محمد حسن عبد الله يكتب : (جرة عسل).. لكل بضاعة.. زبونها!!

ركن القراء

محمد حسن عبد الله
محمد حسن عبد الله


لا أريد أن أدخل في حوار (بيزنطي) على طريقة: هل البيضة أم الدجاجة هي الأسبق!! وهذا يعادل: هل البضاعة هي التي تستدعي الزبون (تُوجِده) أم العكس هو الصحيح، أي أن الزبون هو الذي يوحي بمطلب البضاعة؟ أتلمس هذا المعنى (التائه) في ثلاث لقطات متباعدة زمانًا ومصدرًا وطرافة، وإن جمعت بينها الصورة النهائية عن العلاقة بين البضاعة والزبون. 
اللقطة الأولى: حين وصلتُ الكويت (أولَ مرة) للعمل مدرسًا (سبتمبر 19622)، ونزلت أتجول في الشوارع مستهديًا بلافتة خضراء عالية عن ساعات أوميجا (وكانت تُكتب أوميغا)، فطالما رأيت اللافتة الخضراء السامقة اطمأنت نفسي المغتربة أنني لن أضل طريق العودة!! في أقصى شارع الجهرة (رسميًا شارع فهد السالم) رأيت توكيل سيارات أعجبني منظرُها الكلاسيكي؛ فدخلت صالة العرض، ولم أكن أضع في حسباني على الإطلاق أنني مفلس، المهم أنني أخذت أتأمل منظر السيارات من الخارج، ونسق فرشها الداخلي، والتابلوه الذي لم أكن أعرف اسمه، وطال المشهد قليلاً، فأقبل نحوي المشرفُ على الصالة، وهنا بادرتُ بسؤاله قبل أن يسألني: "هي العربيه ديه بتعمل كام كيلو في الصفيحة؟". ظهرت الدهشة على وجه الرجل، ابتسم ابتسامة مهذبة، وقال: "لازم أنت مصري، فلا يسأل عن البنزين غير المصريين. وهذه السيارة ماركة رولز رويس. ومن يشتريها لا يسأل عن استهلاكها!!". صمت. للخلف دُرْ، وغادرتُ صالة العرض في هدوء بعد أن عرفت أن بين السيارات ما يسمى رولز رويس!!
اللقطة الثانية: قرأتُها في إحدى روايات محمد عبد الحليم عبد الله (حبي الأول في مجال الرواية). نسيت مكان هذه اللقطة؛ إذ قرأتها منذ أكثر من نصف قرن، ولكني لا أزال أذكرها: كان المشهد يجمع رجلين يتناقشان في أمر لا أذكره، ولكن خلاصته أن الأرزاق مضمونة لكل المستويات، وأن نصيبك يلاحقك، أو تلقاه حتى لو لم تطلبه! إذ قال أحد الرجلين للآخر: ماذا تظن؟ الشيخ محمد رفعت بكل جلالة قدره يقرأ في مسجد السيدة زينب، والناس تتدافع لسماعه حتى تصل الميدان، ومع ذلك يوجد في شارع السد جامع المدبولي فيه قارئ يتعتع في الكلام، ويجتهد في التجويد بصوت لا يكاد يُسمع، ومع هذا يتوافد عليه المصلون يوم الجمعة، ويجلسون للاستماع إليه، والائتمام به!! الأرزاق على الله، يا أخي!!
اللقطة الثالثة هي الأقرب زمانًا وواقعية: فقد كنتُ مع الأديب جمال الغيطاني في أحد مشاويرنا المشتركة، ورأيت من شباك السيارة عربة فول في الشارع وحولها جمهور يأكل بشهية عالية؛ لدرجة أنني تمنيت أن أكون بينهم. أفضيت بأمنيتي لجمال، فقال: "أنا عشتُها وجربتها، هذا بوفيه مفتوح، تُحاسب على أطباق الفول والخبز، أما المخلل والبصل فهو بالمجان. 
 في المعادي قريبًا من بيتي يقع محل فول وطعمية شهير على مستوى القاهرة، ومع ذلك تقف أمامه عربة فول ذات بوفيه مفتوح تتَحَلّق حوله الزبائن دون انقطاع. 
 رحم الله جمال الغيطاني واعترافه الجميل..