة أن يرى الإنسان قدراته الحقيقية وقوة من يحاجج الفكرية باقتدار..بل إن الانسحاب لهو نصف الانتصار لا سيما أن كان تغليبا لمصلحة الوطن أو مراجعة لأفكار تحتاج إلى امعان ونظر.

وكما ان مقولة (حسبة برما) تعنى كيف تكاتف المصريون حول فلاحة مصرية بسيطة لمساعدتها حين اصطدم أحدهم بها فتكسر بيضها الذى جائت به لتبيعه-فلم يكن هناك حل الا أن الجميع قد اتحدوا لكى يجدوا حلا للمشكلة وان كانت الحسبة تبدو معقدة للغاية- كذلك قضية التجديد الذى ينشده إسلام البحيرى -لن تحل وهو يغنى على ليلاه منفردا-فان ارتئى مصلحة الوطن فليجلس مع علماء الأزهر أنفسهم والمثقفين لتقديم خطاب دينى قويم - فان حسبة برما اسلام البحيرى لن تحل الا كما حلت حسبة برما الفلاحة المصرية الأصيلة عندما تعاون وتكاتف المصريون جميعا على مساعدتها حتى فتح الله بالحل على واحد منهم ثم تشاركوا جميعا على تعويضيها...!!!